علوم التربية وحقولها .. سيكولوجية التربية نموذجاً – حمزة كدة

حمزة كدة

 حمزة كدة / طالب باحث بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط تخصص التربية والفلسفة.
محاور المقالة
1 – تمهيد :
2 – علم النفس:
3 – علم النفس التربوي – تاريخه :
4 – تحديد مفهوم علم النفس التربوي وفصله عن المفاهيم الأخرى القريبة منه :
5 – أهداف علم النفس التربوي :
6 – المظاهر السيكولوجية للمؤسسة التربوية :

1 – تمهيد :

إن الأبعاد الكرونولوجية المهمة التي يجب تصفحها عن علوم التربية هي حداثة نشأتها ترسيخاً وتحديداً، التي لا تتجاوز القرون 18م و 19م و 20م فهي تحمل في طياتها مجموعة من العلوم حديثة التجمع، منها ما هو نفسي كالسيكولوجيا وما هو اجتماعي كالسوسيولوجيا وغير ذلك من العلوم؛ وقد سميت بعلوم التربية وليس علم التربية نظرا لأنها تحمل في براثنها مجموعة من العلوم كما سبق الذكر، وأن خصوبة الظاهرة التربوية بتشعب أطرافها أوسع بكثير من أن يستطيع علم واحد حصرها، وجدير بالذكر أن هاته الظاهرة قبل أن تسمى بعلوم التربية، كان يطلق عليها لفظ “البيداغوجيا”، وهو لفظ يوناني الأصل ينقسم إلى قسمين، “البيدا” تعني الطفل، و”غوجيا” تعني المرافقة أو المصاحبة أو القيادة، أي أن البيداغوجيا لغوياً هي مرافقة ومصاحبة الأطفال، وبالتالي باعتبار أن لفظ البيداغوجيا مقتصرا فقط على الأطفال، كان من الضروري ظهور مصطلح جديد قادراً على الإحاطة بمجالات التربية، فغير لفظ “البيداغوجيا” إلى لفظ ومصطلح جديد “علوم التربية“.
هذا لا يعني أن الفكر التربوي لم يكن حاضراً قبل هاته الفترة ولم يمر من مراحل تطورية، فقد مر التفكير التربوي بثلاثة محطات أساسية.
في “المحطة الأولى” كان التفكير التربوي تحت هيمنة الفلسفة حيث تميز بتمركزه حول مسألة الأهداف والقيم، بينما في “المحطة الثانية” (أواخر القرن 19 م)، أخد التفكير التربوي يأخد اتجاهاً علمياً، وفي “المحطة الثالثة” والأخيرة تم اكتشاف الظاهرة التربوية كسلوك إنساني معقد.
تعددت حقول علوم التربية وانفتحت على عدة علوم، ومن الحقول المهمة والأساسية نذكر، “سوسيولوجية التربية – فيزيولوجية التربية – سيكولوجية التربية” … ويعد هذا الأخير (سيكولوجية التربية) من أهم إن لم نقل أهم حقل في علوم التربية.
فكيف ظهرت السيكولوجية ومن خلالها سيكولوجية التربية؟ ماذا نقصد بسيكولوجية التربية؟ وكيف يمكننا فصلها عن المفاهيم والعلوم القريبة منها؟ ماهي الأهداف التي ننتظرها من سيكولوجية التربية؟ ماهي المظاهر السيكولوجية للمؤسسة التربوية؟

2 – علم النفس:

