محور الشخص والهوية – مفهوم الشخص
في هذا الدرس سنتطرق إلى درس محور الشخص والهوية، وهو المحور الأول من مفهوم الشخص وهو المفهوم الأول من مجزوءة الوضع البشري. وسنتناول من خلال هذا المحور عناصر الآتية:
محاور درس الشخص والهوية
- الوضعية المشكلة
- التأطير الإشكالي لمحور الشخص والهوية
- تحليل نص جون لوك الهية والشعور
- مناقشة نص جون لوك من خلال موقفي رونيه ديكارت وآثور شوبنهاور
- خلاصة تركيبية للمحور
- أنشطة تقويمية
الوضعية المشكلة لتأطير محور الشخص والهوية:
بينما أقلب صفحات ألبوم صوري الشخصية، وأتأمل صوري وأنا في لحظات حياتي الطفولية، أثار انتباهي التغير الذي حدث، فقد تغيرت بنيتي الجسمية، وتغيرت طريقة تفكيري، وأيضا مشاعري وأفكاري… لقد تغيرت بشكل ملحوظ، ومن منا لم يتغير ! لكن رغم هذا التغير لازلت أنا هو أنا، أشعر أنني أنا الذي كنت طفلا، وأنا الآن شاب يافع، وأنا الذي سأصبح يوما شيخا لا يقوى على الحركة. إنه لأمر ملفت للانتباه، أنني أنا هو أنا. لكن هل أنا هو أنا حقا؟ وإن كنت كذلك، ما الذي يجعلني نفس الشخص رغم اختلاف و تغير الوضعيات والأمكنة والأزمنة؟ ماذا لو أصبت بالزهايمر أو الجنون، فهل سأستطيع القول أنني أنا هو أنا؟
موضوع الوضعية المشكلة هو الهوية، أي تطابق الشخص مع ذاته رغم اختلاف الأمكنة والأزمنة.
التساؤلات والإشكالات المطروحة:
- هل يظل الشخص هو نفسه رغم تغير الوضعيات والأزمنة والأمكنة؟
- ما الذي يجعل الشخص هو هو؟
- هل يعني الجنون أو أمراض الذاكرة أن الشخص فقد هويته؟
- هل ترتبط الهوية بالمظهر الخارجي أم ترتبط بما هو باطني جواني؟
- هل هوية الشخص ثابتة أم متغيرة؟
التأطير الإشكالي لمحور الشخص والهوية
مما لا شك فيه أنه لا يمكن الحديث عن الشخص إلا بوصفه ذاتا واعية ومفكرة وحرة، وبوصفه ذاتا قادرة على التمييز بين الخير والشر، وقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها وقراراتها، سواء على المستوى الأخلاقي، أو على المستوى الأخلاقي. لكن الحديث عن تلك الذات وما يميزها ويجعلها متفردة، لا يستقيم إلا بالحديث عن هوية، أي عن تطابق الذات مع ذاتها واختلافها عن غيرها. وهنا يكون الشخص ذا هوية تجعله هو نفسه، أو لنقل تجعله هو نفس الشخص، رغم اختلاف وتعدد الوضعيات والأزمنة والأمكنة. وهنا نكون أمام إشكال فلسفي مرتبط بهوية الشخص، والذي يمكن أن نصوغه صياغة استفهامية كالآتي:
ما اساس هوية الشخص؟ وما الذي يجعله هو نفسه رغم اختلاف الأزمنة والأمكنة والوضعيات؟ هل ما يجعله نفس الشخص، هوهو، هو مادة جسمه وصورته أم أن هذا الأخير لا يكفي لتحديد أساس هوية الشخص؟ وإذا لم يكن هو الجسم، فهل هو التفكير أم الشعور أم هو الإرادة؟ وإذا كان التفكير هو أساس هوية الشخص فهل هو التفكير المجرد أم التفكير بما هو شعور؟
تحليل نص جون لوك – الهوية والشعور
أولا: فهم وتأطير النص..
تعريف جون لوك: فيلسوف من الفلاسفة الإنجليز، وواحد من فلاسفة الحقبة الحديثة من تاريخ الفلسفة. ينتمي جون لوك للمذهب التجريبي، الذي يرى أن العقل مجرد صفحة بيضاء، وأنه سيظل كذلك لولا التجربة.
موضوع النص: يعالج النص عموما مفهوم الشخص وبشكل خاص فهو يتطرق لمسألة الهوية الشخصية.
