منطق الفلسفة : الدهشة، السؤال، المفهوم، الشك، الحجاج
تقديم درس منطق الفلسفة
أولا: الدهشة
ثانيا: السؤال
ثالثا: المفهوم
رابعا: الشك
خامسا: الحجاج
منطق الفلسفة : ذ. مراد الكديوى
تقديم درس منطق الفلسفة:
تعرض الفلسفة لنفسها كنمط فكري يستشكل حول موضوعات العالم من خلال مجموعة من التصورات الفلسفية التي تؤلف هذا الإستشكال. غير أن جوهر الفلسفة ليس هو تصوراتها المتعاقبة أو المتعارضة ذلك أنها تصبح مجرد عرض تاريخي للأفكار و الأنساق. إن جوهر الفلسفة هو فعل التفلسف الذي يشكل نسيجها الداخلي من حيث هو مجموعة من الآليات و الأدوات التي يرتكز عليها الخطاب الفلسفي سواء تعلق الأمر بهذا الفيلسوف أو ذاك، فما يقف خلف التباين الحاصل في مواقف الفلاسفة هو هذا المنطق-منطق الفلسفة-الداخلي لفعل التفلسف.
إن الإنتقال من الفلسفة إلى التفلسف هو انتقال من تاريخ الفلسفة إلى الممارسة الفعلية للتفكير الفلسفي، غير أن هذه الممارسة كخطاب قائم بذاته متفرد و متمايز عن باقي الخطابات الأخرى( الشعر-الرواية-العلم…) لا يمكن أن يتأسس إلا من خلال مجموعة من الأدوات التي تشكل ماهية فعل التفلسف. وعليه نضع التساؤلات التالية:
- هل الفلسفة في حاجة للأدوات الفلسفية لكي تنتج خطابها؟
- ما هي أدوات فعل التفلسف؟
- كيف يمكن أن نميز في هذه الأدوات بين ما هو فلسفي و غير فلسفي؟
- بأي معنى يمكن تأسيس الخطاب الفلسفي على هذه الأدوات؟
لكل خطاب خصائصه. ولكل خطاب أدواته التي تميزه عن غيره. وإلا لما استطعنا أن نفصل بين الحقول المعرفية المتعددة. لذا فإن الحديث عن حاجة الفلسفة لأدوات يعبر عن تناقض لأنها من صميمها و ماهيتها. ومن تم يصبح السؤال الأساسي هو التعرف على هذه الأدوات التي تشكل جوهر الخطاب الفلسفي. فما هي هذه الأدوات؟
يتأسس التفكير الفلسفي على جملة من الأدوات التي تشكل بنيته وماهيته. و يمكن أن نحددها في العناصر التالية: الدهشة/السؤال/المفهوم/الشك/الحجاج/النقد.
أولا: الدهشة:
تعتبر الدهشة على حد تعبير أرسطو هي المحرك الأول لفعل التفلسف، ذلك أنها تدفعنا إلى وضع السؤال حول ذواتنا والموضوعات المحيطة بنا التي نعتقد أننا نفهمها. معنى ذلك أن الفلسفة لا تبدأ إلا حينما يندهش الفكر ويتساءل. و لعل ذلك ما عبر عنه “مارتن هايدغر” بالقول: “إن اندهاش الفكر يعبر عن نفسه بالسؤال” غير ان الحديث عن الدهشة كدافع أو محرك لفعل التفلسف لا يمكن أن يتم إلا بتمييزها عن أنواع الدهشة الأخرى غير الفلسفية. وهو الأمر الذي يمكن ان نوضحه في الجدول التالي:
الدهشة العامية |
الدهشة العلمية |
الدهشة الفلسفية |
|
|
|
يبدو إذن بأن الدهشة الفلسفية كما تصورها “ارثر شوبنهاور” هي دهشة مرتبطة بما هو مألوف واعتيادي ففيها لا نعجب من الأشياء الخارقة أو النادرة بل من الأشياء الإعتيادية التي تسكننا وكأنها يقينية. فإندهاش الفيلسوف من المألوف هو محاولة لتعرية سذاجة تصورنا للأشياء في محاولة البحث عن المعنى الوجودي في العالم. وعليه تكون الدهشة خاصية إنسانية (لا تقال على الحيوان) كونها عملية مصاحبة للتفكير، لكن القول بذلك لا يعني أن الجميع يندهش على الطريقة الفلسفية لأن هذه الأخيرة تفترض في الفرد إعمال العقل بدرجة أعلى حتي يتمكن من مساءلة ذاته وواقعه الإعتيادي حيث يكون دافعه البحث عن المعنى خصوصا في ظل الآلم و المعاناة و الموت وبؤس الحياة. وبذلك فإن اندهاش الفكر يكون بمثابة البداية النظرية للفلسفة حينما نندهش من وجودنا الشخصي (كما فعل ديكارت) ومن العالم ( كما فعل طاليس).