قبل الغوص في بحر سيكولوجية التربية هيا بنا نقوم بإطلالة عابرة ماسحة وعامة للسيكولوجية (علم النفس).
يعد علم النفس من العلوم الحديثة التي تم إنشاؤها وإقحامها لأول مرة في المختبرات سنة 1879م على يد عالم النفس الألماني الكبير “وليم فونت”، وهذا لا يعني أن الاهتمام ودراسة النفس لم يكن حاضراً قبل هاته الفترة، فالنفس قديما كانت مفهوما فلسفياً بامتياز يتندر به الفلاسفة، ويمضون جل وقتهم في البحث فيه، وفي خبايا وثنايا النفس وعن كيفية دراستها وتمييزها عن الروح والذات، ومع تطور العلم وتحول العديد من الأفكار الفلسفية إلى قوانين إجرائية يمكن تطبيقها على أرض الواقع، ظهر ونشأ حينئذ علم يسمى بعلم النفس، التي اختلفت وتعددت التعاريف حوله، حيث كل عالم نفس ويعرفه حسب انتمائه وإديولوجيته، وبهذا يمكن القول أنه علم يقوم بدراسة علمية للسلوك الإنساني وللعقل والتفكير والشخصية، وذلك قصد فهم السلوك وتفسيره والتنبؤ به والتحكم فيه.
هذا العلم قبل أن يُطلق عليه لفظ “سيكولوجيا” كان يسمى ب “psychology” الذي ينقسم إلى psyche وتعني الروح، و logos تعني دراسة أو علم، أي أنه علم لدراسة الروح، وهذا ما كان سائدا في القرن 16م حيث كان علم النفس يعنى بالعلم الذي يدرس الروح، فظل هذا التصور سائدا ولفظ“psychology” قائماً حتى جاء القرن 18م، وإبان بدايته تغير هذا اللفظ إلى سيكولوجيا وأصبح هذا الأخير شديد الإستعمال والانتشار، ثم تم إقحامه فيما بعد في المختبرات على يد عالم النفس وليم فونت كما سبق الذكر، وقد تفرع إلى عدة فروع ومنها “علم النفس الإجتماعي – علم النفس النمائي – علم النفس التربوي (سيكولوجية التربوية)”، وهذا الأخير هو موضوعنا في هذا المقال، إذن هيا بنا نقتحم كهف سيكولوجية التربية، لكي نتعرف عليها وعلى ما تحمله في طياتها وبراثنها، وآمل أن نخرج من هذا الكهف سالمين ونحمل غنيمة ألا وهي الإحاطة الشاملة بجل أطراف هذا الحقل (سيكولوجية التربية).


3 – علم النفس التربوي – تاريخه :

إن سيكولوجية التربية أو علم النفس التربوي كفكر نظري قد عُرض لأول مرة سنة 1657م في مؤلف العالم “جان آموس كومينسكي” المسمى ب”فن التعليم العظيم” ، ويعد هذا العمل فقط مقدمة أولى للتشكل المديد لعلم النفس التربوي، لأن هذا العلم لم يظهر كعلم مستقل إلا في نهاية القرن 19م.
وإذا تصفحنا الدراسات الكرونولوجية والتأريخية لعلم النفس التربوي، سنجدها تقدم لنا نتيجة مهمة مفادها أن هذا العلم قد مر من ثلاثة مراحل أساسية عبر التاريخ:
المرحلة الأولى : تمتد من أواسط القرن 17م حتى نهاية القرن 19م وتسمى هذه المرحلة بمرحلة “فن التعليم العام”، ومن رواد هذه المرحلة نجد “جان آموس كومينسكي – جان جاك روسو – يوهان هربارت ..” وقد ساهموا هؤلاء العلماء والمفكرين – المربيين، في تطور علم النفس التربوي بشكل كبير، عبر المشكلات والمسائل التي تناولوها (علاقة التطور والتعليم والتربية – الفاعلية المبدعة للتلميذ – خصائص الطفل وتطورها – دور شخصية المعلم…).
المرحلة الثانية : تمتد من نهاية القرن 19م حتى أواسط القرن 20م، في هذه المرحلة بدأ علم النفس التربوي يتخذ شكل الفرع المستقل، وأخد يتطور ويتشكل في نفس الوقت مع تطور السريع لعلم النفس التجريبي، وقد تم تناول العديد من النظريات والأفكار في هذه المرحلة، التي كانت متمثلة في أعمال جون ديوي وبياجيه وغيرهم، كالمشكلات النفسية وخصائص التذكر وتطور الكلام وتطور الذكاء، وكذلك الدراسات التجريبية لخصائص السلوك مع واطسن وسكينر وغيرهم..
المرحلة الثالثة : في هاته المرحلة تم إرساء المبادئ النظرية لعلم النفس التربوي حيث قدم علماء النفس العديد من الأفكار مثل، فكرة التعلم المبرمج التي طرحها سكنر عام 1954م..

