محور الشخص بين الضرورة والحرية – نموذج تحليل ومناقشة نص فلسفي
- المجزوءة: مجزوءة الوضع البشري
- المفهوم: مفهوم الشخص
- المحور الأول: محور الشخص بين الضرورة والحرية
أولا: تعريف مفهوم الضرورة ومفهوم الحرية:
تعريف مفهوم الضرورة:
تفيد الضرورة لغة الحاجة، وفي موسوعة لالاند نجد أن الضرورة هي سمة ما هو ضروري، وأنها قد تعني كل إكراه ممارس على رغبات الإنسان وأفعاله.
وتتعدد أشكال الضرورات فمنها الطبيعية ومنها الاجتماعية ومنها النفسية…
تعريف مفهوم الحرية:
تعني الحرية “حالة الكائن الذي لا يعاني إكراها “، كما تعني “قدرة الإرادة على الفعل”. لكن الحرية هنا تختلف عن معناها القانوني، فالحرية في معناها القانوني تعني فعل ما تبيحه القانين الامتناع عن ما تمنعه.
ثانيا: منهجية تحليل النص الفلسفي
لحظة الفهم (التقديم) – 4 نقط
الطرح الإشكالي للموضوع من خلال:
- تحديد موضوع النص
- صياغة إشكاله وأسئلته الأساسية الموجهة للتحليل والمناقشة.
لحظة التحليل – 5 نقط
- تحديد أطروحة النص وشرحها.
- تحديد مفاهيم النص وبيان العلاقات التي تربط بينها
- تحليل الحجاج المعتمد في الدفاع عن أطروحة النص
لحظة المناقشة – 5 نقط
- التساؤل حول أهمية الأطروحة بإبراز قيمتها وحدودها.
- فتح إمكانات أخرى للتفكير في الإشكال الذي يثيره النص
لحظة التركيب – 3 نقط
- استخلاص نتائج التحليل والمناقشة
- تقديم راي مدعم.
الجوانب الشكلية (3 نقط): تماسك العرض وسلامة اللغة ووضوح الخط
ثالثا: تحليل نص فلسفي في موضوع الشخص بين الحرية والضرورة
النص الفلسفي موضوع التحليل والمناقشة
” الإنسان كائن طبيعي وخاضع لقوانين الطبيعة، وهو بالتالي خاضع للضرورة. إننا لا نتحكم في تكويننا، فأفكارنا لا تصدر عن إرادتنا وإنما هي نتاج مؤثرات محددة: أحس بالعطش فأرى نافورة ماء فتنتابني رغبة في الشرب، وعندما يخبرني أحدهم أن بالماء سما أمتنع عن القيام بذلك. هل كنت حرا فيما قمت به من أفعال؟ إن العطش يدفعني بالضرورة إلى الشرب، غير أن دافع الخوف من الموت جراء السم يكون أقوى من دافع العطش فأمتنع بالضرورة، أيضا، عن الشرب. ولكن قد يتم الاعتراض علينا بالقول إن إنسانا أقل حذرا قد لا يمتنع عن الشرب على الرغم من تنبيهه إلى وجود السم بالماء. في هذه الحالة يكون دافع العطش لديه أقوى من دافع الخوف من التسمم… ولكن في كلتا الحالتين فإن التصرفين معا، ورغم تعارضهما، محكومان بالضرورة. إن قدرة الشخص على الاختيار لا تعني أبدا أنه حر، فهو لا يملك أن يرغب أو لا يرغب، وقصارى ما يستطيعه أن يقاوم الرغبة أحيانا متى فكر في عواقب الفعل، ولكن هل يستطيع، دائما، التفكير في تلك العواقب؟ إن تصرفات الأشخاص لا تكون حرة، أبدا، بل هي دائما نتاج سلسلة من الضرورات المرتبطة بأمزجتهم وأفكارهم المسبقة “ |
حلل (ي) النص وناقشه (يه).
هذا النص ورد بالامتحان الوطني سنة 2016
تحليل ومناقشة النص الفلسفي
-
لحظة الفهم (التقديم)
كثيرة هي القضايا التي تطرقت إليها الفلسفة وحاولت دراستها وكشف حقيقتها. ومن بين القضايا التي اهتم بها الفلسفة نجد قضية الشخص. والحديث عن الشخص هو حديث عن الذات الإنسانية، باعتبارها ذاتا واعية وعاقلة، وقادرة على التمييز بين الخير والشر وبين الخطأ والصواب، وباعتبارها ذاتا تتحمل مسؤولية أفعالها قانونيا وأخلاقيا. لكن، وإضافة إلى ما سبق ذكره، فالشخص يعرف كذلك باعتباره ذاتا حرة، نظرا لما يتمتع به من إرادة وقدرة على الاختيار، وهكذا نقول أن الشخص يتمتع بالحرية. غير أن الشخص يعتبر كائنا طبيعيا أيضا، وهو ما يعني أنه يخضع لقوانين الطبيعة مثله مثل باقي الكائنات الطبيعية الأخرى. وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن حقيقة حريته، وإن كان حرا في ذاته وتصرفاته واختياراته، نظرا لما يتمتع به من إرادة وقدرة على الاختيار، أم أنه يظل كائنا فاقدا للحرية مثله مثل باقي الكائنات الأخرى. كل هذا يدفعنا إلى التساؤل:
ما الشخص وما الحرية وما الضرورة؟ هل الشخص حر في ذاته وأفعاله واختياراته، أم أنه خاضع للضرورة؟ وإن كان حرا فما الذي يجعله كذلك، وإن كان خاضعا للضرورة فما طبيعتها، هل هي ضرورة طبيعية بيولوجية أم هي ضرورة اجتماعية أم هي ضرورة نفسية؟ وألا يمكن القول أن الشخص لا هو حر بشكل مطلق ولا هو خاضع بشكل مطلق؟
-
لحظة التحليل
إجابة عن التساؤلات والإشكالات الفلسفية الأخيرة، يؤكد النص قيد التحليل والمناقشة على أطروحة مضمونها أن الشخص ليس حرا في أفعاله وتصرفاته. ومضمون هذا القول، أن ما يقوم به الشخص من أفعال وتصرفات، يبقى خارج نطاق حريته وإرادته، وأنه لا يملك سلطة عليها. ولتوضيح هذا القول يمكن أن نقف عند البنيتين المفاهيمية والحجاجية للنص.
