محور مشروعية الدولة وغاياتها – مفهوم الدولة
الفئة المستهدفة | الثانية بكالوريا |
المادة | مادة الفلسفة |
المجزوءة | مجزوءة السياسة |
المفهوم | مفهوم الدولة |
المحور الأول | محور مشروعية الدولة وغاياتها |
مشروعية الدولة وغاياتها:
- التأطير الإشكالي
- الموقف التعاقدي: نموذج موقف باروخ اسبينوزا
- موقف فريديرك هيغل: الدولة غاية في ذاتها
- موقف كارل ماركس : غاية الدولة خدمة مصالح الطبيقة المهيمنة
التأطير الإشكالي للمحور
من بين الإشكالات الفلسفية التي تطرحها قضية الدولة، إشكال مشروعية الدولة. ذلك لأن الدولة كجهاز ومؤسسة سياسية تمارس سلطتها على الأفراد، وبالتالي لابد من أساس ومبرر لمشروعيتها ولتبرير سلطتها على الأفراد. كما أن قضية الدولة تطرح إشكال غاية الدولة، أي الغاية التي تهدف إلى تحقيقها. وهنا لابد من البحث إن كانت غاية الدولة هي مصلحة الأفراد من أمن وحرية، أم أن غايتها هي الدولة نفسها، أم أن لها غايات أخرى كخدمة غير تلك.
من هنا يمكن أن نتساءل: مما تستمد الدولة مشروعيتها؟ وما مبرر وجودها؟ وما غاياتها؟ هل غاية الدولة هي الحرية أم أن غايتها هي الدولة ذاتها ام غايتها هي تبرير وحفظ هيمنة طبقة على الأخرى؟ وبما أن هناك ارتباط بين غاية الدولة ومشروعيتها فيمكن أن نتساءل أيضا: من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ هل تستمدها من العقد الاجتماعي، أم أنها تستمدها من ذاتها، أم أنها تستمدها من التفاوت الطبقي؟
مفهوم الدولة
الدولة ف “جماعة كبيرة من الناس، تسكن أرضا معينة بصفة دائمة، ويجمعها نظام سياسي، وتتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال”. أما في معناها الخاص، فالدولة تعني “الأجهزة والمؤسسات التي تمارس السلطة والحكم في بلد ما”. الدولة بهذا المعنى الأخير تستعمل في مقابل الشعب، وهي تعني الحاكمين، في حين تدل كلمة الشعب على المحكومين، وبهذا يمكن القول بأن الشعب هو مجموع السكان الذين تسري عليهم سلطة الدولة.
مفهوم المشروعية
اسم لما هو مشروع، وما هو مشروع هو الذي ينطلق ويتخذ أساسا له الحقوق الإنسانية الأساسية.
-
الموقف التعاقدي (نظرية التعاقد الاجتماعي)
كثيرة هي النظريات التي حاولت تفسير نشوء الدولة وتفسير غاياتها ومبررات وجودها وفرض سلطتها وسيادتها على الأفراد، ومن بين تلك النظريات نجد النظريات التعاقدية. هذه الأخيرة ترى بأن الأفراد كانوا يعيشون في حالة الطبيعة، وهي حالة سابقة على حالة الدولة والقانون والمدنية، وكان كل فرد يتصرف وفق طبيعته. ولعدم إمكانية الاستمرار على تلك الحالة، كان لابد من الانتقال عبر تعاقد اجتماعي إلى حالة أخرى تتميز عن السابقة بغياب الحرية المطلقة، وبالخضوع للقانون، وهي حالة المدنية، حالة الدولة.. أما الفلاسفة الذين تبنوا فكرة التعاقد الاجتماعي فهم: طوماس هوبس، جان جاك روسو، جون لوك، باروخ اسبينوزا.
موقف باروخ اسبينوزا كنموذج للمواقف التعاقدية
في كتابه رسالة في اللاهوت والسياسة أكد باروخ اسبينوزا أن الغاية الحقيقية من قيام الدولة هي الحرية، وليس ترهيب الناس وتحويلهم إلى كائنات حيوانية وآلات صماء، فالغاية الغاية من وجود الدولة هو ضمان حريتهم وأمنهم.
وهنا يشبه اسبينوزا الإنسان الفاقد للحرية بالحيوان الذي يتحرك وفق منطق الشهوة، وايضا بالآلة الصماء الفاقدة لمعنى الوجود الإنساني، الذي هو وجود حر. لكن حتى تتحقق تلك الغاية التي هي الحرية يقدم اسبينوزا الشرط الذي يجب أن تقوم عليه الدولة، وهو أن تنبع سلطة إصدار القرار من الجماعة أو من بعض الأفراد أو من فرد واحد، ومضمون هذا القول هو أن سلطة الدولة تتمتع بوجود مستقل عن إرادات الأفراد والجماعة. وفي السياق ذاته، سياق حديثه عن غاية الدولة يؤكد اسبينوزا على أن الحق الوحيد الذي تنازل عليه الأفراد هو الحق في أن يتصرف كل وفق ما يمليه عليه قراره الشخصي. وليس حقه في الحكم والتفكير، ومن ثمة فللفرد الحرية في الكلام وفي التفكير وفي إصدار الحكم اعتمادا على العقل، لا على المكر والخداع. ولذلك فليس للفرد الحرية في تغير أي شيء في الدولة بمحض إرادته.
