نموذج تحليل سؤال إشكال مفتوح : هل التجربة قادرة على بناء معرفة علمية؟

تحليل سؤال إشكالي مفتوح

مجزوءة المعرفة 

مفهوم النظرية والتجربة – التجربة والتجريب

هل التجربة قادرة على بناء معرفة علمية؟

 

لتحليل سؤال إشكالي مفتوح (سؤال فلسفي) حسب المذكرة يقتضي الأمر مراعاة المنهجية الخاصة بتحليل سؤال إشكالي مفتوح، وسنحاول هنا أن نحدد العناصر المنهجية لتحليل السؤال الإشكالي المفتوح، وبعدها سنقوم بتطبيق تلك المنهجية على سؤال إشكالي فلسفي هو: هل التجربة قادرة على بناء معرفة علمية؟ لكن الغاية من هذا النموذج هو للاستئناس، وليس للحفظ والاستعراض.

أولا: منهجية تحليل سؤال فلسفي

ü     لحظة الفهم:     العناصر المنهجية:
          إدراك مجال السؤال وموضوعه
          إبراز عناصر المفارقة أو التقابل

          صياغة الإشكال وأسئلته الأساسية الموجهة للتحليل والمناقشة

ü     لحظة التحليل:  العناصر المنهجية:
          تحليل عناصر الإشكال وأسئلته الأساسية.
          توظيف المعرفة الملائمة لمعالجة الإشكال:
§     استحضار  مفاهيم مرتبط بالإشكال والاشتغال عليها
§     البناء الحجاجي للمضامين الفلسفية

 

ü     لحظة المناقشة : العناصر المنهجية:
          مناقشة الاطروحة أو الأطروحات التي يفترضها السؤال.
          طرح إمكانت أخرى للتفكير في الإشكال
ü     لحظة  التركيب:    العناصر المنهجية:
          استخلاص نتائج التحليل والمناقشة

إمكان تقديم راي شخصي مدعم




 

ثانيا: تحليل سؤال إشكالي: هل التجربة قادرة على بناء المعرفة العلمية؟

يعد مبحث المعرفة من أبرز مباحث التفكير الفلسفي، وهذا المبحث يفتحنا على الإنسان ككائن عارف بمحيطه الخارجي و الداخلي. والمعرفة باعتبارها إدراك ذات عارفة موضوع المعرفة، تطرح جملة من القضايا من بينها قضية النظرية والتجربة ودورهما بناء المعرفة العلمية، والنظرية هنا تأتي في مقابل التجربة فالأولى تدل على العقل والتفكير والثانية تدل على التجربة والتجريب والواقع. وقضية النظرية والتجرية بدورها تطرح تقابلا جوهريا وهو إن كانت التجربة قادرة على بناء معرفة علمية أم لا، هذا التقابل يرتبط بصفة جوهرية بمصادر المعرفة وخاصة المعرفة العلمية، وإن كانت هذه المعرفة تقوم على التجربة  والواقع أم على العقل والتأطيرات النظرية أم عليهما معا. من هنا يحق لنا أن نتساءل هل التجربة قادرة على بناء المعرفة العلمية؟ أم أنه لابد من العقل والتأطيرات النظرية لبنائها؟ وإن كانت التجربة قادرة على بناء المعرفة العلمية فهل المقصود بالتجربة هنا التجربة الخام أم التجريب كاستنطاق ومساءلة للواقع؟ وبأي معنى يكون للعقل دور في بناء المعرفة العلمية؟

