موضوع الروايات الجنسية بين الآداب كفن جمالي إلى الرداءة كجرأة أدبية…..

يوسف اليوسفي أستاذ و باحث في الفلسفة
لا رواية خالية من الفن و الجماليات و الإيستطيقا و الصيغ البلاغية ، و ما يزيد الروايات شاعرية، كما تصر على ذلك أحلام مستغانمي ، قوة بلاغتها،  و نباهة الروائي في صناعة الصورة ، و رسمها بريشة من الكلمات ، و طلائها بالدلالة المرجوة بعمق منقطع النظير. و لا أجد أبلغ من روايات غسان كنفاني ، و أحلام مستغانمي ، و أثير عبد الله النشمي ، كما لا أخفي إعجابي بصاحبة رواية بقلبي أنثى عبرية ، لعمقها ، و معلوماتها القيمة فيما يخص فلسفة الدين و الدين المقارن كعلم قائم بذاتها.
لست هنا بصدد بحث موضوعة الروايات ، و لا نقد في رواية بعينها ، إلا أني وجدت من المهم جدا وضع تقديم لموضوع بات يفرض ذاته بقوة في الوسط الثقافي العربي ، و خاصة منه الأدبي  ، لما أضحى لفن ” الرواية الجنسية”  كنوع جديد من الرواية من آرتباط بالكلمة و الحرف و المعنى و الثقافة ، متى ظهر هذا النوع من الفن ؟ و كيف صار موضوع النقد الأدبي المعاصر؟ 
قد يطرح الكثير من النقاد موضوعات الروايات للنقد و المساءلة ، لكن بنوع من الحذر ، حذر أن يخدشوا حرية الإبداع في جسده ، و بالتالي وشم العار على جسد الرواية العربية المعاصرة ، لذلك لا أحد من الأدباء و النقاد في الوسط العربي تقدم بنقد للموضوع ، كموضوع في حد ذاته و لا بآعتباره فن الإيروتيكا،  بل آهتموا بهذا المجال و الموضوع منذ مطلع الستينيات و دخلت روايات بعينها الوسط الجامعي و تمت دراستها و نقدها من قبيل “الخبز الحافي” لمحمد شكري، “برهان عسل” لعليوي ، و غيرهما من الروايات التي ركزت على الجنس كتيمتها الحية ، و شغلت وسط النقد العربي ، و قسمته بين ناقد مدافع عن الحرية في الكتابة ، و النقد و تصوير الصور ” البورنوغرافية ” بلغة خادشة لعنفوان اللغة العربية ، منصبة على الكلام العامي ” الساقط ” بدل تنميق المشهد ، و إعطاءه صبغة فنية ، تفتح شهية القارئ للقراءة ، و معاودة القراءة ، كما تفعل أحلام مستغانمي في بعض فصول رواياتها -الاسود يليق بك-  دون أن تقع في مطبات النزول من برج الكاتب الباحث عن المعنى ، إلى الكاتب النازل إلى الشارع يسرق منه مسمياته ، و ألفاظه ، و لغته ، و كأن القارئ العربي لا يستطيع فهم الأعضاء التناسلية  في لغتنا الأم ، ليستبدلها أيمن الدبوسي بألفاظ خليعة ، لا ترقى لأن تكتب في النص الأدبي من قبيل “الإير” و “المص” و هلم جرا ، كأن التونسيون و التونسيات و العرب عامة غير واعييين بمفهوم القضيب و ما تلاه من أعضاء الجهاز التناسلي، و ما صاحب السلوك الجنسي من أفعال.
لا يمكن أن أحاكم هذه الروايات ، و لا أن أنزل بها إلى الفن الرخيص ، كما يحاول البعض ، و لكنها ظلت بعيدة عن أن تكون رواية حتى ، فكاتب يفكر في الحط من الرواية و اللغة العربية بالمبالغة في تقريب مفاهيمها ، و جعلها لغة عامية دارجة ، شيء لا يمكن أن يضفي على هذا الصنف من الروايات ، إلا مزيدا من الحذر و الحيطة. 
سيظل لهذه الروايات -الروايات الجنسية- جانب أسود ، يجنبهم حتى التداول بين الناس في مجتمع عربي محافظ ، يرفض الانفتاح على كل ما له علاقة بالفن الايروتيكي، مجتمع يعتبر إلى اليوم جسد المرأة مجرد عورة، و النظرة نوع من الزنى، مجتمع لن يجرأ على قراءة مطبخ الحب، و حتى إن قرأها فسيكون ذلك كما جاء في إحدى فصول هذه الروايات، بكون البطلة ظلت تقرأ هذا النوع من الروايات متخفية كأنها تخبئ سرا من أسرار الكون، مجتمع لا يمكنه أن يطبع مع الجنس في الكتب ، في الروايات و  في الأفلام،لكنه يطبع معه في الشارع ، في المقاهي ، و في الأزقة. و منه فإن ما يطمح إليه كتاب هذا الصنف الروايات ، من قبيل صناعة ثورة جنسية في البلاد العربية ، و التركيز على الطفرة السلوكية فيما يتعلق بالجنس ، لن يصلوا إليه إلا إذا دافعوا بمضض ليس على مشاهد شاحنة في عمق فصول رواياتهم ، بل في دفاعهم عن الفردانية و الحرية الجنسية سيرا على نهج الغرب ، لكن هذه المغامرة ليس فيها من ايجابية إلا تحرير العربي من بعض السلوكات التي لا تمت لقيمنا بشيء ، أن تجعله يمارس سلوكاته وفق ما تمليه عليه رغبته ، لا وفق ما تمليه عليه أعراف و تقاليد هذا المجتمع.

إغلاق