تحليل قولة فلسفية – مفهوم الدولة: الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة
موضع الدرس
الفئة المستهدفة | الثانية بكالوريا |
الموضوع | منهجية تحليل القولة الفلسفية |
القولة | الحرية هي الغاية الحقيقة من قيام الدولة |
المجزوءة | مجزوءة السياسية |
المفهوم | مفهوم الولة |
محاور الدرس
- منهجية تحليل القولة الفلسفية
- تحليل قولة فلسفية: الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة
❶: منهجية تحليل قولة فلسفية:
نقوم بتحليل القولة الفلسفية وفق مذكرة التقويم والأطر المرجعية من الخطوات التالي
❷ تحليل قولة فلسفية: الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة.
φ لحظة االفهم
تشكل قضية السياسة إحدى القضايا المركزية في تاريخ الفلسفة، والدليل على ذلك أننا نجد مبحثا فلسفيا معنونا بالفلسفة السياسية، يهتم بدراسة الإنسان ككائن سياسي وبكل القضايا السياسية المرتبطة به. والسياسة بما هي فن تدبير الشأن العام للأفراد، تتطلب وجود أجهزة وآليات يتم من خلالها تدبير شؤون أفراد المجتمع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية… لغاية حفظ الإستقرار والأمن وتحقيق العدالة والسعادة، ومن بين تلك الآليات نجد الدولة، والتي لا تعني شيئا غير الأجهزة والمؤسسات التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما. غير أن الدولة باعتبارها مفهوما فلسفيا أساسيا في داخل الفلسفة السياسية يطرح جملة من الإشكالات والتساؤلات، فالدولة تمارس سلطتها على الأفراد، وبالتالي لابد من أساس ومبرر لمشروعيتها ولتبرير سلطتها على الأفراد، كما أن الدولة تطرح إشكال غاياتها، أي الغايات التي وجدت من أجلها وتهدف إلى تحقيقها. وهذا الإشكال الأخير هو نفسه الإشكال الذي تطرحها القولة الفلسفية قيد التحليل والمناقشة، حيث أنها تسلط الضوء على مفهوم الدولة وخاصة غاياتها، وإن كانت غايتها هي الحرية أم شيئا آخر غير الحرية. ومنه يمكن أن نتساءل: مما تستمد الدولة مشروعيتها؟ وما مبرر وجودها؟ وما غاياتها؟ هل غاية الدولة هي الحرية أم أن غايتها هي الدولة ذاتها ام أن غايتها تتمثل في تبرير وحفظ هيمنة طبقة على الأخرى؟ وبما أن هناك ارتباط بين غاية الدولة ومشروعيتها فيمكن أن نتساءل أيضا: مما تستمد الدولة مشروعيتها؟ هل تستمدها من العقد الإجتماعي ومن الحرية كغاية لها، أم أنها تستمدها من ذاتها، أم أنها تستمدها من التفاوت الطبقي؟
φ لحظة التحليل
يتضح من خلال منطوق القولة أنها تؤكد على أطروحة مضمونها أن الغاية الحقيقية من قيام الدولة هي الحرية، بمعنى أن الغاية التي يجب أن تعمل الدولة عبر أجهزتها ومؤسساتها على تحقيقها هي الحرية ولا شيء آخر غير الحرية. وهذا يعني أن الدولة يجب أن تقف ضد كل ما يحد ويمنع من الحرية، أي حرية الأفراد. ولتوضيح هذا القول، وتبيان ابعاده لابد من أولا من كشف دلالة كل من مفهوم الدولة مفهوم الحرية.
فيما يخص مفهوم الدولة فهو يحمل معنيين، معنى عام ومعنى خاص، أما بالنسبة للمعنى العام فالدولة تعني “جماعة كبيرة من الناس، تسكن أرضا معينة بصفة دائمة، ويجمعها نظام سياسي، وتتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال”، أما في دلالتها الخاصة فهي ” عبارة عن الأجهزة والمؤسسات التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما”.و يتبين لنا أن الدولة موضوع القولة هي الدولة بالمعنى الخاص. أما فيما يخص مفهوم الحرية، فهو يحمل هو الآخر عدة دلالات، نورد دلالتين، دلالة أنطولوجية حيث تعني الحرية غياب كل إكراه خارجي، ودلالة قانونية سياسية حيثالحرية تدل على الحق في فعل ما لا يمنعه القانون. وبالتالي تكون حرية مقيدة وليست حرية مطلقة. ويتضح أن غاية الدولة بما هي الأجهزة التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما هي الحرية بما هي حرية القيام بما لا يمنعه القانون. لكن كيف تكون الحرية غاية الدولة؟
في هذا السياق يمكن الوقوف عند تصور أحد أعمد الفلسفة السياسية الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا، ففي كتابه رسالة في اللاهوت والسياسة أكد هو الآخر أن الغاية الحقيقية من قيام الدولة هي الحرية.وليست هي ترهيب الناس وتحويلهم إلى كائنات حيوانية وآلات صماء فالغاية الغاية من وجود الدولة هو ضمان حريتهم وأمنهم. وهنايقارن اسبينوزا بين الإنسان والحيون والآلة، ويشبه الإنسان الفاقد للحرية بالحيوان الذي يتحرك وفق منطق الشهوة، وايضا بالآلة الصماء الفاقدة لمعنى الوجود الإنساني، الذي هو وجود حر. لكن حتى تتحقق تلك الغاية التي هي الحرية يقدم اسبينوزا الشرط الذي يجب أن تقوم عليه الدولة، وهو أن تنبع سلطة إصدار القرار من الجماعة أو من بعض الأفراد أو من فرد واحد، ومضمون هذا القول هو أن سلطة الدولة تتمتع بوجود مستقل عن إرادات الأفراد والجماعة. وفي السياق ذاته، سياق حديثه عن غاية الدولة يؤكد اسبينوزا على أن الحق الوحيد الذي تنازل عليه الأفراد هو الحق في أن يتصرف كل وفق ما يمليه عليه قراره الشخصي. وليس حقه في الحكم والتفكير،ومن ثمة فللفرد الحرية في الكلام وفي التفكير وفي إصدار الحكم اعتمادا على العقل، لا على المكر والخداع. ولذلك فليس للفرد الحرية في تغير أي شيء في الدولة بمحض إرادته.
