هيجل والجنس الأدبي – ذ. محمد دهموش

إن هيجل اعتمد في تصنيفه للفنون مبدأ العلاقة بين الروح والشكل مما أفرز أنواعا من الفنون  التي بدورها أنتجت أجناسا متنوعة

تقـــــــديـــــــم:

تختلف طرق التفكير الإنساني وتعددت التصورات و الأفكار والأحاسيس التي تتبلور في الذهن والنفس البشريين وبالتالي لابد للإنسان الكشف عن هذه المضمرات التي يستبطنها والتعبير عن أفكاره وخواطره بواسطة أساليب وتقنيات تجعله يحقق الغاية الأساس التي تتمثل في التواصل والتعبير . ومن هذا المنطلق عرف الإنسان الأدب باعتباره “صياغة لغوية لتجربة إنسانية عميقة،أو أنه استخدام خاص للغة لتحقيق هدف ما”.[1]
وإذا كان الأدب صياغة لتجربة إنسانية فإن التجارب البشرية تختلف من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى أخر مما يجعل طرق الصياغة تتعدد وتتنوع من تجربة إلى أخرى ،وهذا ما دفع النقد إلى  التفكير  في تصنيف التجارب الإنسانية باختلاف أشكالها .
عرف مجال الأدب دراسات نقدية  ومناهج تسعى إلى مقاربة النصوص الإبداعية المختلفة  وتحاول  نظرية الأجناس الأدبية  أو نظرية الأنواع الأدبية  _ كما يصطلح أيضا من طرف بعض النقاد والدارسين بأخذهم لفظ الجنس مقابل لفظ النوع  أمثال رشيد يحياوي (مقدمة في نظرية الأنواع الأدبية) وشفيق البقاعي (الأنواع الأدبية) _ إلى رصد التصنيفات والأشكال المتنوعة للنصوص الأدبية ،وقد اعتبر تودوروف “مسألة الأجناس من أقدم المشاكل التي أثارت النقاش الواسع الى يومنا هذا، ويعود أصلها إلى النمذجة البنيوية للخطابات “[2] ،ونفهم من قوله أن قضية الأجناس كانت تعتمد في تصنيفها بنية الخطاب  ،وفي هذا الصدد يشير  غنيمي هلال إلى العناصر التي تراعى في تمييز الأجناس “فبعض هذه الخصائص يرجع إلى الشكل من إيقاع ووزن وقافية ومن بنية خاصة في ترتيب أحداث العمل الفني ومن حجم هذا العمل وطوله وقصره “[3]، وبالتالي فإن عملية التصنيف ترتكز على الشكل والمضمون والوظيفة .