ثانيا: الــسؤال:
إن الجوهر في الخطاب الفلسفي هو السؤال. فهو العلامة المميزة له، وما استمرار الفلسفة منذ بداياتها الأولى حتى اليوم إلا ثمرة السؤال، فلو كانت الفلسفة تقوم على الجواب لإنتهت منذ زمن طويل. لكن وضع السؤال عن السؤال نفسه أدى إلى هذه الحركة المتجددة باستمرار وهو ما يعبر عنه “كارل ياسبرز” بالقول: “السؤال في الفلسفة أهم من الجواب. فكل جواب يصير سؤالا جديدا”. لكن ما هو السؤال؟
السؤال هو جملة استفهامية تتضمن أداة الإستفهام و قضية (موضوع الإستفهام) تتغيا طلب المعرفة. و يعرفه “جميل صليبا” في معجمه الفلسفي بالقول:”هو استدعاء المعرفة أو ما يؤدي إلى المعرفة. وسؤال المعرفة قد يكون للإستفهام والإستعلام تارة. وللتعريف و التبيين تارة أخرى…” لكن إذا كان السؤال جملة استفهامية. فكيف نميز بين سؤال فلسفي وآخر غير فلسفي؟
يمكن ان نوضح ذلك من خلال الأمثلة التالية:
- أين توجد المدرسة؟
- ماهي العلاقة بين الجسم وسرعة السقوط؟
- ما الحرية؟
يعتبر السؤال الأول سؤالا عاديا كونه يطلب المعرفة من شخص يعرف الإحداثيات المكانية للمدرسة. في حين أن السؤال الثاني ذو طبيعة علمية لأنه يهتم ببحث العلاقة وهو موضوع السؤال العلمي. أما الثالث فيكتسي طابعا فلسفيا كونه يتساءل حول ماهية المفهوم. وبناءا على ذلك نستطيع تمييز السؤال الفلسفي عن السؤال غير الفلسفي. كيف ذلك؟
ينحل السؤال الفلسفي إلى ضربين، الأول: سؤال الماهية ويتعلق بطلب معرفة ماهية الشيء بالحد و التعريف. والثاني: سؤال الوجود وفيه نستفهم حول ما إذا كان الشيء موجودا أو عدما، ويندرج تحته طلب معرفة علة وغاية الوجود. بمعنى أن كل سؤال لا يتعلق بالماهية والوجود هو سؤال غير فلسفي. ويمكن أن نزيد الأمر إيضاحا من خلال التساؤل حول طبيعة الأدوات الإستفهامية التي يمكن أن نبني بها السؤال الفلسفي وذلك من خلال الجدول التالي:
السؤال |
الأداة | الوظيفة | طبيعة السؤال |
o متى مات سقراط؟
o أين مات سقراط؟ o كيف مات سقراط؟ ما الموت؟ o هل الموت وجود أم عدم؟ o لما الموت؟ |
متى
أين كيف |
إحالة زمنية
إحالة مكانية الحالة أو الطريقة |
سؤال غير فلسفي |
ما
هل لما |
الماهية
الوجود أو عدمه علة وجود الشيء |
سؤال فلسفي |
استنتاج: كل سؤال يتعلق بالإحداثيات المكانية و الزمانية أو بالحالة والطريقة…هو سؤال غير فلسفي. فالسؤال الفلسفي هو الذي يتعلق بالماهية و الوجود.
ثالثا: المفهوم:
لا فلسفة بدون مفهوم. فالفلسفة في أحد نواحيها ماهي إلا نحت للمفهوم على حد تعبير “جيل دولوز” وبذلك يكون الفيلسوف هو صديق المفهوم. لكن ما معنى المفهوم؟ وكيف نميز المفهوم عن غيره؟
المفهوم: هو كل تصور أو تمثل ذهني لشيئ مجرد. يهتم بالذات الإنسانية. و يأخذ طابعا كليا. وفيه تنعدم الإحداثيات الزمانية والمكانية.
انطلاقا من هذا التعريف فإنه يمكن أن نرصد الجوانب التي تمكننا من تمييز المفهوم عن غيره وذلك من خلال الجدول التالي:
المثال | نوعه | التعليل |
o الشجرة
o سقراط o المساء o الحرية o الإنسان |
ليس مفهوم
ليس مفهوم ليس مفهوم مفهوم مفهوم |
لأنه يرتبط بما هو مادي وحسي.
لأنه يرتبط بالشخص. لأنه يرتبط بإحداثية زمنية. لأنه معطى ذهني مجرد. لأنه معنى كلي. |
ملاحظة: إلى جانب المفهوم هناك الشخصية المفهومية التي قد يوظفها الفيلسوف للإحالة على معنى محدد. كما هو الحال مع نيتشه حينما يوظف الشخصية المفهومية لديونزوس لدلالة على الحياة والعبث والإنتشاء…وتتميز الشخصية المفهومية عن المفهوم بكونها ذات بعد شخصي(مثلا ترتبط بهذا الإله دون الآخر) لكنها تتفق معه في الطابع المجرد من خلال المفاهيم التي تحيل عليها الشخصية المفهومية.
