محور التاريخ وفكرة التقدم – مفهوم التاريخ

موضوع الدرس

المجزوءة مجزوءة الوضع البشري
المفهوم الثالث مفهوم التاريخ
المحور الثاني محور التاريخ وفكرة التقدم
الفئة المستهدفة  مسلك الآداب والعلوم الإنسانية

محور التاريخ وفكرة التقدم من مفهوم التاريخ

محاور درس التاريخ وفكرة التقدم:

  • التأطير الإشكالي لمحور التاريخ وفكرة التقدم

  • فريدريك هيغل: التاريخ يتقدم وفق لمنطق الضرورة ويسير نحو تحقيق الحرية

  • كارل ماركس: التاريخ يتقدم وفق منطق الحتمية ويسير نحو تحقيق الحرية والرفاهية

  • كلود ليفي ستراوس: التاريخ يسير على شكل قفزات وطفرات

  • خلاصة تركيبية

التأطير الإشكالي للمحور

يشير التاريخ إلى مجموعة من الأحداث والوقائع التي ترتبط بعصر أو بأمة، وبالتالي لابد ونحن نشتغل فلسفيا ونفكر في مفهوم التاريخ أن نحاول كشف مدى ترابط تلك الأحداث والوقائع، وإن كان التاريخ يسير بشكل تراكمي وبنوع من التقدم، أم أنه يسير على شكل قطائع وقفزات وطفرات، وبتعبير آخر إن كانت لحظات وفترات التاريخ تسير وفق منطق ما، وإن كان التاريخ يخضع لمنطق الحتمية والضرورة. هكذا يحق لنا أن نتساءل:

كيف يسير التاريخ وما هو المنطق الذي يحكم الأحداث والوقائع التاريخية؟ هل يسير التاريخ وفق منطق الضرورة والحتمية أم هو منطق الصدفة؟ وهل التاريخ والأحداث التاريخية يسير بشكل منتظم، وعبر تسلسل تصاعدي يرتبط فيه اللاحق بالسابق ويكون أكثر تقدما منه أم أن التاريخ لا يسير بشكل منتظم ومتسلسل؟ وهل للتاريخ غاية يهدف إلى تحقيقها؟

فريدريك هيغل: التاريخ يتقدم وفق لمنطق الضرورة ويسير نحو تحقيق الحرية

يرى الفيلسوف الألماني فريدريك هيجل (1770-1831م)، أن التاريخ يسير وفق خط متسلسل تصاعدي، ويرى أنه يسير نحو تحقيق غايته. كما أن هذا الخط التصاعدي للتاريخ يسير بشكل جدلي، حيث ينتقل من القضية إلى نقيض القضية، ثم إلى التركيب. ومعنى ذلك، أن التاريخ يسير عبر الانتقال من مرحلة تاريخية  أدنى وأقل تقدما (القضية) إلى مرحلة متقدمة تتضمن المرحلة السابقة (النقيض) ثم إلى مرحلة أخرى تتضمن كلتا المرحلتين وتكون أكثر تقدما منهما (التركيب). ويمكن أن نقدم مثالا ضمن فلسفة هيغل، يتحدث فيه عن تطور التاريخ الإنساني وفق منطق جدلي، وهو كالآتي:

  • القضية: الحضارات الشرقيّة القديمة (الصينيّة والهنديّة والفارسيّة والفرعونيّة) وقد تميزت هذه المرحلة، بنوع من العبودية، ولم يكن حرا إلا الحاكم.
  • نقيض القضية: حضارة اليونان والرومان: تميزت هذه المرحلة باتساع نطاق الحرية لتشمل المواطنين أيضا وليس الحكام فقط، لكن الحرية لم تشمل الكل، وإنما المواطنين اليونانيين والرومانيين فقط، أما البقية فكانوا يصنفون كهمج وكبرابرة.
  • التركيب: الأمة الجرمانية: وتميزت هذه اللحظة بانتصارها للوعي والحرية، النظر إلى الإنسان إنسان حر.

إضافة إلى ما سبق، فالتاريخ حسب هيجل ليس سوى تجسيدا وتجل للروح المطلق، وتحقيقا تدريجيا للكمال والحرية.

نقد تصور فريديريك هيغل:

يمكن أن ننقد التصور الهيغيلي للتاريخ، لأنه تصور مثالي، وأيضا لأنه يمجد الحضارة الألمانية على حساب حضارات أخرى، كما أنه يجعل الإنسان مجرد وسيلة في يد التاريخ.