إجابة على الإشكالات لابد أولا من تحليل عناصر الإشكال و أسئلته الأساسية. يتضمن السؤال الإشكالي المفتوح أداة استفهام (هل) ويتضمن مطلبا للسؤال، وهو إن كانت التجربة قادرة على بناء معرفة علمية أم لا، وبتعبير آخر كيف تكون التجربة قادرة على بناء معرفة علمية؟. ولمعالجة الإشكال لابد من تفكيك بنيته المفاهيمية. يتضمن السؤال مفهومين مركزيين وهما التجربة والمعرفة العلمية. وتدل التجربة على معنيين، معنى التجربة الخام، ومعنى التجريب باعتباره مساءلة واستنطاق للواقع. أما المعرفة العلمية فتدل على المعرفة التي يبنيها العالم وتكون موضوعية وتفرض نفسها على الجميع والتي تفسر ظاهر من الظواهر العلمية. بعد تحليل السؤال وتفكيكه يمكن أن نبين كيف تستطيع التجربة بناء معرفة علمية.
لبناء معرفة علمية يجب على العالم أن يستعين بالتجريب وأن يستغني عن التجربة الخام، فالتجربة الخام لم تلعب أي دور في تقدم العلم اللهم إلا دور العائق كما قال بذلك ألكساندر كويري وغاستون باشلار، أما التجريب باعتباره مساءلة واستنطاق للطبيعة فقد ساهم في تقدم العلم. لكن ما المقصود بالتجريب؟ يقصد بالتجريب مجموع الإجراءات التي يبدعها العالم بحيث يخضع موضوعه (الظاهرة المدروسة ) للمساءلة والإختبار. وقد ارتبط المنهج التجريبي في صورته الكلاسيكية بالعالم الفرنسي كلود برنار، الذي قدم عرضا مفصلا لأسسه النظرية والعملية. ويعتبر التجريب أو فن الحصول على تجارب دقيقة ومحددة هو الأساس العملي، ويشكل التجريب الجزء التنفيذي للمنهج التجريبي بخطواته الأربع الملاحظة، الفرضية والتجربة والقانون.  ولمزيد من الإيضاح سنبين خطوات المنهج التجريبي:
v    الملاحظة: أن ملاحظة واقعة طبيعية،
v    الفرضية: وهي عبارة عن فكرة وجواب مؤقت يفسر الظاهرة، وقد يكون هذا الجواب صحيحا وقد يكون خاطئا.
v    التجربة: بمعنى التجريب، وتكون غايته التحقق من الفرضية.
v    استنتاج القانون: أي تحديد القانون المتحكم في الظاهرة.
من يهنا يتبين لنا كيف أن التجربة بمعنى التجريب قادرة على بناء معرفة علمية موضوعية من خلال اعتماد المنهج التجريبي، والذي صاغه كلود برنار، وتمكن من خلاله صياغة  معرفة علمية تقول بأن الحيوانات العاشبة كلما منعت عن  التغذية لوقت طويل تغذت من دمها. لكن هل القول بأهمية التجربة نفي لدور العقل في بناء المعرفة العلمية؟

 

إن للتجربة دور أساسي في بناء المعرفة العلمية، لكن الملاحظ للساحة العلمية في المرحلة المعاصرة سيجد بأن التجربة لا تستطيع لوحدها بناء معرفة علمية، خاصة حين يتعلق الأمر بظواهر  فيزياية لا يمكن التجريب عليه، أي لا يمكن إخضاعها للمنهج التجريبي، هذه الظواهر هي الظواهر الميكروفيزيائية (مثل الذرة) والظواهر الماكروفيزيائية (مثل الكون)، هذه الخلاصة جعلت الكثير من الفلاسفة والعلماء ينفتحون على العقل، ونذكر منهم روني طوم وألبرت إنشتاين. فقد ذهب روني طوم إلى القول بأن التجريب العلمي لا يشكل مقوما وحيدا في تفسير الظواهر ، بل لابد من اعتبار عنصر الخيال وإدماجه في عملية التجريب، باعتبار أن الخيال تجربة ذهنية تغني الواقع التجريبي. ويدافع روني طوم عن موقفه باستحضار مرحلة من مراحل التجريب وهي صياغة الفرضية، فلا يمكن الحديث عن فرضية علمية إلا بوجود شكل من أشكال النظرية. كذلك يؤكد إينشتاين على دور العقل بقوله: “إن العقل يمنح النسق الفيزيائي بنيته، أما التجربة وعلاقتها المتبادلة فيجب أن تطابق نتائج النظرية”، إضافة إلى ذلك فالتجربة يمكنها أن ترشدنا إلى في اختيار المفاهيم الرياضية التي سنستعملها، إلا أنها لا يمكنها أن تكون هي المنبع الذي تصدر عنه، إن المبدأ الخلاق في العلم هو الرياضيات. إذن فروني طوم وإنشتاين يعطيان الأولوية للعقل والتأطيرات النظرية في فهم الواقع، وهو قول يجد أساسه في الفيزياء النظرية.

من هنا يتبين لنا أن التجربة بمعنى التجريب الذي هو مساءلة منهجية للطبيعة، قاردة على بناء المعرفة العلمية. لكن القول بأهمية التجربة وقدرتها على بناء معرفة علمية لا ينفي أهمية دور العقل في بناءها كذالك، إذ يبقى الإشكال  هو من  منهما يأخذ دور المبادرة في البناء المعرفة؟

إغلاق