نورالدين البحار: تراجع مستوى التلاميذ بالثانوي التأهيلي رهين بالإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي

تراجع مستوى التلاميذ بالثانوي التأهيلي رهين بالإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي.

نورالدين البحار

    رغم المحاولات المتكررة لإصلاح منظومة التربية والتكوين بالمغرب إلا أننا نعيش اليوم واقعا لا يعكس بالبث والمطلق الجودة التي ننشدها، وهذا الأمر يتحمل فيه الجميع المسؤولية بدون أدنى شك، بما في ذلك المتعلم والمدرس والقائمين على الشأن التربوي باختلاف مهامهم. فهناك فرق كبير بين نية الإصلاح والعمل على الإصلاح، فحينما ننظر إلى الدول التي تحتل المراكز الأولى عالميا في التعليم نجدها إما تصلح الصالح أو أنها تصلح الفاسد لكن حينما نعود إلى منظومتنا نجد بأننا نفسد الفاسد وهذا راجع إلى اعتماد مقاربات بيداغوجية لا أساس لها بالبنية الثقافية الاجتماعية المغربية، فما نقوم به هو استقاء هذه المقاربات إما من كندا أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو فرنسا… ونسقطها على المدرسة المغربية دون أي مراعاة لخصوصيتها، ذلك لأن هذا المقاربات تحتاج إلى عدد محدود من المتعلمين داخل الأقسام كما تركز على الكيف بدل الكم الذي نعتمده نحن…

   لكن بما أن موضوعنا يتمحور حول التلميذ وتراجع قدراته المعرفية والمنهجية مقارنة بالسنوات الماضية فسنعمل على حصر حديثنا في هذا الإطار.

   لقد أصبح الكثير من المتعلمين إن لم نقل أغلبهم يلجون مرحلة الثانوي التأهيلي وهم غير قادرين على التواصل بشتى أنواعه، وأقصد بالتواصل هنا القدرة على التعبير شفويا وكتابيا عن الآراء. وهذا راجع بالأساس إلى تخصيص حيز كبير من  وقتهم لمنصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي جعل منهم أفراد مغتربين عن واقعهم وعن ذواتهم، والسبب في ذلك يعود إلى كون هذه المواقع أصبحت تمثل بالنسبة لهم مكانا للحرية ولتفريغ صراعاتهم السيكولوجية سواء تلك التي تتعلق بأمنياتهم أو بآرائهم المرفوضة من طرف مجتمعهم، كما يجدون فيها مكانا مناسبا للتعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم الناتجة عن مرحلة نموهم (المراهقة).

    هذا الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي جعل منهم متعلمين لا يتقبلون أن يقرؤون إلا ما هو قصير، الأمر الذي يبرر عدم اهتمامهم بقراءة الكتب والقصص والرويات التي من شأنها أن تطور أسلوبهم في التعبير والكتابة.

     مع هذا الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت تقتحم مدارسنا ظاهرة خطيرة جدا تتمثل في مطالبة المتعلمين بما لا يستحقون وهو الأمر الذي أصبح يبدو لهم عاديا وجائزا بل ومشروع في بعض الأحيان، وأقصد هنا المطالبة بالحصول على معدلات تمكنهم من النجاح دون بذل أي مجهود الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات.

     أصبحنا أمام متعلمين رقميين لا يستطيعون إدراك إلا ما هو سمعي بصري، الأمر الذي يدعوا إلى إعادة الاعتبار للصورة وإدماجها في عملية التعلم، لكي نقدر أن نخرجهم من سلبية التلقي التي أصبحوا فيها بصدد الوسائط السمعية البصرية (وسائل الإعلام، اليوتوب، الفيسبوك…)،ولكي يقدرون على فهم ما نود تلقينه لهم،  فأمام هذه الرقمنة التي عملت على سلب التلاميذ ماهيتهم الحقيقية وأبعدتهم عن واقعهم وجعلتهم يعيشون أوهاما قد لا يستفيقون منها حتى يكون قد فات الأوان ومن ثم استحالة استدراك الأمر. يجب على الجهات المعنية داخل التدخل لإنقاذ أبنائنا من الضياع وذلك عن الأقل بإعادة الاعتبار للمدرسة كمكان خاص مؤطر بقوانين ويعتمد على معايير على الجميع الخضوع لها.  

     مع هذا الظاهرة صعب أن يتم تحقيق أي جودة في التعليم، ومادامت منظومتنا التربوية ترتبط بمبدأ محاربة التكرار وتقيس الجودة في التعليم بنسب النجاح فلا يمكن أن نحد من هذه الظاهرة أبدا، لأن اهتمام المتعلم بالدراسة لا يمكن أن يتم إلا من خلال اعتماد مبدأ الاستحقاق. ممكن أن يقول المرء ما الذي يدفع المدرسين لعدم تطبيق هذا المبدأ بمرحلة الثانوي التأهيلي، فنجيبه ببساطة لأن المدرس في هذه المرحلة يجد بأن أغلبية المتعلمين الذين يدرسهم يفتقدون لأبسط القدرات المعرفية، وإذا ما طبق مبدأ الاستحقاق فسيسقط في الظاهرة التي تحاربها منظومتنا التربوية ألا وهي ظاهرة التكرار، ومن ثم الضرب في بعض المرتكزات الأساسية للإصلاح الذي تنشده الفئات التي تتدعي القدرة على إصلاح التعليم.

إغلاق