أزمة المدرسة في زمن الكورونا وخرافة التعليم عن بعد – بقلم عليوي الخلافة
[author title=”عليوي الخلافة” image=”https://wp.me/abSyCR-11W”] [email protected] [/author]
لم تكن المدرسة المغربية في حاجة إلى من يعطبها وأن يضاف إلى أعطابها وامراضها تداعيات فيروس الكورونا الخانقة، فبعد أن كنا نعمل جاهدين على مقاومة ومجابهة واقع المدرسة المريض والذي يزداد حاله سوءا عام بعد عام، من خلال مواجهة مجموعة من الأعطاب على عدة مستويات، أهمها أزمة فقدان المعنى، وأزمة انتقاء المعارف المدرسية الناجعة والفعالة، ثم أزمة القيم التي أصبحت بادية للعيان في كل مكان بفعل سيادة وهيمنة أشكال التفاهة والسفاهة على عموم الحياة العامة وليست الحياة المدرسية في مأمن عنها، حيث بالكاد كانت هذه الحياة تتنفس في ظل واقع مأزوم وخانق.
بعد هذه الأزمات تأتي جائحة كرونا لتضرب كل جوانب الحياة ومعها الحياة المدرسية في مقتل، وإذا كان من شأن الأطباء تشخيص الواقع الصحي لهذه الكارثة ومن اختصاص الاقتصاديين تحليل تضرر الاقتصاد بسببها، فإن من مهمة التربويين فهم وتحليل واقع الشأن التربوي في مجريات هذه الأحداث وتداعيات ذلك عليه.
وإذا كان ما يزال الوقت لم يحن بعد للقيام بتشخيص كلي لهذه التداعيات والتبعات فإنه لابأس من التوقف عند أهم المجريات في ميدان التربية والتعليم في زمن الكورونا.
فبعد البلاغ الوزاري الذي أعلن عن توقف الدراسة في الاقسام واستمرارها عن بعد، تبين وبالملموس أن واقع مدرستنا خصوصا العمومية يعيش وضعا متأخرا جدا، بل متخلفا جدا جدا، وكالعادة ظهرت كل أشكال الارتجال والتخبط، والاستنجاد من هنا ومن هناك والتمسك بحبال هي أشبه بحبال بيت العنكبوت للخروج من عنق الزجاجة والنجاة من غرق حتمي. فقد تعطلت الماكينة من كل النواحي لتظهر خرافة التعليم عن بعد كعفريت يخرج من الفانوس فجأة!!! نحن لسنا في عطلة سنتابع الدراسة عن بعد، هكذا جاء الأمر. كيف بأي كلفة وبأي طريقة؟ لا يهم المهم أن يخرج البلاغ!!!!
وفي الحقيقة لم يكن الجواب عن ماذا سنفعل أمام هذا الوضع وليد تفكير وتمحيص من أناس مختصين يدركون الواقع ويعرفون خباياه ويحسنون تشخيصه، بل كان نص البلاغ ترجمة لبلاغ وزارة التربية الفرنسية، وإذا كانت الترجمة في الاصل خيانة للمعنى وللدلالة، فإن الترجمة هذه المرة خانت الحاضر والماضي والمستقبل بل خانت نفسها.
الم يكن يعلم هذا المترجم أننا أمام جيل من التلاميذ لا يكاد ينضبطون للتعليم من داخل الحجرات إلا قلة قليلة، ولمن توفرت فيهم الصرامة والسلطة والضبط من المدرسين. فكيف سيتحولون إلى كائنات افتراضية تتابع دراستها عن بعد ومن تلقاء ذواتهم، هل نحن في الحلم أم أن الحلم قد داهمنا على حين غفلة منا ليصبح واقعا؟؟!!
إنه الوهم ولا شيء غير الوهم!!! الضحك على الذقون، فلا شاشات الحواسيب والهواتف واللوحات الإلكترونية عوضت السبورة والطاولة والماركور والكتاب المدرسي، ولا الجيمات والتعليقات خلقت التفاعل البيداغوجي المطلوب، ولا الحظر والبلوك عوض سلطة المدرس داخل الغرف الافتراضية، ولن أسميها أقسام، احتراما لحرمة القسم. اما ميزانية وكلفة التعبئة فقد زادت الهم همين، وانهكت جيوب الفقراء بل حتى ابناء الطبقة المتوسطة من التلاميذ، واتقلت كذلك جيوب الأساتذة الذين باركت الحكومة مجهوداتهم وتطوعاتهم باقتطاعات من أجورهم وتأجيل ترقيتهم؛ و ما كان ليثنيهم هذا عن العمل لو توفرت الشروط البيداغوجية الديداكتيكية الضامنة لتحقق العملية التعليمية التعلمية، فقد تعودوا هكذا هدايا من حكومة احسن ما تقوم به هو صناعة البؤس والتفقير في جيوب الموظفين.
هكذا أصبح التعليم اسما على مسمى وظهرت المسطحات، فبدت الحقيقة من العنوان مسطحة لتعليم مسطح، وفجأة تبخرت كل البيداغوجيات وطرق التعليم والتعلم من الكفايات إلى بيداغوجيا التفاعل، والبيداغوجيا الفارقية إلى بيداغوجيا المشروع والمشروع الشخصي… ليسود الإلقاء والإنصات، وانقلبت الشكايات فبعدما كان المدرسون يشتكون التلاميذ لأبائهم أصبح الأباء هم من يشتكون أبناءهم للمدرسين، فهذا يوجه رسالة للمدرس بأن ابنه لا يفهم ما يرسل إليه، وآخر يشتكي ويعتذر لأن إبنه لم يحضر معه دفاتره لبيت جده، وذاك يوبخ الأستاذ مخاطبا اياه بعدم إرسال تلك المحتويات الإلكترونية لأن تعبئة هاتفه تنفذ بسرعة وأن إبنه لا يهتم بما يرسل إليه.
لقد أصبح واقع المدرسة بعدما كان بالكاد يستنشق الهواء ليحيا حياة مريرة، معطل جهازه التنفسي واختنق، كحال المريض الذي يصاب بالفيروس، وأمام هذا الواقع لا نتمنى إلا أن تنفرج هذه الأزمة ويعود الحال ربما بأفضل مما كان حيث يدرك ويقدر الجميع تلاميذ وأسر ودولة وحكومة الدور الذي تقوم به المدرسة ووظائفها التي لا يمكن أن تختفي مهما تطور المجتمع وتبدل.