رابعا: الشك:
يشكل الشك إحدى الدعامات الأساسية للتفكير الفلسفي. ذلك ان غيابه هو إعلان لدوغمائية التصورات الفلسفية التي تقدم نفسها في صورة مطلقة لا تقبل النقد، إن مهمة الشك الأساسية هي تأصيل المعرفة عبر البث فيها وطرح كل ما لا يرقى إلى درجة اليقين. وعموما فيمكن أن نعرف الشك بأنه حالة من التردد بين الإثبات والنفي التي يغيب فيها اليقين و الجزم وينتهي هذا الأخير بالتوصل إلى حقيقة لا يطالها الشك. هذا ويمكن أن نميز داخل الشك نفسه بين شك منهجي وآخر ريبي، وذلك على النحو التالي:
شك منهجي |
شك ريبي |
· وسيلة من أجل الوصول إلى الحقيقة(راجع ديكارت في قواعد المنهج)
· يسعى إلى البناء اليقيني للمعرفة عبر تأصيلها وهدم كل ما ليس يقيني. |
· غاية في ذاته(غايته الشك من اجل الشك).
· يسعى إلى الهدم و الرفض و الإبطال دون بناء. |
خامسا: الحجاج:
إذا كان مجال العلم هو البرهانيات كونه ينطلق من مقدمات يقينية لا اختلاف حولها(مثال: الكل اكبر من الجزء). فإن مجال الفلسفة هو الحجاجيات بامتياز ويظهر ذلك في اختلاف المقدمات التي ينطلق منها كل فيلسوف. ومن تم ينتقل الحكم من حكم على صحة هذا التصور أو ذاك إلى النظر في تماسك الخطاب الفلسفي ومنطقيته، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتم دون اعتماد الفيلسوف لمجموع الحجج التي يحاجج بها لإثبات أطروحته. لكن ما هو الحجاج؟
حسب ترتيب أرسطو لأصناف القول فإن الحجاج هو قول ظني ينبني على مقدمات مشهورة (الجدل) أو مقبولة (الخطابة) غايتها تحصيل القناعة عند المتلقي بأن الشيء كذا أو ليس كذا. وعليه تتضح غاية الحجاج القصوى والمتمثلة في الإقناع. وبذلك يكون الحجاج في طابعه العام هو فن الإقناع العقلي من خلال مجموعة من الحجج. هذه الحجج التي قد يستعملها الفيلسوف تتراوح بين حجج عقلية منطقية رياضية. وبين حجج ذات طبيعة بلاغية ولغوية وعموما فيمكن أن نعرض لهذه الحجج من خلال الجدول التالي:
الحجج العقلية/المنطقية/الرياضية. |
|
الحجة | وظيفتها |
القياس
البرهان بالخلف الإستدلال اللزوم(الشرط المنطقي)
التلازم المنطقي الإستنتاج الإحصاء والجرد التعريف الإستنباط الإستقراء التفسير والشرح المقارنة
التقابل النفي والإثبات التمثيل
المثال حجة السلطة الحجة المعرفية |
· تحصيل القناعة عبر إثبات سلامة القياس.
· إثبات القول عبر نفي النتيجة ومن تم البث فيما إذا كان هناك تناقض في المقدمات. · إلزام الإقرار بالنتيجة إذا كان الإستدلال سليما · إثبات قضية من خلال شرط منطقي يدخل في ماهيتها ويستحيل فصلها عنه. · وفيه لا نثبت قضية إلا بقضية تتلازم معها. · استخلاص نتائج ذات طابع يقيني من مقدمات. · ترتيب الوقائع وفق تسلسل معين. · حدُّ المفهوم من خلال خواصه. · اثبات قضية متضمنة من خلال الإنتقال من العام إلى الخاص. · استنتاج قضية من خلال الإنتقال من الخاص إلى العام. · توضيح فكرة والعرض لها. · استخلاص فكرة من خلال تبيان أوجه الإختلاف والتماثل. · المقابلة بين شيئين بينهما تضاد أو تضمن. · نفي فكرة لإثبات فكرة أخرى. · تقريب المعنى من خلال الجمع بين حدين. حد مجرد وحد حسي. · الإقناع والشرح عبر توظيف أمثلة من الواقع. · الإقناع عبر الإستشهاد قول لا يقبل النقاش(مثال:النص الديني/الحديث…). · الإقناع باستحضار حجة لعالم أو فيلسوف… |
الحجج البلاغية اللغوية |
|
الحجة | المؤشر اللغوي الدال عليها |
· التأكيد
· النفي · التعريف · الإستدراك · الإفتراض · الشرط |
· إن/ لابد…
· لا/ ليس/…. · الدولة هي،هو/ إنها تعني… · لكن…. · لنفترض أن…. · ….إذا وفقط إذا…. |