الجندر وكوفيد – 19- بقلم عصام أربيب
بالرغم من كون المرأة من الناحية الفسيولوجية هي أضعف من الرجل إلا أنها احتلت مكانة اجتماعية عالية في العديد من مراكز صنع القرار , فاليوم هناك الرئيسة والوزيرة والسفيرة والطبيبة والمعلمة … .
المرأة في الآونة الأخيرة اقتحمت المجالات والقطاعات التي كانت حكرا على الرجال , ومحرمة على النساء من طرف تأويلات رجال الدين , وبمرور الزمن تمكنت المرأة من تغيير نظرة الإنسان لترسانة راسخة من القيم والأعراف والتقاليد المسنودة بالقوانين والتشريعات الذكورية .
فالمرأة التي كانت بالأمس مضطهدة في جل الثقافات والمجتمعات , أتبثت اليوم وفي ظل ما يعانيه العالم من تطورات حاسمة , أن مسألة تقسيم العمل الإجتماعي ينبغي أن يعاد النظر فيها من أجل إعادة صياغة الأدوار الإجتماعية بين الرجال والنساء , ومن أجل التخلي عن الأدوار النمطية التقليدية وتبني أدوارا عقلانية ذات عدالة اجتماعية واضحة تساهم في تغيير الصورة النمطية المعتادة التي ألفنا أن ننظر بها للمرأة .
ففي زمن الوباء والمحن الكبرى في أزمة كورونا أظهرت لنا المرأة و بالملموس أنها قادرة على النجاح في جميع نواحي الحياة , وبإمكانها القيام بمهام اجتماعية متنوعة وعديدة لا يمكن للرجل أن يقوم بها , وذلك ما أكدته من خلال قدرتها على التكيف مع المتغيرات التي بات يعرفها المجتمع .
ومن خلال قيامها بالعديد من الأدوار والمهام , بدءا من الاهتمام بالشؤون المنزلية المختلفة ,مرورا بمتطلبات الحياة الزوجية والحرص على راحة الزوج , وصولا إلى التربية والعناية بالأطفال , فهي تقوم بالعديد من الوظائف في الآن نفسه , وبعدد كبير من الخدمات في اليوم الواحد .
وهذا واقع يغض الكثير من الرجال الطرف عنه وتتناساه فتاوى السلف المحافظ الذي يعتبر أن مكان النساء هو البيت فقط , وتتغافل عنه التيارات الفكرية المعارضة لفلسفة النوع الاجتماعي والحركات النسائية و ذات الثقافة الذكورية المتسلطة التي أدت إلى إقصاء المرأة من مجالات صنع القرار المجتمعي .
والأخطر من ذلك أن سلطوية الثقافة الذكورية كانت سبب في حرمان المجتمع من مساهمة ونجاعة ومشاركة الجزء الحيوي من مواطنيه المتمثل في النساء على مدار سنوات طوال , وهذا يظهر إلى أي حد يتقاعس المجتمع عن الاستفادة من طاقاته البشرية بكاملها .
فهذه الثقافة استمرت تحكم العالم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على امتداد قرون عدة , تعطي للرجال الامتيازات التي تمنحها لهم الموروثات الثقافية وتعززها التفسيرات الدينية التي لا تعترف بحقوق المرأة كمواطن كامل الأحقية , فاستمرار تسيّد وهيمنة هذه الثقافة يؤدي إلى مزيد من الفوارق والاختلالات المجتمعية .
خلال فترة الحجر الصحي وما ترتب عنه من تدابير وقائية احترازية نهجتها الجهات المعنية , كإغلاق الكثير من المؤسسات و المحالات التجارية والمطاعم وغير ذلك من تدابير أخرى , الشئ الذي ساهم في زيادة الضغط والعمل المضاعف لمختلف النساء داخل البيوت وقيامهن بأدوار عديدة في لحظات وجيزة , وخصوصا أن هده الفترة تزامنت وشهر رمضان وكلنا نعرف ونعايش ما يتطلبه هدا الشهر من إعداد وتحضير للوجبات المنزلية المتعددة , ومن القيام بالعديد من الخدمات , مما يدفع النساء إلى مضاعفة المهام التي يقومن بها .
