ملخص كتاب العقل المنظم تأليف دانيال ج. ليفيتِن

يتحدث الكاتب عن تطور البشر منذ بدايته و ما حدث من تغيير في أنظمتهم العصبية و تكيفيهم بهذا التغيير و مع البيئة المحيطة بهم، حيث اعتمد الإنسان على الوسيلتين الأساسيتين لديه و هما: الذاكرة من خلال الرسم و النقش و الأصوات، من خلال الموسيقى قبل اختراع الكتابة و مختلف أنظمة التقويم لمختلف الحضارات البشرية، و التي واجهت معظلة كبرى و هي كيفية تخزين هذه المعلومات حتى وصل العقل البشري لعصر المعلومات الحالي، و الذي تتوفر فيه الخزائن و الحواسيب و الهواتف و الأجهزة الذكية.

و استكمالا لفكرة تطور الوسائل فقد بين علماء النفس المعرفي أنه لا يمكن الإعتماد على الذاكرة بشكل مطلق و ذالك يعود لأن المصادر الخارجية للذاكرة تنقسم إلى نوعين:

  • الأول يتوافق مع طبيعة الدماغ البشري
  • و الآخر يتعارض معها

لذا فإن الناجحين من البشر هم الذين يستطيعون معرفة طبيعة نظام الدماغ و سبل التوافق معه، و هذا هو الإنتباه الذي قد لا يكون في صف واحد مع آلية تعدد المهام، التي يلجأ لها الكثيرين.

يذكر ليفيتن أن الإغريق هم أول من استخدم المصادر الخارجية للذاكرة، و لم تتأخر حضارة المصريين القدماء عنهم بعد اختراعهم المكتبة، كم يوضح أن هناك طريقتين رئيسيتين تمكننا من السيطرة و تحسين عملية الانتباه و هما:

  • التركيز في طريقة ادخال المعلومات و تشفيرها.
  • إيجاد أسهل الطرق لإسترجاع المعلومات.

نحن نواجه اليوم تيارا متدفقا من المعلومات كمتلقين لها، بل و مرسلين أيضا و بمعدلات تتضاعف عن الأجيال السابقة، و لذا تبرز أهمية عملية فرز هذه المعلومات و انتقاء أهمها للإحتفاظ به و تجاهل كل ما يشتت الإنتباه بما يساعد في تحسين اتخاد القرارات، لقد أثبتت الدراسات الحديثة في مجال علم النفس الإجتماعي أن الناجحين هم من يستطيعون استغلال الموارد المتاحة لهم في اتخاد قرارات حياتهم دون تكبد عناء تشتيت أذهانهم بالبحث عن البدائل أو إجهاد عقولهم بمختلف الخيارات التي لا تعود عليهم بالنفع.

و من أشهر الأمثلة على ذلك الثري الأمريكي الشهير وارن بافيت، و الذي يعد من الأمثلة الشهيرة على اتخاد القرارات بسهولة دون ارهاق عقله بالخيارات و ذلك باتخاده لمنزل صغير و بسيط كسكن له منذ أكثر من 50 عاما ، على الرغم من امكانيته شراء أفخم القصور بالإظافة إلى وجباته البسيطة لكن حينما يكون الأمر متعلقا بوضع استراتيجيات مشروعاته الاستثمارية الكبرى فإن بافيت لا يتباسط في دراسة و تحليل مختلف المعلومات الداعمة لقراراته، و ذلك ما يسموا إليه الناجحون من المستويات العليا للتميز و الإتقان.

إن عقل الإنسان يتعامل يوميا مع 100 ألف كلمة في المتوسط أي نحو 34 جيجا بايت و هذا قد يصل بنا إلى مرحلة لا يمكننا عندها التعامل مع كل ما نتلقاه من معلومات و لذا فإن المعضلة تكمن في تصفية ما يفيدنا من كومة قد لا نستفيذ منها من خلال تصنيف المعلومات، و هي مسألة تتطلب جهدا يستهلك جزءا كبيرا من طاقة الدماغ و تأثر على عملية الإنتباه التي تقود العقل الباطن لاختيار ما يجب التركيز عليه و الانتباه إليه ، فيما يعرف بمصفاة الإنتباه،

فالناجحون هم القادرون على تصنيف المعلومات المهمة و فصل ما يحتاجون إليه عما يشتت انتباههم، و يستخدمون منظومة الإنتباه و يفعِّلون الذاكرة الخارجية قدر إمكانهم كي لا يبدلوا جهودا لاسترجاع ما يهمهم من معلومات، و ذلك إما بالوسائل المتاحة في الهواتف الذكية و التطبيقات الرقمية التي تخدمنا في تنظيم المعلومات.

و يمكن استعمال عدة طرق تقليدية لتصنيف المعلومات مثل أدواة التذكير بمختلف الأماكن التي نقضي فيها أوقاتنا و منها المفكرات، الرزنامة، الملصقات الصغيرة، الخ…
و هنا يلخص ليفيتن الفكرة بمقلوته:

قد يتسبب نهمنا للمعرفة في نجاحنا أو فشلنا

أي بمعنى أما أن تشتت المعرفة انتباهنا، و إما أن تجعلنا ننخرط في رحلة طويلة من التعلم و استكشاف الجديد في عالمنا المتسع.

يتطرق الكاتب للحديث عن كيفية استخدام النظام النفسي للذاكرة البشرية، لهدف الوصول لتنظيم أمثل للعقل، و قسم هذا الموضوع إلى خمس فصول حول تنظيم منازلنا، تنظيم عالمنا الإجتماعي، تنظيم وقتنا، تنظيم المعلومات للقرارات المصيرية عندما تكون الحياة على المحك، تنظيم عالم الأعمال لاستحداث القيمة.

