مميزات براهين ديكارت على وجود الله مقارنة ببراهين المشائين- يوسف مرابط
يوسف مرابط: طالب باحث
لقد استدل الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت على وجود الله بمجموعة من البراهين في كتابه التاملات الميتافيزيقية يمكن حصرها في ثلاثة براهين، وكانت لهذه البراهين الديكارتية مجموعة من الممتيازات مقارنة بتلك البراهين التي كانت عند المشائين والسكولائيين، ومن هنا انبثقت مرحلة تفكير جديدة تقوم على الشك المنهجي الذي يهدف الى بلوغ اليقين، وهذا ما يدفعنا الى وضع الاشكالات التالية:ما هي مميزات براهين ديكارت على وجود الله مقارنة ببراهين المشائين ؟وما هي الاضافات التي جاء بها ديكارت في استدلاله على وجود الله؟
تميز العصر الحديث بظهور مرحلة تفكير جديدة تسعى الى اختبار كل شيء امام منصة العقل، ومن اهم رواد هذه المرحلة ان لم نقول من المؤسسين لهذه المرحلة نجد روني ديكارت خاصة في كتابه التاملات الميتافيزيقية الذي يتكون من ستة تاملات، حيث شك في كل شيء في التامل الاول بما في ذلك وجوده، فقام باستبعاد كل ما يشك فيه (مسح الطاولة) من اجل بلوغ اليقين، وهذا الشك دليل على نقص في المعرفة، وهذا دليل على ان هناك كائن كامل وهو الذي يمتلك المعرفة كلها، وهذا الكائن لابد ان يكون هوالله، هذا هو البرهان الاول على وجود الله.
اما البرهان الثاني فهو برهان الخلق:حيث يتساءل ديكارت هنا عن علة الخلق، من الذي خلقه؟وهل ممكن ان يكون علة نفسه دون تدخل الاله؟ وهذا السؤال يطرح لاول مرة مع ديكارت لان المشائين قبله يرون بان كل ما يوجد تحت السماء تم خلقه وسيفسد، ولا يمكن ان تكون الموجودات عندهم هي علة ذاتها فهذا امر محال، لكن ديكارت يضع هذا السؤال ويتجاوزه بالقول لو كنت انا من خلقت ذاتي لما شككت في امرها ولكنت قد منحت لنفسي كل الكمالات دون ان اكون ناقصا، وبالتالي فلابد من وجود كائن كامل خلقني وهو يوجد خارج ذاتي، وهذا الكائن هو الله.
وتجدر الاشارة الى ان ديكارت اسقط سؤال علة الوجود حتى على الله، حيث يقول ما هي علة الله؟وهذا سؤال لا يمكن ان يضعه قبله السكولائين ولا المشائيين، لكن ديكارت وضعه وتوصل الى ان علة الله هي ذاته.
الدليل الثالث: هو دليل مستوحى من الهندسة، ويُعدّ من أقوى هذه البراهين وأدقها، ففيه حاول ديكارت أن ينتقل من الفكر إلى الوجود؛ أي أنه استخلص وجود الله من فكرة الله Idée de Dieu ذاتها على نحو ما نستخلص صفات المثلث من فكرة المثلث، فحينما يتصور فكرة الله فهو يتصور ماهية ثابتة لم يخترعها وليست مرتبطة بفكره كما ليس بمقدوره أن يغير فيها شيئاً، على غرار ما يتصور ماهية المثلث، كماهية ثابتة لم يخترعها وليست متعلقة بفكره، كما لا يمكنه أن يزيد عليها أو ينقص منها شيئاً. بهذا المعنى تكون فكرة الكامل تتضمن الوجود بالضرورة على اعتبار أنّ الوجود كمال، وبالتالي لو كان الكامل غير موجود لكان ناقصاً مفتقراً لموجود.
ومن هنا نستخلص مميزات اخرى لبراهين ديكارت على تلك التي وجدت عند الفلاسفة المشائين، لان ديكارت يرى بان الفكرة ليست عدم وانما لها قيمة وجود، ووجد بان فكرته الفطرية عن الاله هي اعلى الافكار قيمة في الوجود، مما ادى به للقول بان الله موجود،فهو يعتبر بان الفكرة لكي تكون حقيقية يجب ان تكون ممكنة وغير متناقضة فقط، عكس المشائين الذين يعتبرون بان حقيقة الفكرة مرتبطة بتطابقها مع الواقع.
زد على ذلك ان ديكارت ينطلق من الفكر لاثبات وجود الله ومن الذات الالهية عكس ما كان خلال العصر الوسيط حيث كان يتم الاستدلال على وجود الله بالانطلاق من العالم وموجوداته لبلوغ الاستدلال على الله، سواء تعلق الامر بدليل العلة الفاعلة او الغائية، او دليل النظام والكوسموس، او دليل التفاوت في مراتب الوجود….
ومن هنا نستنتج بان ديكارت في برهانه الاول على وجود الله ينطلق من الذات الانسانية وهذا ما كان معمولا به في الفترة اليونانية، وفي البرهان الثاني يدخل الذات الالهية والانسانية وهذا ما تميزت به الفترة الوسيطية حينما اصطدمت النظرية الارسطية المفهومية بالاقرار الديني الموجود في النصوص المقدسة، اما البرهان الثالث فقط تخلص فيه من الذوات بشكل عام واقتصر على الفكر الخالص وهذا هو الجديد الذي يؤكد لنا ذلك التغير الذي طرأ على طريقة التفكير، بحيث اصبح الفكر في غنى عن الذوات .
يوسف مرابط