تصور فريدريش هيجل للأجناس الأدبية

          يعد أرسطو أول من قام بتصنيف الأجناس الأدبية مستفيدا من معلمه الأول أفلاطون ،وقام أرسطو في كتابه فن الشعر  بتقسيم الأجناس الأدبية  إلى ثلاثة أنواع :
تراجيديا ،كوميديا ،ملحمة .وقد بين خصائص كل من التراجيديا والملحمة في الموضع والمضمون أو الأداء والوظيفة [4] . لقد قدم أرسطو الإرهاصات الأولية لنظرية الأنواع ممهدا الطريق للذين اشتغلوا في هذا المجال وانتقدوا تصنيفاته  مثل: هوراس …وما عرف بالمذهب الرومانسي أمثال شليجل وكانط وغوته وهيجل …
اهتم الألماني فريديريش هيجل بدراسة الأجناس الأدبية من منظور الفن والجمال باعتبار الجمال يدمج جانبين إثنين :
         المضمون الروحي والتجسيد المادي أو الشكل [5]. , فإذا كان الجمال والفن يضم  المضمون والشكل فإن العلاقة بينهما تتخذ ثلاثة أشكال محددة كالآتي :
         المادة تطغى على المضمون وتتفوق عليه
         المادة في توازن مع المضمون
         المادة أقل من المضمون
في إثر هذه العلاقات الثلاثية تنشأ عند هيجل أنواع للفنون  فالعلاقة الأولى  التي تكون فيها المادة أكبر من المضمون نكون إزاء الفن الرمزي ،والعلاقة الثانية التي تتمثل في توازي وحدتي المادة والمضمون نكون أمام الفن الكلاسيكي  ،في حين أن العلاقة الثالثة  التي تكون عكس الأولى أي طغيان المضمون على المادة ينتج الفن الرومانتيكي  .
في ظل هذه الفنون الثلاثة المنبثقة داخل العلائق بين المادة والروح  فإن هيجل يمثل لهذه الفنون على حدة بنماذج تتجسد فيها هذه العلائق ا لتي ذكرناها آنفا.
إن الفن الرمزي يلجأ إليه الفرد حين يعجز أن يعبر عن أفكاره ف “يكافح الذهن البشري في الفن الرمزي لكي يعبر عن أفكاره الروحية لكنه يعجز أن يجد لها تجسيدا كاملا ،ولهذا يستخدم الرمز وسيلة للتعبير “[6]  ومثل هيجل لهذا الفن بالعمارة  .
أما الفن الكلاسيكي : “فن اليونانيين بصفة خاصة وهو وحدة المحتوى والشكل “[7]وقد اعتبر هيجل فن النحت أبرز نموذج للفن الكلاسيكي.
في حين الفن الرومانتيكي  الذي تسيطر فيه الروح على المادة مثل له هيجل بثلاثة نماذج : الرسم والتصوير والشعر ،وقد قسم الشعر بدوره إلى ثلاثة أبواب  معتمدا في تصنيفه ” ثنائية الذاتي والموضوعي أو العاطفي والعقلي “[8]:
-الشعر الملحمي :إن الخاصية التي يتسم بها شعر الملاحم هي الموضوعية حيث الشاعر يعبر عن الضمير الجمعي العشائري الذي ينتمي إليه وبالتالي يتجرد من ذاتيته الخاصة .
الشعر الغنائي : تطغى عليه ذاتية الشاعر  وقد ميز ولتر بينهما وهو يتحدث عن شعر الملاحم ” هو ضد الشعر الغنائي لأن العنصر الهام الأساسي في الشعر الأخير  _ يقصد هنا الغنائي _ هو شخصية الشاعر “[9].
-الشعر الدرامي : هذا النوع يدمج بين العنصرين الأولين حيث إنه يزاوج بين الذاتي والموضوعي ،فهو “موضوعي لأنه يضع أمامنا سلسلة   محددة من الأحداث التي تقع في العالم الخارجي ،وهو ذاتي لأن الفعل الخارجي يتطور من خلال حياة النفس الباطنية كما تبدو في حياة الشخصيات ” [10].
 من خلال العلاقة بين الذاتي والموضوعي التي اعتمدها هيجل في تصنيفه لأنواع الشعر  فقد جعل للشعر الدرامي فرعين  يتمظهران في مايلي :المأساة  /التراجيديا  _الملهاة /الكوميديا . فالمأساة تقوم على مبدإ الصراع  بين القوى وقد ميز بين المأساة الحديثة والمأساة القديمة واصفا الأولى بأنها تفرط في الذاتية والثانية يتوخى فيها البطل المصلحة العامة للعشيرة ،أما الملهاة :”تعرض سطحية وتفاهة الأشياء التي لا قيمة لها “[11].
 من خلال ما سبق يمكن القول أن هيجل اعتمد في تصنيفه للفنون مبدأ العلاقة بين الروح والشكل مما أفرز أنواعا من الفنون  التي بدورها أنتجت أجناسا متنوعة  ركز في تصنيفها على  العلاقة بين الذات والموضوع،كما استحضر هيجل التاريخ في تصنيفه للفنون يقول  ويليك:”دمج هيجل النظرية والتاريخ يجعله يدفع تصنيف الفنون إلى نتائج المراحل التاريخية للفن “[12] .
 


[1]  نظرية الأدب .شكري عزيز .ص 10
[2]  _نظرية الأجناس الأدبية .تودوروف .ترجمة ع الرحمن بوعلي. ص 11
[3] _الادب المقارن .غنيمي هلال .ص 119
[4]  – في نظرية الأدب. شكري عزيز.ص96 
[5] – فلسفة الروح .ولتر ستيس ,ج 2 ترجمة إمام عبد الفتاح ص139
[6]  المرجع نفسه ص 140 -141
[7]  تاريخ النقد الأدبي الحديث .رينيه ويليك .ج 2.ترجمة عبد المنعم مجاهد .ص 628
[8]  تداخل الأنواع الأدبية النشأة والتطور ص 47
[9]  فلسفة الروح .ولتر ستيس ,ج 2 ترجمة امام عبد الفتاح ص167
[10]  المرجع نفسه  ص 168
[11]  المرجع نفسه ص 170
[12]  تاريخ النقد الأدبي الحديث .رينيه ويليك .ج 2.ترجمة عبد المنعم مجاهد .ص

 

إغلاق