كثيرا ما نقوم بتضييع أشيائنا في المنزل لعدم وجود مكان معين لها، و يعزى ذلك حسب علماء المخ و الأعصاب إلى جذع المخ و هو الجزء المسؤول عن تذكر أماكن الأشياء، و يريد الكثير من الناس أن يكونوا منظمين و هو ما يعني أنهم يريدون التحكم ببيئتهم الجسدية و النفسية، لذا فإن علم النفس المعرفي قد اكتشف بأنه يمكننا أن نسيطر عندما نضع ما نحتاجه نصب أعيننا بشكل مستمر و بإخفاء ما لا نحتاجه، و من الإبتكارات التي توضح هذا المبدأ، التحكم عن بعد التي نسيطر بها على احتياجاتنا عند استخدام الأزرار المتاحة أمامنا.

و من الحلول التي ذكرها المؤلف أيضا عملية الإسهام الجماعي في تصنيف المعلومات و ترتيبهاـ و من أهم الأمثلة على ذلك موسوعة ويكيبيديا بالإضافة لتطبيقات الخرائط و التنظيم المروري و التي تعمل على مبدأ التنسيق و التعاون و الإسهام من قبل أكبر عدد من المستخدمين.

و في ما يخص تنظيم الحياة الإجتماعية يشير الكاتب أن التصنيفات الكثيرة و المتفرعة فيها قد تسبب إلى تعقيدات غير مرغوب بها مع تأثير العنصر البشري، بما يجعلنا نميل إما إلى التصرف بما يحقق المصالح الشخصية أو التملص من هذه العلاقات بشكل كلي.

لذا فإنه يمكن الإستئناس بنصيحة ذكرها أحد المحامين بضرورة تدوين الملاحظات عن الأشخاص الذين نلتقيهم و نضيف إليها معلومات أكثر إذا ما توطدت العلاقات مستقبلا، و علاوة على ما سبق يبرز المؤلف أهمية النوم و الراحة في تنظيم المعلومات في المخ، و بأنه يساعد كثيرا في حماية الذاكرة و حفظ المعلومات، و فيما يخص اتخاذ القرارات فإن ليفيتن يصفها بأنها من أصعب العمليات التي يقوم بها العقل البشري، نتيجة للتخوف الذي قد يعتري الشخص من العواقب المستقبلية للقرار، و هو ما قد يضهر بشكل فشل وقرارات خاطئة عند استخدام الحدس و الغرائز، خصوصا القرارات التي قد تستند إلى بيانات احصائية أو علمية دقيقة التي يوفرها تنظيم المعلومات، و قد تبين ذلك في الحاجة للتوثيق و المستنداة في المؤسسات ، بما يساعد في التواصل بين الأفراد و مدرائهم و اتاحة الفرصة لتطبيق تجسيد الذاكرة من خلال نقل السياسات الإجراءات من عقول الموظفين إلى وثائق المؤسسات سواء الورقية أو الإلكترونية.

من ثم ينتقل المؤلف إلى مسألة اتخاد القرارات المصيرية التي تضيف قيمة كبيرة و الذي يرى بأنه لا يمكن حصرها في شخص واحد بل قد تتطلب مناقشات موسعة و استشارات دقيقة و تبادلا للمعلومات بما يكشف كافة الجوانب الإيجابية و السلبية على حد سواء و هنا يشير إلى أن نجاح المنظمات الكبيرة يقوم على اطار من التنسيق و التفاهم بين أعداد كبيرة من الموظفين و العاملين و بأنه ما تم تبادل المعلومات في نطاق ضيق و في غياب الشفافية فإن المؤسسات ستفشل و تسقط و يتعطل الإبتكار على مختلف المستويات، لذا فعلينا أن نكون مستعدين حين نفشل لمختلف الأسباب التي نتوقعها أو الظروف التي لم نتوقعها و نوفر أدنى الإحتياجات التي تساعدنا في إستمرارية الأعمال.

و تحدث المؤلف عن بعض الرؤى المستقبلية حول ما يجب أن نتعلمه نحن و أن ننقله لأطفالنا و من أهم هذه المهارات كيفية تفهم وجهة الطرف الآخر، إذ على العالم أن يواجه بجهود بجهود موحدة المشكلات التي يعاني منها في عصرنا الحالي مثل الجوع و الحروب و الإحتباس الحراري و غيرها، فعلى الإنسانية جمعاء أن تعمل على تبادل المعلومات و الأفكار و أيضا أن تغلب الثقة على سبل التعاون البشري، كما يجدر بنا أن نعلم أطفالنا مهارة التعلم مدى الحياة و أن نغرس فيهم الفضول الإيجابي الذي يساعدهم على طرح الأسئلة المهمة لإشباع هذا الفضول ولا ضير من ارتكاب الأخطاء أثناء عملية التعلم فهي تساعدهم على التأقلم مع التغيرات السريعة التي يمرون بها أو التي سيمرون بها مستقبلا في حياتهم، مع تعزيز قدراتهم في حل المشكلات و الإبتكار بما قد يساهم في حل الأزمات التي نمر بها في وقتنا الحالي، و يأكد ليفتن على أهمية ترتيب الأفكار و تنظيم العقول التي تعتبر سلاحا هاما في التغلب على التحديات و تجاوز الصدمات و النهوض من العثرات و مواجهة الحياة ونظرا لميل البشر الفطري نحو الفوضى تبرز أهمية البحث عن المساحات التي تحتاج لتنظيم و إعادة ترتيبها حين تصعب الأمور و هو ما أطلق عليه أهمية درج الخردة مع عدم الخشية من ارتكاب الأخطاء ، و ذلك في سبيل المصلحة الأكبر و هي تنظيم الحياة و الاستمتاع بها.

المصدر : موقع نادي علم الاجتماع

إغلاق