الألعاب الإلكترونية وأثرها على صحة الطفل والمراهق” بابجي، فري فاير” نموذجا.

لا شك من أن عالم اليوم هو عالم السرعة وعالم الذكاء الاصطناعي، فالتطور التكنولوجي يمشي على إيقاع متسارع الخطى، نتيجة التقدم الكبير الذي تشهده البشرية على مختلف الأصعدة خصوصا على مستوى التطور الإلكتروني، ذلك أن الأشياء المستحيلة في الماضي القريب أصبحت ممكنة وقريبة جدا، فبنقرة أصبع يصبح العالم قرية صغيرة بين يدي الشخص، فالمادة التقنية اليوم تطورت بشكل رهيب قد لا يتوقف عند خدمة الإنسان بل التحكم فيه، فظهور الهاتف الذكي والأنظمة البرمجية المشغلة التي أحدثت ثورة في مجال التقنية والتي سهلت على الفرد الولوج للعديد من الخدمات الاجتماعية والحياتية المرتبطة بمختلف المرافق و المؤسسات، تصاحب بظهور مجموعة من التطبيقات والبرامج والألعاب الإلكترونية السلبية المنافع والمضرة بشكل واضح بصحة الأطفال والمراهقين على وجه الخصوص، لا سواء على مستوى صحتهم العضوية ولا على مستوى الصحة النفسية، وسنركز في هذا المقال على هذه الأخيرة، كون أن التأثيرات السلبية لهذه الألعاب على سيكولوجية الفرد تكمن في امتدادها الطويل ما الفرق بين اللعب الإلكتروني واللعب الواقعي؟ وما تأثير كل واحد منهما على شخصية الفرد؟ ما مدى فهم الأسر لخطورة هذه الألعاب؟. لا تختلف النظريات السيكولوجية والعلمية حول أهمية اللعب في الحياة الطفولية بمختلف مراحلها (الصغرى، المتوسطة، المراهقة.) نظرا لما للعب من دور مركزي في تشكيل وبنية مجموعة من المرتكزات الأساسية في شخصية الفرد، فاللعب جزء لا يتجزأ من عملية تنمية الذكاء العقلي والاجتماعي، إذ يعتبر مادة أساسية في التنشئة الاجتماعية للطفل، فيصبح اللعب بمثابة قنوات لنقل ثقافة المجتمع وتقاليده ومختلف السلوكيات الاجتماعية، فالطفل أو المراهق يجد ذاته في اللعب بشكل يساعده على تطوير إمكانياته العقلية ومهاراته الفكرية والمجتمعية، كما أكدت على ذلك مجموعة من النظريات النفسية خصوصا مع بنائية بياجيه التي ترى في اللعب على أنع عملية تمثل تعمل على تحويل المعلومات الواردة لتلائم حاجيات الفرد، فمن خلال اللعب يمارس الطفل نوع من التقليد والمحاكاة بشكل يساهم في البناء العقلي للفرد، انطلاقا من المرحلة الحس حركية ووصولا إلى مرحلة التجريد. بالتالي فلا يختلف اثنان حول الأهمية الكبرى التي يحظى بها اللعب لدى الطفل، غير أنه يجب التميز بين نوعين أو قسمين من اللعب، فهناك فرق بين اللعب الواقعي الذي عشنا عليه في مجتمعاتنا التقليدية، المرتبط أساسا بمجموعة من الألعاب المبتكرة والمعتمدة في غالبيتها على ما هو حسي حركي والتي تفترض بذل جهد على مستوى القدرات الذهنية والحركية للطفل، وهناك اللعب الإلكتروني الذي عرف انتشارا كبيرا وسط مجتمعنا وخاصة بين الأطفال والمراهقين، فهذه الألعاب التي انتشرت بسرعة خاطفة في الآونة الأخيرة، ساهمت في انتاج مجتمعا افتراضيا قابع من وراء شاشات الهواتف واللوحات الالكترونية والحواسيب غالبيتهم لا تولي اهتماما للواقع المادي الملموس، فلا نجد اليوم بيتا أو أسرة في مجتمعنا تخلوا من طفل منعزل في ركن ما و حامل لهاتف ذكي مركزا انتباهه مع لعبة من ألعاب الساعة ” بابجي، فري فاير” ومخاطبا الافتراض بكل نباهة. تعتبر اللعبتين اللتين أشرنا لهما أعلاه من الألعاب