كورنا ليس عقاب من الله – العيادي محمد

 

“أول ما خلق الله العقل”

لا يمكن أن نترك الغيبيات تتحكم في عقول الناس، لابد من خطاب عقلاني يشرح للناس، بأن الله لا يعاقبهم بالأمراض والأوبئة، لكن من سوء حظنا أن انتشار الثورة التكنولوجيا جاء مرتبط بفترة يغيب النقاش يغيب فيها الفكر وبالتالي يسهل تمرير مثل هذه الخطابات، في حين أن الحد من التفكير العقلاني يجعلنا ندرك  أن وباء كورنا ليس عقاب من الله، بقدر ما هو وباء كجميع الأوبئة التي عرفتها البشرية في مراحل تطورها ونضجها، وذلك راجع بالأساس إلى عدم تمكن الانسان من سيطرة على الطبيعة وضبطها، وبالتالي انفلت هذا الوباء إلى الوجود،,بالتالي فهو ليس من نتاج قوى خارج كما يعتقد البعض.
وهذا التفكير الميتافيزيقي إزاء الظواهر البيولوجية، هو نتاج درب من دروب التفكير العاطفي الوجداني الذي مصدره التنشئة الاجتماعية الدوغمائية التي تنتصر لنقل بدل العقل، بمعنى آخر أنه تفكير ذي الطبيعة الغير العقلية أو الذي لا مدخل للعقل فيه.
وأن انتشار هذا النمط من التفكير المنغلق، راجع بالأساس، حسب الدكتور ماجد الغرباوي إلى الفهم الغير السليم للعلاقة بين الفكر والواقع، حيث يرجع الأنثروبولوجيون هذا النوع من التفكير، إلى المرحلة  ما قبل علمية، وهذا ما أكد عليه المفكر أحمد عصيد في إحدى مقالته، أي التفكير الأسطوري السحري القديم الذي أنتجته الجماعات البشرية، قبل بدء الحضارة، ولهذا نجد هذا الاعتقاد نفسه مستمر مع الحضارات الأولى، بلاد الرافيدين ومصر القديمة وآسيا، وهو أعتقاد ارتبط بظاهرتين بقيتا مستمرتين بأشكال مختلف إلى اليوم:
  • التضحية وتقديم القرابيين، وذلك بهدف تخفيف من غضب الألهة واسترضائها.
  • الطقوس السحرية والتعبدية التي كان يشرف عليها الكهنة والعرافون والسحرة،
ويمكن أن نشير في هذا صدد، إلى أن إذا، كانت القرابيين تطورت مع تطور ونمو الوعي البشري، من القرابين البشرية إلى قرابيين حيوانية ورمزية، فإن الطقوس السحرية والتعبدية، بدورها خضعت لتطورات جديدة، حيث انتهت إلى شكلها الحالي، في الديانات الموسومة  ” بالإبراهيمة “، لكن ما يحز في النفس، أن الإعتقادات والطقوس، التي كانت ترى بأن الاضرار الناجمة عن الظواهر الطبيعية، كالمجاعات والجفاف والأوبئة،إنما هي تعبير عن غضب أو عقاب من الله، مازلت مستمر حتى الآن، على الرغم من أن الوعي البشري قطع أشواط كبيرة، من أجل جعل العقل، هو مصدر كل معرفة وجودية، غير أن التفكير الخرافي الأسطوري الذي عفى عنه الزمن، مازال مستمر ومتغلغل في الوعي الجمعي للأفراد، لكن السؤال الذي يطرح نفسها هنا وبقوة، هل بهذا التفكير الميتافيزيقي اللاهوتي يمكن الحد أو القضاء على هذا الوباء المسمى بكورنا ؟ أم باستخدام الفكر العقلاني المنطقي الذي ينظر إلى ظواهر الطبيعية من منظور علمي محض؟
ويمكن القول في هذا الإطار، أنه آن الأوان لمراجعة، جميع مفاهيمنا، وفحصها ومعالجتها، ولما لا نقدها وتجاوزها، لكي نصل إالى نوع من التفكير  السليم النابع من أسس علمية، ولعلى أكبر مثال يمكن أن نستفيد منه، هو ما فعلته الصين، في تعاطها مع هذه الأزمة الوجودية، وذلك من خلال انتصارها على فيروس كورنا، وهي البلد الذي لا يستحضر مطلقا، أي اعتبارات ميتافيزيقية، ومثل هذا تعامل العقلاني مع ظواهر الطبيعية، أكبر دليل على، أن مواجهة المخاطر الوجودية، يجب أن تدبر بأدوات علمية، وليس بدعاء والصلوات وتضرع إلى الله،
ولكن ما نود، أن نتفضل به هنا، هو أن من حق أي إنسان، أن يعتقد ما يشاء، وأن يؤمن بما يشاء، لكن ليس هذا هو المنطق، الذي تحتاجه في هذه الظرفية العصيبة،
وبالتالي وجب علينا، ألا نبقى مؤطرين في التراث المصبوب، في قوالب وتفسيرات خاصة، أغلق باب الاجتهاد فيها، وفقد الفكر ضمنها كل استقلاله وحريته، وهكذا منذ المهد إلى اللحد، يتلقى كلمات ومفاهيم ، وحكايات وأساطير وخيالات، وطرق تعامل مع الأشياء، وكأنها حقائق أزلية، لا مجال لاستخدام العقل أو التفكير، لأن مهمة المنطق والعقل، حصرت في التذكير وليس في استكشاف أو محاولة الفهم.
 
المراجع المعتمدة:
  • ميرسيا إلياد، ” تاريخ والمعتقدات والأفكار دينية”.
  • د.ماجد الغرباوي، ” النص وسؤال الحقيقة..نقد مرجعيات التفكير الديني”
  •  المفكر أحمد عصيد، هل واجهة البشرية الأوبْة بعلم والاختراع أم بدعاء والاعتكاف”
  • المفكر والمؤرخ، محمد أركون، ” قضايا في نقد العقل الديني”

العيادي  محمد: طالب سلك ماستر تخصص علم الاجتماع

إغلاق