رواد التنوير: مسؤولية مُركّبة بقلم محمد عرفات حجازي
رواد التنوير ـ مسؤولية مُركّبة
التنوير هو اتّجاه ثقافيّ ساد أوروبا الغربية في القرن الثامن عشر بتأثير طبقة من المُثقّفين عُرِفوا باسم المُتفلسفين، وكانوا صحفيّين وكُتّابًا ونُقّادًا ورُواد صالونات أدبيّة، ولم يكونوا أصحاب فكر بقدر ما كانوا مُروّجين لأفكار عصرهم.
واتّخذت حركة التنوير الأوروبية شعارًا بعنوان “العلم للجميع”، وكانت روح التنوير شديدة العداء للكنيسة وللسلطة مُتمثّلة في الدولة، وللخُرافة والجهل والفقر، أيضًا فقد كان شعارهم في كلّ شأن من شئون الحياة ينصّ على: “كلّ واحد حُرّ يفعل ما يشاء في تفكيره! مَشِّي حالك!”.
استنادًا لما سبق، فإنّه إذا كان رُواد التنوير، عمومًا، ليسوا على ذات الدرجة العلمية أو التخصّص، فالأهمّ هنا هو استعمال النقد، النقد البنّاء، لكافة أشكال العطب المُتوغّلة في المجتمع، نقد التُراث، ونقد المُعاصرة. ومن جانب آخر، فإنّ شعار “كلّ واحد حُرّ… مَشِّي حالك” من الخطورة بمكان؛ إذ لا يُمكن أن نرفعه عاليًا في توجّهنا التنويري العربي، وهو ما يضع مسئولية أخلاقية تنويريّة جديدة على عاتق رُواد التنوير ذوي النزعة الإنسانية، الإنسانية فقط.
إنّ أصحاب الأيديولوجيات الرجعية ـ من كُتّاب وصحفيّين وإعلاميّين ورجال دين وقيادات الجماعات الدينية وفنّانين …إلخ ـ والمُنتشرين عربيًّا كغُثاء السيل، ينفثون في العقل الجمعي العربي أفكارًا مسمومة، تخدم في النهاية مصلحة السلطة القائمة، أو توجّهاتهم الغربية المدعومة من الفكر الصهيوني، وذلك من خلال تفتيت النسيج الاجتماعي المُمزّق، وبالتالي فإنّنا أمام ضرورة مواجهة تلك الفوضى الفكرية العارمة، وهو ما يعني احتدام الجدل الفكري بيننا وبينهم، ووجوب تسلّحنا بالجرأة والشجاعة والأخلاق في آن معًا.
إنّ المُفكّر التنويريّ الأصيل، هو مُفكّر ذو نزعة إنسانيّة، ويُناط به مُمارسة التفكير الناقد لكلّ ما هو سائد، والانخراط في البحث الموضوعي بوصفه شاهدًا على الحقيقة، وتجسيد حُرّية التفكير، ومُمارسة المسئولية الأخلاقية والتخيّل الأخلاقي، ما يعني أنّه يحمل بداخله مسئولية مُركّبة تجاه وطنه..