إشكال النص : ما معنى كلمة شخص؟ وما يكون هوية الشخص؟ هل ما يكون الهوية الشخصية هو الفكر المجرد أم الفكر المقترن بالشعور؟
ثانيا: تحليل النص
أطروحة النص: يؤكد جون لوك على أن ما يكون الهوية الشخصية هو الشعور المقترن بالفكر:
تحليل الأطروحة:
التحليل المفاهيمي:
- الشخص: يعرف جون لوك الشخص بكونه كائنا مفكرا عاقلا قادرا على التعقل والتأمل ، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة.
- الهوية الشخصية: تحيل الهوية إلى مطابقة الذات لذاتها، وكونها شخصية أي أنها مرتبطة بما هو سيكولوجي بالأساس، والحديث عن عن الشعور والذاكرة والوعي…
- الشعور: هو ذلك الجانب من العمليات العقلية التي ندركها ونعيها
- الذات: مصطلح فلسفي مرتبط بالأنا الواعي والمفكر، ويدل على الشخص أو الوعي بالذات.
- الجوهر: أو الماهية، ويشير إلى الخصائص الثابتة، وتأتي في مقابله الأعراض.
- التفكير: عمل عقليّ عامّ يشمل التصوُّر والتذكُّر والتخيُّل والحكم والتأمُّل، ويطلق على كل نشاط عقليّ. ويرتبط التفكير عند جون لوك بالشعور.
التحليل الحجاجي:
- الشرط: حيث اشترط جون لوك أن الاهتداء إلى ما يكون الهوية الشخصية لن يتحقق إلا بتبيان ما تحمله كلمة الشخص من معنى. وهو يؤكد هنا أن النقاش الفلسفي لقضية الهوية الشخصية لابد أن ينطلق أولا من تحديد معنى دلالة مفهوم الشخص.
- التعريف: فقد عرف جون لوك الشخص، ونظر إليه باعتباره كائنا مفكرا عاقلا قادرا على التعقل والتأمل ، وعلى الرجوع إلى ذاته باعتبار أنها مطابقة لنفسها، وأنها هي نفس الشيء الذي يفكر في أزمنة وأمكنة مختلفة.
- التأكيد والنفي: يشمل التأكيد النص ككل، ونشير هنا إلى أن كل تأكيد هو نفي بالضرورة، سواء كان النفي صريحا أم ضمنيا. وإذا عدنا إلى تعريف جون لوك للشخص، فسنجد أنه يعتبره كائنا مفكرا وعاقلا، وهنا يتقاطع مع المذهب العقلاني وخاصة مع فلسفة رونيه ديكارت. لكن جون لكون لا ينحو منحى ديكارت والفلسفة العقلانية، بل يؤكد أن الفكر لا ينفصل ولا يقبل الإنفصال عن الشعور، الذي يعتبر ضروريا للفكر، فالشخص من منظور جون لوك لا يدكر إدراكا فكريا في معزل عن الشعور، فالشعور هو ما جعل الشخص يدرك أنه يدرك.
- المثال: استعان جون لوك بعدة أمثلة، كمثالي الشم والتذوق، وذلك من أجل التوضيح والإثبات، أي إثبات وتأكيد أطروحته القائلة بأن الفكر مقرون بالشعور، وأننا نعرف ذلك (الشم، التذوق…) في حال حدوثه لنا بفضل الشعور.
- التأكيد: أكد جون لوك، في نفس سياق حديثه عن أهمية الشعور في تشكيل الهوية الشخصية، أن الشعور يمتد بعيدا ليصل إلى الأفعال والأفكار الماضية. وهو يؤكد هنا على أهمية الذاكرة التي تصل بين ماضي الشخص وحاضره.
استنتاج:
بعد تحليلنا نص جون لوك، يمكن القول أن هذا الأخير، يذهب إلى التأكيد أن ما يكون الهوية الشخصية، ويجعل الشخص هوهو، أي هو نفسه رغم اختلاف الأمكنة والأزمنة، ورغم تعدد الوضعيات، هو الشعور الذي لا يقبل الانفصال عن الفكر، وأن الشعور لا يشمل الحاضر فقط، بل يمتد بفضل الذاكرة ليشمل الأحداث والأفكار والأفعال الماضية.