الإلكترونية التي انتشرت بشكل سريع خلال السنوات الأخيرة بالمجتمعات العربية والأجنبية، وقد شملت شريحة واسعة من الأطفال والمراهقين والشباب أحيانا، بشكل أصبح عادة يومية ويمارس لساعات طويلة، وهو أمر يدعوا للقلق نظرا لما قد تسببه من آثار جانبية على صحة الفرد، فيشير العديد من الخبراء ومن المختصين في علم النفس إلى خطورة هذه الألعاب وما قد تسببه من إدمان، وقد تم تصنيف إدمان ألعاب الفيديو من طرف منظمة الصحة العالمية كاضطراب في الصحة العقلية، كونه نمط من اللعب المستمر أو المتكرر الذي يصبح مفرطا لدرجة أن تكون له أهمية وأسبقية على غيره من اهتمامات الحياة، فيمتنع الأفراد الذين يمارسون هذه الألعاب عن النوم بالدرجة الأولى، أو تناول الطعام والقيام بالواجبات الدراسية وغيرها من الأنشطة اليومية، وبحسب منظمة الصحة العالمية دائما فإن اضطراب ألعاب الفيديو يعتبر نمط سلوك شديد الخطورة يساهم بشكل كبير في تدهور شخصية الفرد بشكل تتضرر معه مختلف علاقاته الأسرية والاجتماعية والتعلمية… إن الألعاب الإلكترونية أو ألعاب الفيديو كما يحلو للبعض تسميتها هي في الحقيقة سيف ذو حدين، قد تكون لها بعض الآثار الإيجابية على مستوى معالجة الدماغ للمعلومات المعقدة بسرعة أكبر وتقوية تركيز الانتباه البصري، والعمل على إعداد الاستراتيجيات لحل المشكلات، شريطة أن تمارس هذه الألعاب بشكل زمني وعمري مقنن، فتجاوز الحد المعقول من الوقت الزمني أو السن العمري للفرد هو الذي قد ينتج عنه إدمان ومن تم اضطراب عقلي. غير أن الحقيقة الواضحة هو أن هذه الألعاب لها أضرار وسلبيات جمة على شخصية الأطفال والمراهقين على وجه الخصوص تهدد بشكل أو آخر الصحة العقلية للأطفال، فبي النظر مثلا إلى لعبة فري فاير أو بابجي نجد أنها لعبة حربية أو قتالية خطيرة تولد نوع من السلوك العدواني لدى الطفل بشكل يجعله يفقد الارتباط بالواقع إلى عالم الحرب والعنف والقتال الافتراضي، والذي قد يساهم بشكل في تكون شخصية تجعل من العنف الوسيلة الوحيدة للسيطرة وإثبات النفس، إضافة إلى الانغلاق الذي قد تتسبب فيه حالة العزلة المستمرة للطفل من جراء اللعب المتواصل. فمخاطر هذه الألعاب لا تنحصر فقط في الإدمان أو العنف والعدوان بل قد تؤدي أحيانا بالأطفال إلى الاكتئاب والقلق إضافة إلى حالة من الغضب والتهييج عند المنع أو عدم القدرة على اللعب قد تسبب أحيانا نوبات قلبية قد تؤدي إلى الموت. إن جهل الأسر لخطورة هذه الألعاب قد تكون له نتائج وخيمة جدا على شخصيات أبنائهم، وقد تؤدي إلى انحرافات سلوكية ضد اجتماعية، ولربما هذا الجهل هو نتاج لفكرة اعتبار اللعب مهم في تنمية القدرات والمهارات لدى الفرد، دون التمييز بين اللعب الواقعي والإلكتروني، وفي غياب تام إلى تقنين هذه الألعاب، فخبراء وباحثي علم النفس يدعون الآباء والأولياء يدعون الآباء والأولياء إلى ضرورة مراقبة محتوى ألعاب أبنائهم وحمايتهم من خطورتها، وأن يوفروا لهم وسائل الترفيه التي تحترم مراحلهم العمرية وإخضاعها لتقنين زمني صارم، بشكل يساهم في بناء وتطوير حياتهم الشخصية بشكل سوي.

المراجع:

– أثر الألعاب الإلكترونية على الأطفال.

– الألعاب الإلكترونية والطفل.

-تأثير الألعاب الإلكترونية على الدماغ. أثر الألعاب الإلكترونية عبر الهاتف النقال وخلق العزلة لدى الطفل.

إغلاق