إذن فغاية الدولة هي الحرية وأن مشروعيتها مستمدة من تحقيقها لهذه الغاية، كما أن مشروعيتها مستمدة من الأفراد الذي يفوضون أمرهم للدولة لتحفظ لهم الحرية والأمن. لكن ألا يمكن أن تجعل ذلك من الدولة مجرد وسيلة في يد الأفراد؟ وألا يمكن أن تكون الدلة مجرد أداة للهيمنة والتسلط؟
φ لحظة المناقشة
لا يمكن أن نختلف في أهمية موقف القولة وأطروحتها، فموقفها يؤكد على أهمية الحرية، ويجعلها غاية الدولة. وبالتالي فهو موقف يقف معارضا لكل أشكال الاستبداد والستعباد، والهيمنة والتسلط والترهيب، فالحرية هي الشرط ليحقق الإنسان إنسانيته، أما سلبه إياها فلا يجعله إلا كالحيوان أو كالآلة، أي كإنسان فاقد للحرية…
لكن النظر إلى الدولة كمجرد أداة لتحقيق الحرية يجعلها مجرد وسيلة في يد الأفراد، وهذا القول قول غير صائب حسب الفلسفة الهيجلية، فهيجل يذهبإلى انتقاد النظرية التعاقدية، التي خلطت بين الدولة والمجتمع المدني، فالذي يقوم بحماية حرية الأفراد وحماية الملكية حسب هيجل هو المجتمع المدني وليست الدولة هي من تقوم بذلك، لأن ذلك سيجعل من الدولة مجردة وسيلة في يد الأفراد. إلا أن الدولة حسب هيجل هي غاية في ذاتها، وهي ضرورة تاريخية لا دخل لإرادات الأفراد فيها. بل أكثر من ذلك فالأفراد ليس لهم من الموضوعية والحقيقة ولا من الأخلاق إلا بما هو أعضاء في الدولة. فالحياة الجماعية تعتبر قدر الأفراد، ومصيرهم المحتوم. إذن فالدولة تستمد مشروعيتها من ذاتها، وأنا غايتها في ذاتها. لكن، الا يمكن أن تكون الدولة دولة استبدادية إن هي جعلت نفسها غاية لذاتها لا مجرد وسيلة لتحقيق غايات الأفراد؟نجد من بين التصورات من انتقد سواء التصورات التعاقدية أو التصور الهيجلي، وهي التصورات التي ترى أن الدولة ليست نتيجة لتعاقد بين الأفراد، ولا هي ضرورة يفرضها تطور العقل في التاريخي. كما أن غايتها ليست هي الحرية والامن والمساوات,,, هذا الموقف تبنته الفلسفة الماركسية ، فهذه الأخيرة لم تر في الدولة مجالا لتحقيق إنسانية الإنسان وأمنه ورفاهيته، فنشأة الدولة مرتبطة بالملكية الفردية، وانقسام المجتمع إلى طبقات، وفي ذلك يقول صديق ماركس فريدريك إنجلز: “لم تكن الدولة موجودة منذ الأبد، بل إن هناك مجتمعات لم تكن لديها أية فكرة عن الدولة وعن سلطتها، لكن في مرحلة من التطور الإقتصادي الذي كان مرتبطا، ضرورة، بانقسام المجتمعات إلى طبقات، أصبحت الدولة ضرورية، وعندما يعيد المجتمع تنظيم إنتاجه الإقتصادي على أساس التشارك الحر والمتساوي بين المنتجين فإن آلة الدولة ستؤول إلى الموقع الذي سيصبح منذ الآن هو موضعها أي متحف الأثريات بجانب العجلة والفأس البرونزي”.إذن فالدولة حسب التصور الماركسي، تجد مشروعيتها في انقسام المجتمع إلى طبقات، طبقة برجوازية مالكة لوسائل الإنتاج، وطبقة بروليتارية ، لا تملك إلا جهدها العضلي. ولا غاية لها غير خدمة مصالح الطبقة البرجوازية، وتبرير هيمنتها.
φ لحظة التركيب
يتضح من خلال ما سبق، أن الدولة تحيل على مجموع الأجهزة والمؤسسات التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما، وأنها لابد لها من غايات لتحققها ولابد لها من أساس تجد فيه مشروعيتها ومبرر ممارسة سلطتها على الأفراد. وبخصوص غاياتها فهي تختلف باختلاف أسس مشروعيتها، وهنا نجد أن هناك من يؤكد على أن غايتهاهي الحرية، أو بالأحرى يجب أن تكون هي الحرية، وأنها تستمد مشروعيتها من تعاقد يتم من خلاله تنازل الأفراد عن الحرية المطلقة والسلوك بدل ذلك وفق الحرية التي يخولها القانون، في حين نجد أن هناك من يؤكد على أن غاية الدولة هي الحرية ، لكن باعتبار الدولة غاية في ذاتها لا مجرد وسيلة في يد الأفراد، لكن هناك من يؤكد على أن الدولة ليست أداة لتحقيق الحرية والأمن والمساواة وإنما غايتها حفظ مصالح طبقة دون الأخرى وأن أساسها هو التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع.