المحور الثالث: سلطة المجتمع

  • المجزوءة: مجزوءة ما الإنسان
  • المفهوم: مفهوم المجتمع
  • المحور الثالث: سلطة المجتمع

المحور الثالث: سلطة المجتمع

  • التأطير الإشكالي للمحور:

يرى مجموعة من الفلاسفة والمفكرين أن المجتمع هي الذي يمكن الإنسان تلبية حاجاته الضرورية وتحقيق رغباته، وأن ما يحققه المجتمع للإنسان لا يمكن أن تحققه له العزلة. وهنا نفهم قول هنري دي بلزاك: “العزلة أمر جيد، لكنك تحتاج من تقول له بأن العزلة أمر جيد.

لكن المجتمع من جهة أخرى، باعتباره مجموعة من المؤسسات والقيم والمعايير، يمارس سلطة وقهرا على الأفراد. وهذا ما يدفعنا بالضرورة إلى التساؤل:

ما المجتمع وما السلطة؟ وكيف يمارس المجتمع سلطته على الأفراد؟

  • تعريف مفهوم المجتمع ومفهوم السلطة

مفهوم المجتمع:

يشير المجتمع إلى ذلك الكل المركب الذي يشمل من جهة أولى الأفراد وما يربط بينهم من علاقات، ويشمل من جهة ثانية المؤسسات ومختلف القيم والمعايير التي تنظم تلك العلاقات.

مفهوم السلطة:

السلطة هي القدرة التي يتوفر شيء أو شخص، فتمارس تاثيرها على الفرد وتوجه تصرفه وتحدده. والحديث عن سلطة المجتمع هو حديث عن ما يحدثه المجتمع ومؤسساته ومعاييره من تأثير وما يمارسه من قهر.

  • موقف سيغموند فرويد

يرى عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد أن المجتمع يمارس سلطة  وقهرا على الكائن البشري، من خلال تنشئته ومن خلال البيئة التي ينتمي إليها، ويرى أن ذلك يؤدي إلى تحويله من حالة الأنانية إلى حالة الغيرية. إضافة إلى ذلك، يرى سيغموند فرويد أن التربية والبيئة التي ينتمي إليها الفرد، تستخدمان نظاما جَزائيا يجعل الفرد يسلك جيدا، أي بطريقة متحضرة، ويقوم هذا النظام الجزائي على الثواب من جهة أولى وعلى العقاب من جهة الثانية.

لكن بما أن التنشئة التي يخضع له الفرد تكون على حساب غرائزه، وتعمل تأطير سلوكه وفق قواعد ومعايير أخلاقية،  فإن ذلك يجعله يعيش نوعا من الاغتراب عن ذاته، كما يؤدي إلى تشوهات على مستوى شخصيته، ويجعله  يعيش نوعا من النفاق.

  • موقف رالف لينتون

يرى عالم الاجتماع الفرنسي رالف لينتون أن الفرد يتلقى التعاليم من الناس السابقين عليه، ومن خلال تلك التعاليم تنتقل النماذج المعقدة التي تؤطر وتوجه سلوك الفرد. إضافة إلى ذلك، فالتعاليم التي يتلقاها الفرد من أسلافه تسمح له باستدماج النماذج باعتبارها نماذج تستجيب لحاجاته الفردية.

ويرى رالف لينتون أن الإشباعات التي يحققها الفرد ليست إلا طعما، فهي التي تجعله يسلك وفق الطريقة المقبولة من طرف المجتمع. ويقدم رالف لينتون مثال الأكل، فالفرد يتعلم الأكل ليشبع جوعه، لكنه في الوقت نفسه يتعلم الطريقة الملائمة للأكل.

موقف ألكسيس دو طوكفيل

ألكسيس دو طوكفيل هو مؤرخ فرنسي عاش بين سنة 1805 وسنة 1859، اهتم بالسياسة في بعدها التاريخي.