كارل ماركس: التاريخ يتقدم وفق منطق الحتمية ويسير نحو تحقيق الحرية والرفاهية

يرى الفيلسوف الألماني كارل ماركس أن ما يحكم التاريخ ليس ما هو عقلي مثالي كما يظن هيغل، وإنما ما هو مادي. ورغم هذا الإختلاف، فماركس يتفق مع هيجل في كون التاريخ يسير نحو تحقيق غاية محددة، وهي تحقيق الرفاهية والمساواة للناس دون استثناء. كما أن التاريخ يسير بشكل تترابط فيه الأحداث والوقائع بشكل متسلسل تصاعدي، وبشكل تكون فيه اللحظة اللاحقة أكثر تقدما ورقيا مقارنة باللحظة السابقة. كما أن التاريخ يخضع لمنطق الحتمية والضرورة، حيث تكون كل لحظة تاريخية لحظة ضرورية تفرضها الشروط المادية المرتبطة بما هو اقتصادي خاصة. وفي هذا السياق يرى ماركس أن التاريخ لابد أن يقطع اللحظات التالية: 1) المشاعية البدائية (تميزت بالملكية العامة)، 2) مرحلة الرق والعبودية والإقطاع (تميزت بالملكية الخاصة) 3) المرحلة البورجوازية (تميزت بالملكية الخاصة)  4) المرحلة الاشتراكية. هذه المرحلة الأخير ستتحقق فيها -حسب ماركس- الحرية والمساواة والرفاهية، لأنها تتميز بانتهاء النظام الاقتصادي القائم على الملكية الخاصة.

نقد تصور ماركس لتقدم التاريخ:

إن ما يمكن أن ننتقد فيه التصور الماركسي، هو اعتبار قوله بالتسلسل الضروري والحتمي للحظات التاريخ، فهذا القول يجعل الانسان مجرد خاضع للتاريخ ولأحداثه. كما يمكن أن نؤكد أن اللحظات التاريخية ليست بالضرورة لحظات حتمية، كما أنها ليست لحظات تكون فيها اللحظة اللاحقة أكثر تقدما مقارنة باللحظة السابقة عليها.

كلود ليفي ستراوس: التاريخ يسير على شكل قفزات وطفرات

على خلاف ما ذهب إليه هيغل وماركس، ومجموعة من المفكرين والفلاسفة الآخرين، يرى الأنثربولوجي الفرنسي كلود ليفي ستراوس أن التاريخ يسير على شكل قفزات وطفرات، ولا يسير بشكل تسلسلي ضروري. ففي كتابه “العرق والتاريخ” يؤكد أنه إذا كانت الإنسانية قد حققت منذ مراحلها الأولى أنواعا من التقدم كانت واضحة وباهرة، فإن هذا لا يعني أننا سنكون قادرين على ترتيب هذه الأنواع من التقدم، وفق تسلسل منظم ومتصل، يقول ستراوس في هذا السياق: “إنه وقبل خمسين سنة، كان العلماء يستعملون خطاطات ذات بساطة جذابة لتمثيل أنواع التقدم، مثل عصر نحت الحجر وعصر صقل الحجر وعصر النحاس… ونظن اليوم أن عصر نحت الحجر وعصر صقله تزامنا، أحيانا، جنبا إلى جنب، فحين تفوقت التقنية الثانية على الأولى وحجبتها نهائيا، فإن الأمر لم يكن نتيجة تصور تقني تلقائي انبثق عن المرحلة السابقة”. وهنا يتبين كيف أن تقنيتي نحت الحجر وصقله قد تزامنتا، ولا يمكن أن نقول أن إحداهن تشكل لحظة لاحقة وأكثر تقدما مقارنة بالأخرى.

إذن فالتاريخ البشري، لا يسير في نظر ستراوس بشكل خطي تصاعدي أي كسلم، يرتبط فيه اللاحق بالسابق ويكون أكثر تطور منه، وإنما يجب النظر إليه كبنية لها منطقها الخاص. وهنا يشبه ستراوس التاريخ بلاعب النرد، والذي قد يربح في مكعب ويخسر في آخر. أيضا فالقول بالتطور والتقدم –من وجهة نظر ستراس- من شأنه أن يخلق نوعا من التفاضل على مستوى لحظات التاريخ.

خلاصة تركيبية للدرس

قادنا إشكال التاريخ وفكرة التقدم إلى البحث في مفهوم التاريخ، وخاصة إن كانت أحدث التاريخ ووقائعه يسير بشكل يكون فيه اللاحق أكثر تقدما من السابق، وأيضا إن كان التاريخ يسير نحو تحقيق غاية ما وإن كان خاضعا لمنطق الحتمية والضرورة. وقد تبين لنا أن كيف أن وجهات النظر قد اختلفت وهو ما أدى بالضرورة إلى اختلاف التصورات. أما التصورات التي أفرزها التفكير في إشكال  التاريخ وفكيرة التقدم، فيمكن أن نقسمها إلى موقفين، موقف يرى أن التاريخ يسير بشكل منتظم وتسلسلي وتصاعدي ويسير نحو تحقيق غايته، وموقف يرى أن التاريخ يسير على شكل طفرات وقفزات، وأن فكرة التقدم قد تتضمن أحكاما قيمية  تهدف إلى تمجيد أمة على أخرى، أو تمجيد حاضرها على ماضيها، أو تمجيد لحظة تاريخية ما على حساب لحظة أخرى.

إغلاق