الٱثار النفسية لفيروس كوفيد-19، “الإكتئاب نموذجا” بقلم: ميمون السالمي

ميمون السالمي حاصل على شهادة الإجازة الأساسية تخصص علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس، حاصل على شهادة الإجازة المهنية تخصص علم النفس والتعلم بالمدرسة العليا للأساتذة بفاس 

في إطار إنتشار فيروس كوفيد-19 بشكل سريع عبر بقاع العالم، عرفت دول عدة إتخاذ مجموعة من التدابير، حيث دخل الجميع إلى بيت الوقاية والحجر الصحي، إنها المرة الأولى التي تتوقف فيها العلاقات الإجتماعية على أرض الواقع بين الأفراد في الدولة نفسها، وفي المدينة والحي نفسه، وفي هذا الصدد يقول” هوبز*” ” إن الخوف بين البشر يتراكم جراء الخوف، فيسعى الخائف إلى الدفاع عن نفسه بالتسلح مثلا، فيدفع الٱخر الخائف من التسلح إلى مزيد من التسلح، وهكذا دواليك، حتى يصبح الجميع عدو الجميع” (نقلا عن فيليب سترونغ، 2008).

هذا ما ينطبق على وباء كورونا، حيث أصبح الشخص الٱخر محل شك، وتغيرت أنماط العلاقة بين الأفراد في العائلة نفسها، ما أسس لعلوم جديدة على رأسها سيكولوجية البشر في أزمة الأوبئة، حيث نجد أن الأوبئة السابقة كانت تقتل الشعوب وتفعل فعلتها، ولكن لم تصل إلى حد إيقاف الحياة بشكل نهائي.

الأكيد أنه في ظل وباء كورونا وكل ما شهده العالم، قد نواجه العديد من المشاكل والأحزان ومخاطر فقدان أفراد أعز إلينا، جراء الخوف من الإصابة بفيروس كورونا أو موت إحدى الأقارب، أو وقوع أحداث حزينة، وذلك ما يسبب تغيرا في أحاسيسنا ومشاعرنا وفي حالتنا النفسية، وبالتالي تغير الفرح إلى حزن والتفاؤل إلى تشاؤم. وتغيرت معه رؤيتنا للعالم، حيث هناك العديد من الأفراد من يستطيع تقبل الوضع والتأقلم مع الوضعيات الجديدة، وهناك من لا يستطيع. إذن الاختلاف بين الأفراد راجع بالدرجة الأولى إلى درجة تحمله لهذه المشاكل والأحزان، وهذا التغير المضطرب في أحاسيسنا ومشاعرنا وأمزجتنا يجعلنا ندخل في دوامة الإكتئاب _القلق الوجودي_ (نقلا عن الأستاذ علوي إسماعيل، 2019).

 مما لا شك فيه أن تعريف الإكتئاب يختلف حسب كل مقاربة، إذ نجد ٱرون بيك A.Beck يقول: “الإكتئاب حالة من الإضطراب في التفكير حيث تتوالى أعراض الإكتئاب وفقا للأنماط المعرفية السلبية الفعالة، فعندما يكون تقدير الأحداث (التقدير المعرفي) مضطربا تكون المشاعر المصاحبة له غير ملائمة أو مبالغ فيها( واكيلي أيت مجبر، 2013).

وللوقوف بشكل علمي على معنى الإكتئاب أو ما يسمى بالقلق الوجودي، نجد أن هناك مجموعة من المقاربات التي أعطت أهمية لهذا الإضطراب.

إن أهمية المقاربة التشخيصية السيكوتحليلية لاضطراب الإكتئاب تكمن في تركيزها على البعد الوجداني، لأن الأمر يتعلق باضطراب في المشاعر والأحاسيس والعواطف، وكذلك بفقدان موضوع الرغبة، وهذا ما يجعل الشخص يعيش وضعية الضياع والحزن والإحساس بالذنب.