بمعنى لا يجب أن ننظر للعمل المنزلي كعمل لا قيمة له وبأنه من مسؤولية المرأة وحدها بل لا تزال لحدود اللحظة وحتى في الدول المتقدمة المسؤولية ملقاة على عاتق المرأة , فإعادة النظر معناه إعادة تقسيم الأدوار بين الجنسين , حسب تعبير ” أندري ميشيل ” .
فالنظرة التقليدية التي كانت تقسم وتجزء العلاقات بين الجنسين إلى فضائيين فضاء عام للرجال , فيه كل المؤسسات الاجتماعية والفكرية والثقافية .
وفضاء خاص للنساء , متمثل في الأسرة وجوانبها .
هي نظرة تبخيسية تقلل من أهمية المرأة ومن فرض حظوظها في مجالات أخرى وتقلص من فرصة ولوجها لقطاعات حيوية أخرى , هي نظرة تعكس في طياتها الدفينة فكر ذكوري سلطوي .
وضعية المرأة في العالم العربي أو في دول المحيط تشوبها مجموعة من المشاكل , في ظل استمرار بعض التيارات الرافضة لمسألة ” الجندر “ قياسا ومقارنة مع دول المركز , فهن يعانين من اكراهات النظام الاقتصادي , ومن طغيان العادات والتقاليد المجتمعية .
فنجاح أي بلد سياسيا اقتصاديا واجتماعيا هو رهين ومرتبط بإشراك المرأة في صيرورة التنمية حتى تكتمل الصورة التنموية بشكلها الحديث و ذلك من خلال جعل كل الميادين والتخصصات في متناول النساء والرجال على حد سواء , و أن تصبح النساء على قدم المساواة مع الرجال في جميع مجالات الحياة .
ومن الملاحظ أن النساء في مجتمعنا وخصوصا النساء القرويات هن ضحايا لمجموعة من المعضلات من بينها الفقر والأمية والزواج المبكر ….
فتعليم النساء هو المنهج الكفيل بخلخلة العلاقات الاجتماعية وفك شفرة الأدوار النمطية الخاصة بكل جنس .
فداخل الآسرة على اعتبارها الخلية الأولى التي ينشأ فيها الذكر أو الأنثى والتي يكتسب من خلالها أحد الجنسين ثقافة تميزه عن الجنس الأخر و تجعله مختلف عنه , ثقافة وسلوكات وتمثلات تجعل الأنثى مختلفة عن الذكر , والذكر مختلف عن الأنثى .
وحتى في بعض الكتب المدرسية توجد مواضيع وصور ونصوص تعكس في طياتها وفي دلالاتها العميقة تكريس واضحا يعكس مكانة كل جنس والفضاء الخاص به .
بل حتى اللغة التي نتداولها وتعد نافذة رؤيتنا للعالم , فيها بعض الظلم تجاه المرأة , أي أننا دائما في أحاديثنا اليومية نتحدث غالبا بصيغة المذكر حتى و إن كان المخاطب امرأة , والأمر كذلك في الأمثلة الشعبية فالعديد من هذه الأمثلة تستخدم فيها الأنثى ككائن ضعيف تابع وخاضع دوما للرجل وكأن النساء ولدن ليكملن أو يخدمن الرجال, فالتمثلات الاجتماعية تعمل بدورها على تعميق الفجوة بين الرجال والنساء .
ويقولون أنها ناقصة عقل ودين , وهي الأم و الأخت و الزوجة و الإبنة ولا يقولون أن الجنة تحت أقدام الأمهات .
يقول : علي الهويريني “كيف تكون ناقصة عقل ودين و أم المؤمنين السيدة خديجة هي كمال الدين مع النبي عليه الصلاة والسلام وأول من آمن به ” .
فعدم المساواة بين شرائح المجتمع بشكل عام وبين الرجال والنساء بشكل خاص هو أحد أكبر العوائق التي تقف في طريق التنمية , لأن الاهتمام بالوضع الاجتماعي للرجال يجب أن يواكبه بالضرورة والحتم الاهتمام كذلك بالوضع الاجتماعي للنساء .
وهو نفس الآمر الذي أكد عليه ” علال الفاسي ” وغيره من المفكرين , بقوله :
” إني لا أعتقد أنه لا حياة لأمتنا ولا لأمة على وجه الأرض مادامت المرأة محرومة من حقوقها وممنوعة من أداء واجبها “.