نص برتراند راسل الفلسفة والعلم
تعريف برتراند راسل
نص الفلسفة والعلم لبرتراند راسل
ما الذي يفعله الفلاسفة حين يمارسون مهمتهم؟ هذا بالفعل سؤال غريب، وربما كان في إمكاننا أن نحاول الإجابة بأن نبين أولا ما لا يفعلونه. ففي العالم المحيط بنا أشياء عديدة نفهمها جيدا، منها مثلا طريقة عمل الآلة، وهي تدخل في نطاق الميكانيكا والديناميكا الحرارية. كما أننا نعرف الكثير عن تركيب الجسم البشري وطريقة أدائه لوظائفه، وهي أمور يدرسها علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء. أو لنتأمل أخيرا حركة النجوم التي تعرف عنها الكثير، وهي تندرج ضمن الفلك؛ أي أن كلا من ميادين المعرفة هذه تنتمي إلى علم أو لآخر.
غير أن جميع ميادين المعرفة تحف بها منطقة محيطة من المجهول، و حين يصل المرء إلى مناطق الحدود ويتجاوزها، فإنه يغادر أرض العلم ويدخل ميدان التفكير التأملي. هذا النشاط التأملي نوع من الاستكشاف أو الاستطلاع، وهو يشكل واحدا من مقومات الفلسفة.
والواقع أن ميادين العلم المختلفة قد بدأت كلها، بوصفها استطلاعا فلسفيا بهذا المعنى. ولكن ما إن يصبح العلم مرتكزا على أسس متينة، حتى يسير في طريقه على نحو مستقل، إلا فيما يتعلق بالمشكلات الواقعة على الحدود، أو بمسائل المنهج؛ ولكن لا يمكن القول إن عملية الاستطلاع هذه تحرز تقدما بالمعنى المألوف لهذه الكلمة، وإنما هي تستمر في طريقها فحسب، و تتجدد وظيفتها بلا انقطاع.
وفي الوقت ذاته يتعين علينا أن نميز الفلسفة عن ضروب التأمل الأخرى؛ فالفلسفة في ذاتها لا تأخذ على عاتقها مهمة حل المشكلات التي تعاني منها، وإنما هي على حد تعبير اليونانيين، نوع من المغامرة الاستكشافية التي نقوم بها لذاتها.
برتراند راسل، حكمة الغرب، ترجمة فؤاد زكرياء، الجزء الأول، عالم المعرفة 1983، ص 18–19.