مما نجد أن سيغموند فرويد رجح ذلك إلى الفرق والتفاوت في الحدة بين الحزن الناتج عن فقدان شخص عزيز، وبين الإكتئاب الحاد المصاحب بألم داخلي شديد وعدم الإهتمام بالعالم الخارجي، وهذا الإحساس بفقدان موضوع الحب والرغبة يكون غير واع.

ووفق المقاربة النورولوجية للنوبات الإكتئابية فتم التركيز على عنصرين أساسيين، يتجلى العنصر الأول في الخلل الوظيفي في أداء الناقلات العصبية، ويتحدد الثاني في التأثير السلبي الذي تقوم به كل من اللوزية Amygdale في علاقتها مع مكونات وعناصر الدماغ الوجداني، والحصين Hippocampe على أساس أن هذه الأخيرة تمثل مركز الذكريات ( علوي اسماعيل،2019).

ومع حدوث أدنى خلل في وظيفة وأداء الناقلات العصبية لدورها، يؤثر ذلك على السلوك والخطاطات المعرفية والوجدان. وفي حالة الإكتئاب يعاني المكتئب من نقص على مستوى كمية السيروتونين Sérotonine ، حيث له دور إيجابي في الشعور بالتوازن النفسي، وكل هذه الأسباب تؤدي إلى حدوث مجموعة من الأعراض الإكتئابية، من قبيل الشعور بالحزن واضطراب النوم، وفقدان الشهية وضعف في الطاقة والحيوية والرغبة والإهتمام والخضوع للأفكار السلبية وغير العقلانية كالأفكار الإنتحارية والأفكار التشاؤمية، التشاؤم من المستقبل خصوصا، فالتلميذ مثلا ينظر نظرة تشاؤم للموسم الدراسي وكيف سينتهي بعدما أعلن توقف الدراسة والإعتماد على التعليم عن بعد، فالتلميذ هنا يرى على أن مصير الإمتحان أصبح مجهولا، ولا يعرف متى سيجتاز ذلك، فيصبح لدى هذا الفرد نقص في الإنتاجية والفعالية في العمل المدرسي والمنزلي، والشعور بالإحباط، وتقييم الموقف بصورة سلبية، وكذلك الأمر بالنسبة الأفراد الذين توقفوا عن مزاولة عملهم جراء الفيروس.

 أما في ما يتعلق بالأفكار الإنتحارية فهذا ما لاحظناه لدى كثير من حالات الإنتحار وأخرى في محاولة لفعل ذلك لا سواء بالمغرب أو بدول أخرى بعد تفشي هذا الفيروس، من خلال بعض الفيديوهات بالعالم الإفتراضي ( وسائل التواصل الاجتماعي)، وفي حالة الإقدام على الإنتحار ٱنذاك يصبح المحبوب مكروها..وتنقلب اللذة ألم..وتتحول الجنة إلى جحيم..يضطرب الوجود..وتكون النهاية..رغبة في بداية جديدة..حيث اللاتوتر والجنة الموهومة.

ولقد رأى “فرويد أن السادسة وحدها هي التي تحل لغز الميل إلى الإنتحار لدى المكتئب في قوله: ” لقد توصلنا مع الحالة الأولية التي تنبثق منها الحياة الغريزية إلى إدراك حب ذاتي للأنا، حب هائل للغاية، في الخوف الذي ينشأ عن خطر الموت الذي رأينا أنه قد حرر قدرا كبيرا من الليبيدو النرجسي الذي هو شائع إلى حد أننا لا نستطيع أن نتصور كيف يمكن لهذا الأنا أن يتٱمر لتدمير ذاته..(عبد الله عسكر،2001).

