لماذا نحن في حاجة للسيكولوجية في مجتمعنا؟ – أيوب ميس

مـــــــــــــقدمــــــــة  :

يؤسفني قول أننا لم نصل للمستوى المقبول من الإنتاج العلمي في مجال السيكولوجيا، صحيح أنه توجد جملة من المساهمات الجماعية، وأخرى فردية قوية خاصة في المجال المعرفي للسيكولوجية، لكنها لم تؤثر بعد، ولا نعرف هل يعود ذلك لتحيز الفرد المساهم، أم هي حرب مدارس قد وضعت حدا من الإنتاج العلمي؟، حيث أن كل ما نراه الآن ما هو إلى تراكم العديد من البحوث بما فيها رسائل الدكتوراه، ليبقى هذا التراكم مجرد خزانة منسية للسيكولوجية والتي لم ترقى بعد لتوظيفها في الاستثمار المعرفي والإبداع، وإلى نمو السيكولوجيا عندنا.
وينطبق هذا على شتى العلوم الحقة والإنسانية التي يتم العمل بها في مجتمعنا العربي _المغربي، ثم يعود السبب الآخر إلى أن العلوم المتداولة هي مستوردة، الشيء الذي يجعل منا أمة استهلاكية غير إنتاجية، ويعود هذا إلى الثقافة التي ننتمي إليها وإلى الطبيعة البشرية، ومن جهة أخرى إلى الباحثين ونوع القضايا التي يتم دراستها، وهذا يضعنا في مأزق وفي سؤال محرج؛
هل يمكن تطبيق الدراسات الغربية في المجتمع العربي تحت ظل اختلاف الثقافات والقضايا والمشكلات السائدة؟ بمعنى آخر، هل الفرد الألماني هو نفسه الفرد المغربي؟