مناقشة نص جون لوك:
لا يمكن أن نناقش مضمون وموقف نص جون لوك، دون أن نقف أولا عند أهمية الموقف. وهنا يمكن أن نؤكد أن قيمة وأهمية الموقف تتجلي في إثرائه وإغنائه النقاش الفلسفي حول قضية الشخص وخاصة حول إشكال الشخص والهوية، وأيضا من حيث إبرازه العلاقة بين الهوية وكل من الشعور والفكر والذاكرة. وفي السياق ذاته، يمكن أن نؤكد أهمية الذاكرة، والدليل على ذلك أن الذي يصاب على مستوى الذاكرة، ويفقد القدرة على التذكر، لا يستطيع التعرف على ذاته، ولا أن يقول أنه هو هو، وهذا دليل على صحة ما ذهب إليه جون لوك.
وبما أن الفكر الفلسفي فكر نقدي، لا يقبل الجاهز، فلابد ونحن نشتغل فلسفيا أن نقف عند حدود موقف جون لوك، أو بتعبير آخر لابد من رسم حدوده المعرفية أو الواقعية. وفي هذا السياق يمكن الوقوف عند تصوري كل من رونيه ديكارت وآرثور شوبنهاور.
لتحديد موقف الفيلسوف الفرنسي العقلاني رونيه ديكارت، يمكن أن ننطلق من كوجيطوه: “أنا أشك إذن أنا أفكر إذن أنا موجود”، ففي هذا القول يتضح أن ديكارت يربط وجود الذات ككل بالفكر والتفكير، وبما أنه يربط وجود الذات ككل بالتفكير، فلا يعقل أن يربط شيئا آخر يخص الذات بغير التفكير. ومنه يمكن أن نستنتج أن أساس هوية الشخص هو التفكير، أو لنقُل قدرة الشخص على التفكير. لكن التفكير الذي يتحدث عنه ديكارت هو التفكير المجرد، أي التفكير الذي لا يرتبط بأساس مادي، وهنا يختلف عن جون لوك، فهذا الأخير يرى أن أساس هوية الشخص ليس هو التفكير المجرد، بل التفكير بما هو شعور، أو بتعبير آخر، الشعور المقترن بالتفكير.
أما الفيلسوف الألماني آرثور شوبنهاور، فيختلف موقفه مع موقفي رونيه ديكارت وجون لوك، إذ يؤكد أن هوية الشخص تتوقف على الإرادة، أي إرادة الحياة. وفي موقفه ينتقد المواقف التي تقول بتوقف الهوية على الجسم سواء في مادته أو صورته، لأن مادة الجسم تتجمد بعد مرور الزمن، ولأن صورة الجسم تتغير في مجموع أجزائها، أو بعض أجزائها، باستثناء تعبير النظرة، التي لا تتغير، والتي تمكننا من التعرف على الآخر ولو مرة سنوات عديدة. إضافة إلى ذلك فشوبنهاور ينتقد المواقف التي تقول بتوقف هوية الشخص على الشعور، فالشعور يحيل على الذاكرة، والذاكرة لا تحفظ إلا الحوادث الرئيسية، أما البقية فيبتلعها النسيان، بسبب تقدم السن أو المرض، وبالتالي لا يمكن أن يكون الشعور أو الذاكرة أساسا لهوية الشخص، وهذا نقد لموقف جون لوك.
خلاصة تركيبية:
خلاصة القول، أن للشخص هوية، تجعله هو هو رغم اختلاف وتعدد الوضعيات والأزمنة والأمكنة. وتجعله الشخص نفسه مطابقا لذاته ومختلفا عن غيره. أما أساس تلك الهوية فقد كان موضوع خلاف واختلاف بين الفلاسفة والمواقف الفلسفية، حيث أكد البعض أن الأساس هو الشعور المقترن بالفكر، بينما أكد البعض الآخر أن الأساس يكمن في الفكر المجرد، لكن فريقا آخر أكد على موقف مغاير للموقفين الآخرين، موقف مضمونه أن هوية الشخص توقف على إرادة الحياة. وبين هذا الموقف وذاك، يمكن القول أن هوية الشخص ليس لها اساس واحد، بل أسس متعددة، ومنه يمكن أن نؤكد أن هوية الشخص تتوقف على كل من الشعور والتفكير والإرادة.
-
أسئلة للتقويم:
- وضح العلاقة بين الشعور والهوية الشخصية
- وضح الاختلاف بين الهوية الشخصية وبين هوية الشخص؟ ولماذا اعتمد جون لوك مفهوم الهوية الشخصية؟
- وضح الاختلاف بين موقف جون لوك وموقف رونيه ديكارت
- وضح الاختلاف بين موقف جون لوك وموقف آرثور شوبنهاور
- أجب عن السؤال التالي وفق منظورك الشخصي: هل فقد المجنون هويته؟