لا تقف المسألة هنا فحسب، بل يلاحظ عند المكتئب نقص في هرمون الأندورفين endorphine الذي يتكون من الأحماض الأمينية، ويفرز كرد فعل وإستجابة للإحساس بالضغط النفسي، وويفيد هذا الهرمون في التخفيف من الشعور بالألم، ويعمل أيضا على تقوية جهاز المناعة ويحسن المزاج، ويجعل الفرد يشعر بالسعادة، لكن تراجع إفرازه في دماغ الشخص المكتئب يجعله سجين حزنه وأفكاره السلبية، لأنه هرمون اللذة والحيوية.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالوزية في حالة الإكتئاب، تظل تطلق صافرة الإنذار بوجود مخاطر وهمية، وهذا ما يفسر دخول المكتئب في حلقة الخوف الدائم والحزن وعدم الإحساس بالأمان وفقدان الثقة. وفي ظل وباء فيروس كورونا يعيش المكتئب على واقع الخوف الدائم من الإصابة بالعدوى، أو فقدان أحد الأقارب أو أفراد العائلة، والحزن جراء ما يحدث، ويحس الفرد بعدم الأمان مادام هذا الفيروس لازال ينتشر بوثيرة سريعة.

ولتجاوز هذه المحنة النفسية والخروج قدر الإمكان من دوامة الإكتئاب، يتطلب ذلك تعرف الأفكار التلقائية غير المنطقية والسلبية، والعمل على تصحيحها والتخلص منها، لأن حالة الإكتئاب التي يعيشها الفرد هي نتاج نسق التفكير والإنفعال والسلوك، ورغم أن هذه الأفكار الخاطئة غريبة وخارجة عن المألوف فهي تبدو لدى الشخص المكتئب صحيحة، وحين تزداد شدة الإكتئاب تسيطر الأفكار السلبية والخاطئة على تفكيره رغم عدم وجود إرتباط منطقي بين الأحداث الفعلية والتفسيرات السلبية، إلى أن يصبح مشغولا بشكل مسبق بتكرارها، لذلك وجب إيجاد بدائل للأفكار التلقائية السلبية، العمل على الحد من تكرار هذه الأفكار السلبية وتغييرها بأفكار إيجابية (صباح السقا، 2009). 

وختاما، “الإكتئاب ليس علامة ضعف، بل هو إشارة إلى محاولتك أن تكون قويًا لفترة طويلة جدا”. – سيغموند فرويد

توصيات:

– الحفاظ على الصحة النفسية في زمن كورونا، بعدم متابعة الأخبار بصفة مستمرة، حيث يكفي متابعتها مرة ‫واحدة في اليوم للاطلاع على آخر المستجدات.

– رغم الحجر المنزلي فإنه يمكن البقاء على تواصل مع الآخرين ‫عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، كفيسبوك وواتساب وبرامج ‫الدردشة عبر الفيديو.

– كما أن تناول الطعام بشكل جماعي مع الأسرة من شأنه تحسين الحالة النفسية ‫والمزاجية، شأنه في ذلك شأن سماع الموسيقى الهادئة ومشاهدة الأفلام ‫المحببة.

– بالإضافة إلى ذلك، يمكن مواجهة التوتر النفسي والضغط العصبي بممارسة الرياضة. 

المراجع والإحالات:

* فخ هوبز: وقوع ضربات استباقية بين مجموعتين، خوفاً من هجوم وشيك. ما يؤدي إلى دوامة من الخوف يؤدي فيها الخوف إلى سباق تسلح سيؤدي بدوره إلى تزايد الخوف. لأن انتشار خبر عن تفشي وباء مميت جديد، يعقبه سريعاً الخوف والذعر والشك. وسرعان ما يتفشى الجدل الأخلاقي الجماعي حول أسبابه والمتسببين به والحلول المحتملة.

• علوي إسماعيل، محاضرات سيكولجية العصابات والذهانات، لطلبة علم النفس الفصل الرابع، بفاس 2019.

• فيليب سترونغ، ورقية بحثية بعنوان “سيكولوجية الأوبئة”، 2009.

• واكيلي أيت مجبر، إستراتيجية المواجهة لدى المكتئبين، رسالة دكتوراه، جامعة سطيف، 2013.

• صباح السقا، العلاج المعرفي السلوكي للإكتئاب، محاضرة في مشفى البشر للأمراض النفسية العصبية، 2009.

– عبد الله عسكر، الإكتئاب النفسي بين النظرية والتطبيق، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2001.

إغلاق