·       القضايا السيكولوجية التي تحتاج لتفاسير سيكولوجية

رغم أزمة السيكولوجية، فهذا لا يمنعنا في أن نقدم النموذج السيكولوجي للمجتمع العربي، لأن مجتمعنا في حاجة ماسة تفرض نفسها بإلحاح كما فرضته في مجتمعات أخرى. 
قد حان الأوان ليخرج مجتمعنا من سجن التصورات الكلاسيكية والدينية للنفس، لأن الحاجة فرضت نفسها لتطوير معارفنا النظرية ومواكبة التقدم العلمي في المجال السيكولوجي، وإلى التطرق لمجموعة من القضايا المهمة التي تشكل عائقا أم المعرفة، ومن بينها :
– الـــديـــنــــية
نحتاج لتفاسير سيكولوجية لبعض التمضهرات الدينية وإلى السلوك الديني، وكذلك إلى التفاسير المُقَدمة من طرف رجال الدين إلى المتدينين، وهذا لأن الدين أصبح قناع لبعض الأفراد، وكذلك جهادا وقتلا لآخرين ضدا للغير المتدينين، وكذلك إلى نزعة الحقد والكراهية بين المصلين وغير المصلين.
فهذه السلوكات التي ربما تكون ناتجة عن فهمنا الخاطئ للجمل المقدسة  في الديانة الإسلامية، قد تفضي بنا إلى تجردنا من إنسانيتنا، ثم تكوين مبادئ خاطئة نتيجة صلة وصل بين النص القرآن والمتدين، وهذه الصلة هي  المفسر بالإضافة إلى تناقد المفسرين فيما بينهم.
– الأســــــريــــة
الحاجة الماسة لتقديم مقترحات للأزواج في علاقتهم مع بعضهم البعض، وفي علاقتهم مع أبنائهم، ناهيك عن نسبة الطلاق المنتشرة بشكل سريع، وبالأساس يجب معالجة مفهوم الزواج بشكل سيكولوجي، ثم الانتقال إلى الأدوار بين الأفراد داخل الأسرة، لمحاربة هدم الأسرة والأساس الذي تنبني عليه هذه العلاقة، لأن التفسيرات الدينية قد فشلت في التأثير وفي معالجة هذه المنظومة.
– الــصــحـــية
فبرغم من التطور الباطالوجيا والتقني الصحي إلا أن هذا المجال يحتاج للسيكولوجية بشكل ضروري وذلك لمعرفة الدوافع التي جعلت الفرد ينقطع عن الحياة، وإلى الأسباب النفسية التي تؤذي بخلل فيسيولوجي ينتج عنه شلل بأحد الأطراف، ثم الرفض التام من طرف الأفراد لزيارة الأخصائي النفسي، مما يضعنا في إشكالية الثقة وإشكالية عدم امتلاك الأدوات التقنية والمعرفية لاقتحام هذا المجال.
– الــتــعلــمية الــتربــوية
تتجلى في العلاقة القائمة  بين التلميذ أو الطالب والأستاذ، والضغوطات التي يحملها كل من المتلقي مع أسرته  وفي الشارع، وكل ما يجعل منه تلميذ مختلف عن الآخرين، وهذا من أجل السير بالمنظومة التعليمية التربوية على نحو أفضل وذلك بتوظيف السلوكية  في هذا المجال، كما أنه يمكن تحديد نسب ونوع الذكاء الذي يتميز به تلميذ عن آخر من أجل تعزيز وصقل ما تميز به كل فرد، وكذلك بالمراعات للضغوطات العملية والعائلية التي تواجه الأساتذة في مسارهم.
-الأمــــــنـــيـــة
تجدر الإشارة إلى أن الاختبارات الأمنية التي يجازها المشارك في مباراة التوظيف سواء العسكرية أو الدركية أو غيرها، يجتاز منها كل مشارك اختبار كما يطلق عليه “اختبار البسيكو”، والتي جان يعمل بها في أمريكا قبيل الحربين من أجل تجهيز جيوشها نفسيا وكذا تحديد الفئة التي سينتمي إليها كل مشارك دون أخد مستواهم بعين الاعتبار. وهذا نفسه ما نحتاجه هنا تفاديا لعدم إعطاء الفرصة للمتعطشين للسلطة، وللدين يميلون للعنف بكثرة، وللذين تجردت منهم الإنسانية حينما اصبحوا داخل المجال الأمني، بالإضافة إلى سلوكات الأفراد وعلاقتهم بمفهوم المخزن، ومدا تأثير هذا المفهوم على الناس.
– الــــبــيــئــية
والمتمثلة في بعض السلوكات الناتجة عن الأفراد في محيطهم، كرمي بقايا الأكل في الشارع دون الاهتمام بهذا الموقف، وإلى استعمال عشب الحديقة مكان للعب، باستبدال كل هذا بسلوكات تنمي المجال البيئوي على المستوى المحلي والوطني، والمحافظة على نظافة المدن بوعي تام وبإرادة حرة دون صدور أي قوانين جزرية، وتشجيع الفرد على غرس النباتات.
خـــــاتـــمــــة :
قد تبدو هذه مجرد قضايا سطحية، ولأنه تم اتخادها بشكل سطحي تقيدا بالموضوع، كما أن الغرض من طرح هذه القضايا هو تسليط الضوء عليها لكي يتم تناولها من طرف الباحثين، وذلك من خلال تجاوز أزمة السيكولوجيا في المجتمعات العربية، وبحكم التجارب السيكولوجية والإنتاجات العلمية في مختلف المراكز والمجتمعات تأخذ على عاتقها كل هذه القضايا بشكل معمق. فنحن كمجتمعات عربية في أمس الحاجة للسيكولوجية في حياتنا اليومية، لأنها تمكننا من التعامل مع كل الأمور بدقة علمية غير المعرفة العامية التي كنا نسير عليها لسنوات عدة، والتي لم يتم حلها والتخلص منها، لهذا فنحن نحتاج لحل  يخلصنا من العبء السلبي المبني على التخويف والترهيب والاعتباطية، والحل يتمثل في السيكولوجية والقضايا الكبرى التي تدرسها.
أيـــوب مـــيـــس، طــالــب بـاحـث بـــــجـــامـعــة ابــن طـــفــيـــل

 

إغلاق