إذن فغاية الدولة هي الحرية وأن مشروعيتها مستمدة من تحقيقها لهذه الغاية، كما أن مشروعيتها مستمدة من الأفراد الذي يفوضون أمرهم للدولة لتحفظ لهم الحرية والأمن.
أهمية الموقف:
يجد موقف اسبينوزا قيمته في دعوته إلى الحرية والديمقراطية والأمن، وفي ربطه جهاز الدولة بغايات نبيلة تحفظ الكرامة الإنسانية، وتجلعا الإنسان إنسانا، لا مجرد آلة أو حيوان خاضع للشهوات والأهواء. ولا يمكن إلا أن نثمن هذا الموقف، فهو موقف يمثل لحظة تاريخية مهمة من التاريخ الإنساني، وهي لحظة الأنوار والحرية وحقوق الإنسان، كما أنه نقد للأنظمة السياسية الشمولية والدكتاتورية، التي تجعل مصلحة الحاكم والنخبة السياسية فوق أي اعتبار.
- لكن ألا يمكن أن يجعل ذلك من الدولة مجرد وسيلة في يد الأفراد؟ وألا يمكن أن تكون الدولة مجرد أداة للهيمنة والتسلط؟
-
الموقف الهيغلي: الدولة غاية في ذاتها
يذهب فريدريك هيغل إلى انتقاد النظرية التعاقدية، التي خلطت بين الدولة والمجتمع المدني، فالذي يقوم بحماية حرية الأفراد وحماية الملكية حسب هيجل هو المجتمع المدني وليست الدولة هي من تقوم بذلك، لأن ذلك سيجعل من الدولة مجردة وسيلة في يد الأفراد. إلا أن الدولة حسب هيجل هي غاية في ذاتها، وهي ضرورة تاريخية لا دخل لإرادات الأفراد فيها. بل أكثر من ذلك فالأفراد ليس لهم من الموضوعية والحقيقة ولا من الأخلاق إلا بما هم أعضاء في الدولة. فالحياة الجماعية تعتبر قدر الأفراد، ومصيرهم المحتوم. وهكذا فالدولة تستمد مشروعيتها من ذاتها، وأن غايتها في ذاتها. لكن.
أهمية الموقف:
يجد الموقف الهيغلي أهميته في فصله لوجود الدولة عن إرادة الأفراد، وهو ما سيمنح الدولة استقلالها. ولا ننكر أن الدولة أحيانا، حين تكون مجرد وسيلة في يد الأفراد، تكون معرضة للزوال والانهيار.
- لكن جعل الدولة غاية في ذاتها، لا مجرد وسيلة قد يجعلها دولة شمولية واستبدادية، وهو ما يمكن أن ننتقد فيه الموقف الهيغلي.
-
الموقف الماركسي: الدولة مجرد أداة لتكريس الهيمنة
انتقدت الفلسفة الماركسية (نسبة إلى كارل ماركس) التصورات التعاقدية كما انتقدت التصور الهيجلي. ويذهب الموقف الماركسي بخصوص الدولة إلى أن الدولة ليست نتيجة لتعاقد بين الأفراد، ولا هي ضرورة يفرضها تطور العقل في التاريخي. كما أن غايتها ليست هي الحرية والامن والمساواة… إن الدولة ليست مجالا لتحقيق إنسانية الإنسان وأمنه ورفاهيته، فنشأة الدولة مرتبطة بالملكية الفردية، وانقسام المجتمع إلى طبقات، وفي ذلك يقول صديق ماركس فريدريك إنجلز: “لم تكن الدولة موجودة منذ الأبد، بل إن هناك مجتمعات لم تكن لديها أية فكرة عن الدولة وعن سلطتها، لكن في مرحلة من التطور الاقتصادي الذي كان مرتبطا، ضرورة، بانقسام المجتمعات إلى طبقات، أصبحت الدولة ضرورية، وعندما يعيد المجتمع تنظيم إنتاجه الاقتصادي على أساس التشارك الحر والمتساوي بين المنتجين فإن آلة الدولة ستؤول إلى الموقع الذي سيصبح منذ الآن هو موضعها أي متحف الأثريات بجانب العجلة والفأس البرونزي”. إذن فالدولة حسب التصور الماركسي، تجد مشروعيتها في انقسام المجتمع إلى طبقات، طبقة مهيمنة مالكة لوسائل الإنتاج، وطبقة مستغَلة لا تملك إلا جهدها العضلي. ولا غاية لها غير خدمة مصالح الطبقة المالكة والمستفيدة، وتبرير هيمنتها.
أهمية الموقف:
يجد الموقف الماركسي أهميته في نقده للهيمنة الطبقية، وفي تقديمه رؤية عن الدولة، مخالفة لرؤية الفلسفتين التعاقدية والهيغلية. ولا يمكن أن نختلف مع الموقف الماركسي، في أن الدولة قد تستغل وتعتمد كأداة للهيمنة والسيطرة، وخاصة حين تكون الأنظمة الحاكمة أنظمة شمولية وديكتاتورية.
- لكن القضاء على الدولة بشكل كلي، قد يقود المجتمع إلى حالة من الفوضى والعنف، وهذا ما يقودنا إلى التساؤل: هل يمكن تصور مجتمعات بدون دولة؟