في سياق حديثه عن سلطة المجتمع، يرى ألكسيس دو طوكفيل أن المجتمع ليس سوى سلطة جبارة وقاهرة ومطلقة، حولت المواطنين إلى مجرد كائنات معزولة بدون إحساس بالغير ، كائنات لا تعيش قضاياها وصيرها المشترك، وفي ذلك أكثر من استبداد واضطهاد للأفراد.

موقف ابن خلدون:

في كتابه المقدمة، يرى عالم الاجتماع ابن خلدون أن الإنسان مدفوع بالضرورة إلى الاجتماع مع بني جنسه، لكن الاجتماع الإنسان (المجتمع) لا يمكنه أن يعيش السلم والأمان، ويبعد عدوان الحيوانات وعدوان الناس على بعضهم البعض  إلا إذا سلم زمام الأمور لشخص تكون مهمته الحد من قوة القوي وحماية الضعيف.

موقف ألان توران

ألان تورين عالم اجتماع فرنسي ولد سنة 1925م، اهتم بدارسة الحركات والاجتماعية والتحولات التاريخية.

يرى ألان توران أن المجتمع هو مجال للصراع بين الفاعلين الاجتماعيين، وأنه حدث تاريخي وليس ماهية. ولذلك يؤكد ألان توران أن فهم الفاعل الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق من خلال فهم المجتمع الذي ينتمي إليه، وإنما من خلال الصراعات القائمة بين الفاعلين الاجتماعيين.

موقف جان بيشلر

جان بيشلر هو أستاذ بجامعة السربون الرابعة، من مواليد سنة 1937، من أعماله ما هي الايديولوجيا.

يرى جان بيشلر أن كل سلطة سياسية منظمة، أي كل دولة، تستعمل ثلاثة عناصر تمزج بينها بنسب متفاوتة حسب خصوصيات كل دولة، وهذه العناصر هي: القوة السافرة، الحظوة والنفوذ المعنوي أو الرمزي، والكفاءة التقنية والإنجاز. وعندما يختل التوازن بين تلك العماصر الثلاثة تميل السلطة إلى القوة والعنف. ودور المجتمع وقواه الحية الحرص على التوازن والسعي إلى مضاعفة الإيجابيات والحد من السلبيات.

موقف ماكس فيبر: مصدر مشروعية السلطة

ماكس فيبر هو عالم اجتماعي ألماني، عاش بين سنة 1864 وسنة 1920م، من مؤلفاته: رجل العلم ورجل السياسة.

في حديثه عن مصدر مشروعية السلطة، يرى ماكس فيبر أن السلطة السياسية كما تجسدها الدولة، ترتكز بالضرورة على العنف، وتعتبر ممارسته ممارسة مشروعة. ويميز ماكس فيبر بين ثلاث مصادر وأنما من المشروعية وهي: سلطة الأمس الأزلي والتي ترتبط بسلطة العادات والتقاليد. وسلطة المزايا الشخصية الفائقة لشخص ما. والسلطة التي تفرض نفسها بواسطة الشرعية.

  • خلاصة تركيبية

استنادا إلى ما سبق ذكره، يتبين لنا أن المجتمع يمارس سلطة على الفرد، من خلال معاييره ومؤسساته التي توجه السلوك وتتحكم في الفعل.

كما يتبين لنا أن أبرز آلية يتم من خلاله توجيه الفرد والتحكم فيه هي آلية التنشئة والتربية، فهي آلية يتم من خلالها نقل النماذج الثقافية إلى الفرد، ونقلها من جيل إلى جيل آخر.

وبالتالي يمكن القول أن المجتمع من جهة أولى يخدم الفرد من خلال تلقينه وتعليمه تقنيات العيش ومن خلال احتضانه وتحويله من الأنانية والعزلة إلى الغيرية والانفتاح. لكن المجتمع من جهة ثانية يقيد الفرد ويمارس عليه السلطة والقهر، ويؤدي به أحيانا إلى الاغتراب عن ذاته، كما يؤدي إلى ظهور تشوهات على مستوى شخصيته.

 

إغلاق