نموذجية العلوم التجريبية – مسألة العلمية في العلوم الإنسانية
موضوع الدرس
المجزوءة | مجزوءة المعرفة |
المفهوم | مسألة العلمية في العلوم الإنسانية |
المحور | نموذجية العلوم التجريبية |
محاور الدرس:
- التأطير الإشكالي للمحور
- الموقف الأول القائل بإمكانية اتخاذ العلوم التجريبية كنموذج للعوم الإنسانية
- الموقف القائل بعدم امكانية اتخاذ العلومالتجريبية كنموذج للعوم الإنسانية
- التأطير الإشكالي للمحور:
تمكنت العلوم الطبيعية وخاصة العلوم التجريبية كالفيزياء والبيولوجيا، من بناء نموذج خاص بها، تعتمده في تفسير ودراسة ظواهرها. وبما أن العلوم الإنسانية هي الأخرى مطالبة بصياغة نموذج تعتمده في دراسة ظواهرها، فالسؤال والإشكال هو إن كان بإمكانها اعتماد العلوم التجريبية كنموذج، أم نه لابد لها من بناء نموذج خاص بها، نموذج يراعي خصوصية الظاهرة المدروسة والتي هي الظاهرة الإنسانية. من هنا يمكن لنا أن نتساءل:
ما النموذج الذي يمكن أن تعتمده العلوم الإنسانية في دراسة ظواهرها؟ هل يمكن للعلوم الإنسانية اعتماد العلوم التجريبية وخاصة منهجها كنموذج لدراسة الظاهرة الإنسانية، أم أن خصوصية الظاهرة الإنسانية تقتضي ابتكار نموذج خاص بها يراعي خصوصية الظاهرة الإنسانية وكذلك خصوصية الباحث في العلوم الإنسانية؟ وإن كان يمكن اعتماد العلوم التجريبية كنموذج، فهل مرد ذلك أن الظاهرة الإنسانية يمكن أن تدرس كما تدرس الظاهرة الطبيعية؟ وإن كان لا يمكن اعتماد العلوم التجريبية كنموذج، فهل مرد ذلك هو صعوبة تطبيق نموذج العلوم التجريبية في دراسة الظاهرة الإنسانية، أم مرده خصوصية الظاهرة الإنسانية أم هما معا؟
-
الموقف الأول: إمكانية اعتماد العلوم التجريبية كنموذج للعلوم الإنسانية
يذهب أنصار هذا الموقف إلا أن العلوم التجريبية (كالفيزياء والبيولوجيا) يمكن أن تؤخذ كنموذج للعلوم الإنسانية، ومن أنصار هذا الموقف نجد أوغست كونت وإميل دوركايم في علم الاجتماع، وجون واطسون في علم النفس. يذهب هؤلاء إلى اعتبار الظواهر الإنسانية كأشياء، قابلة للملاحظة والتجريب وتخضع لقوانين ثابتة ، يمكن الكشف عنها مثل الظواهر الطبيعية، في هذا السياق يقول أوغست كونت: “القوانين الطبيعية تحدد تطور الجنس البشري مثلما يحدد قانون الطبيعة سقوط الحجر”، وفي نفس السياق يقول إميل دوركايم في كتابه قواعد المنهج: “إن الظواهر الاجتماعية تدرس كأشياء، ويجب أن تدرس كأشياء”.
من هنا نرى كيف أن هناك من بين علماء الإنسان من يرى في العلوم التجريبية نموذجا يحتذى به في العلوم الإنسانية، وبالتالي يمكن اعتماد المنهج التجريبي القائم على الملاحظة والفرضية والتجربة والقانون في تفسير الظواهر الإنسانية.
-
الموقف الثاني: عدم إمكانية اعتماد العلوم التجريبية كنموذج للعلوم الإنسانية
ينتقد أنصار هذا المذهب الأطروحات القائلة بإمكانية اعتماد العلوم التجريبية كنموذج للعلوم الإنسانية، ومن بينهم نجد عالم الاجتماع ماكس فيبر وعالم النفس وليام جيمس والفيلسوف والإبستمولوجي كارل بوبر، ذلك لان هناك مجموع من الصعوبات تحول دون إمكانية اعتماد المنهج التجريبي منها:
- مشكلة الملاحظة: فالملاحظة تفترض الموضوعية أي فصل الذات الملاحظة عن موضوع الملاحظة، لكن العلوم الإنسانية تجد صعوبة الفصل بين الذات والموضوع، وهو ما سماه بياجي ب”التمركز حول الذات”، أو ما يمكن أن نسميه بالانطلاق من الذات في فهم الموضوع.
- مشكل التجريب: يجد الباحث في العلوم الإنسانية نفسه أمام عائق صعوبة التجريب على الظاهرة الإنسانية، فإذا كان من السهل مثلا إعادة إحداث ظاهر طبيعية داخل المختبر، كظاهرة كتبخر الماء مثلا، فإنه لا يمكن إعادة إحداث ظاهرة مثل ظاهرة الانتحار والتجريب عليها.
- مشكلة القياس: أي أنه لا يمكن صياغة النظريات في العلوم الإنسانية باستعمال المعادلات ولغة الأرقام، لماذا؟ لأنها ظواهر كيفية وليست كمية، فلا يمكن مثلا أن نقيس العواطف ككرهنا أو حبنا لشخص ما.
- مشكلة القانون والحتمية: يقصد بالقانون العلاقة الثابتة بين ظاهرتين أو أكثر، ويقصد بالحتمية أن نفس الأسباب لابد أن تؤدي لنفس النتائج، لذلك ينتقد هذان المبدآن المأخوذان من العلوم التجريبية، لأن الظاهرة الإنسانية لا يحكمها قانون ثابت، كما أنه يمكن لنفس الأسباب ألا تؤدي لنفس النتائج في بعض الأحيان. فإذا عدنا إلا ظاهرة الانتحار مثلا، فيمكن القول بأن التفكك الاجتماعي لا يؤدي دائما إلا الانتحار.
- مشكلة الموضوعية: يصعب تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية لأن الباحث يكون هو الملاحظ والملاحظ، كما أنه لا يستطيع إزاحة تمركزه حول ذاته.
-
خلاصة تركيبية:
لعل أبرز ما يمكن استنتاجه، هو أن وضعية العلوم الإنسانية ونشأتها المتأخرة، جعلتها تقف موقفا وسطا، فهي من جهة لازالت متأثرة بالعلوم التجريبية وبمنهجها، ولكنها من جهت أخرى تسعى جاهدة إلى الاستقلال عن باقي العلوم، عبد بناء نموذج معرفي خاص بها.