4 – تحديد مفهوم علم النفس التربوي وفصله عن المفاهيم الأخرى القريبة منه :

إن علم النفس يقع في مركز المعرفة العلمية، وبما أن علم النفس التربوي هو فرع من فروع علم النفس، فإن علم النفس التربوي كذلك يقع في مركز المعرفة العلمية، وهذا ما يشير إليه جون بياجيه وكذلك أنانيف كيدروف، حيث يقوم بتمثيل المعرفة العلمية في مثلث، سماه ب”مثلث المعرفة العلمية”، تتواجد برأسه العلوم الطبيعية وفي قاعدته العلوم الاجتماعية، وفي مركزه علم النفس وفروعه..
إذا تصفحنا كتاب علم النفس التربوي للدكتور “عبد المجيد نشواتي” سنجده يعرف علم النفس التربوي بأنه “علم مهم يعد من المواد الأساسية اللازمة لتدريب المعلمين وتأهيلهم، لأنه يزودهم بالأسس والمبادئ النفسية الصادقة التي تتناول طبيعة التعلم المدرسي، ليصبحوا أكثر فهما وإدراكاً لطبيعة عملهم وأكثر مرونة في مواجهة المشكلات الناجمة عن هذا العمل”، ولكي نتعرف أكثر عن علم النفس التربوي، شئنا أن نقسم اللفظ إلى العلم والنفس والتربية.
العلم : هو النشاط العقلي المنظم الذي يهدف إلى فهم الظواهر قصد التنبؤ والسيطرة عليها.
النفس : ذات الإنسان والمجال الافتراضي الذي يحتوي على العديد من المكونات الداخلية سواء كانت شعورية أو لاشعورية.
التربية : هي عملية منظمة تهدف إلى إحداث تغييرات مرغوب فيها في سلوك الفرد.
وبالتالي يمكن القول أن علم النفس التربوي هو فرع من فروع علم النفس يهتم بدراسة السلوك الإنساني في المواقف التربوية أي المؤسسات التربوية عامة والمدرسة خاصة، وهو العلم الذي يمنحنا معلومات ومفاهيم والطرق التجريبية والنظرية التي تساعد في فهم عملية التعلم والتعليم والتي ترفع من كفاءتها .. 
إن الصعوبة التي تجعل هذا العلم صعب التعريف والتحديد هي قرابته الكبيرة ببعض العلوم والمفاهيم، كعلم النفس النمائي مثلا، هذا العلم بدوره يهتم بدراسة التغييرات التي تطرأ على السلوك الإنساني في مختلف مراحل الحياة، أي شأنه شأن علم النفس التربوي يرتبطان في موضوع مشترك والمتمثل في الإنسان المتطور، غير أن علم النفس النمائي يدرس الدينامية النمائية لنفس الإنسان أي دراسة السلوك الإنساني من الناحية النمائية، عكس علم النفس التربوي الذي يدرس السلوك الإنساني من الناحية التربوية.

5 – أهداف علم النفس التربوي :

يكاد المفكرين – التربويين والعلماء أن يُجمعوا القول بأن أهداف علم النفس التربوي تتحدد في هدفين أساسيين:
الهدف الأول” : هو توليد وإنتاج المعرفة الخاصة بالتعلم (الجانب النظري).
الهدف الثاني” : هو صياغة هذه المعرفة في أشكال تمكن المعلمين والتربويين من استخدامها وتطبيقها (الجانب التطبيقي).
وبالتالي لا يعد علم النفس التربوي نظري ولا تطبيقي، بل يجمع بينهم نظري وتطبيقي في الآن نفسه.

6 – المظاهر السيكولوجية للمؤسسة التربوية :

تتعدد المظاهر السيكولوجية للمؤسسة التربوية، لكن يمكننا حصر الأهم في مظهرين أساسيين هما التحفيز والقيادة:
التحفيز” : هو إثارة سلوك الفرد بهدف إشباع حاجات معينة، بمعنى آخر هو المثير الذي يحرك الإنسان إلى الاستجابة، مثلا يجب على المربي عامة والأستاذ خاصة أن يحفز التلاميذ من أجل القيام بما ينتظره الأستاذ منهم، ويتفرع التحفيز إلى عدة أنواع (تحفيز مادي – تحفيز رمزي …).
القيادة” : هي عملية إلهام الأفراد ليقدموا أفضل ما لديهم لتحقيق النتائج المرجوة ، والقائد هو الموجه الذي يوجه الأفراد في الإتجاه السليم قصد الحصول على التزامهم وتحفيزهم لتحقيق إشعاع المؤسسة.
_______________________

المراجع :

علم النفس التربوي – إ . أ . زيمنيايا – ترجمة د.بدر الدين عامود.
علم النفس التربوي – عبد المجيد نشواتي – عمان – دار الفرقان للنشر والتوزيع.

كتب ومقالات ذات صلة

إغلاق