أما بخصوص البنية المفاهيمية فهي تتشكل من مفهوم الشخص ومفهوم الحرية، إضافة إلى مفهوم الضرورة والإرادة والاختيار. بالنسبة لمفهوم الشخص، وكما أشارنا سابقا، فهو يدل على الذات الإنسانية باعتبارها ذاتا مفكرة وواعية، وقادرة على التمييز بين الخير والشر وبين الخطأ والصواب وتتحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها قانونيا وأخلاقيا. أما بالنسبة لمفهوم الحرية فهو يعني حالة الكائن الذي لا يعاني إكراه والذي يتصرف وفق إرادته ومشيئته، كما يعني قدرة الإرادة على الفعل. ويرتبط مفهوم الحرية بمفهوم الإرادة الذي يعني التصميم الواع على أداء فعل معيّن، كما يرتبط بمفهوم الاختيار الذي يعني ترجيح وتقديم شيء على شيء آخر، كأن نختار شعبة مدرسية دون الأخرى أو كتاب دون الآخر. والواضح أن هناك تعارض بين تلك والمفاهيم ومفهوم الضرورة، فالضرورة تفيد لغة الحاجة، وفي موسوعة لالاند نجد أن الضرورة هي سمة ما هو ضروري، وأنها قد تعني كل إكراه ممارس على رغبات الإنسان وأفعاله.
أما بالنسبة للبينية الحجاجية للنص، فنجد أن النص قد ابتدأ بالتأكيد أن الإنسان كائن طبيعي وخاضع لقوانين الطبيعة، وذلك ليؤكد أن الإنسان خاضع للضرورة، وهنا ينفي قدرة الإنسان على التحكم في تكوينه، بدليل أن أفكار الإنسان لا تصدر عن إرادته وإنما هي نتاج مؤثرات محددة. وفي هذا السياق يقد النص مثالا واقعيا يرتبط بما هو طبيعي في الإنسان، وهو مثال الشرب، ليؤكد من خلاله أن الإنسان ليس حرا وإنما هو خاضع للضرورة باعتباره كائنا طبيعيا كما أنه يتصرف وفق دوافع لا حرية لها فيها. فحين يكون الإنسان في حالة عطش، ويرى نافورة ماء تنتابه رغبة في الشرب، والذي خلق فيه هذه الرغبة هو رؤيته لنافورة الماء، وحتى لو امتنع عن الشرب لأن أحدا أخبره بأن الماء به سم، فإن امتناعه عن الشرب لا يدل على أنه حر، فالذي دفعه إلى الامتناع ليس هو إرادته، وإنما هو بسبب الخوف والموت، وخوف الإنسان من الموت يبقى أمرا خارج نطاق حرية الإنسان وإرادته. ويرى صاحب النص أنه حتى لو أقدم الشخص على شرب الماء رغم التنبيه الذي تلقاه بكون الماء به سم، فهذا لا يعني أنه حر، بل يفسر بكون دافع الرغبة في الشرب لديه أقوى من دافع الخوف من الموت فقط. إن هذا المثال يوضح بشكل جلي كيف أن الإنسان ليس سيد نفسه، وليس سيد اختياراته ورغباته. وفي نفس السياق الحجاجي، فصاحب النص يؤكد أن قدرة الشخص على الاختيار لا تعني أبدا أنه حر، لأن الشخص لا يملك أن يرغب أو لا يرغب، وأقصى ما يمكنه أن يقوم به هو مقاومة الرغبة أحيانا متى فكر في عواقب، لكنه لا يستطيع التفكير في تلك العواقب على نحو دائم.
كل ذلك جعل صاحب النص يستخلص أن تصرفات الأشخاص لا تكون حرة، أبدا، بل هي دائما نتاج سلسلة من الضرورات المرتبطة بأمزجتهم وأفكارهم المسبقة .
-
لحظة المناقشة:
لأطروحة النص قيمة فكرية وفلسفية لا يستهان بها، فقد كشفت لنا كيف أن الشخص ليس كائنا حرا في أفعاله واختياراته، كما كشفت لنا ما يحكم الذات من ضرورات وبشكل خاص الضرورات الطبيعية بحكم أن الإنسان كائن طبيعي. وهذا التصور هو نفسه تصور الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا، الذي أكد أن الشخص ليس حرا، وأن ادعاء الحرية ما هو إلا جهل بالأسباب، وفي هذا السياق يقول اسبينوزا: ” تلك هي الحرية الإنسانية التي يتبجح الكل بامتلاكها والتي تقوم فقط في واقعة أن للناس وعي بشهواتهم، ويجهلون الأسباب التي تحددهم حتميا”.
لكن لا يمكن أن نحصر الضرورات التي تحكم الشخص في الضرورات الطبيعية، فهناك ضرورات أخرى تحكم الإنسان، والمثال على ذلك، الضرورات السيكولوجية والضرورات الاجتماعية. وبالنسبة للضرورات السيكولوجية، فيمكن توضيحها من خلال ما تحدث عنه عالم النفس سيغموند فرويد. لقد أكد فرويد أن الذات الإنسانية محكومة بدوافع لاشعورية، هي التي تحكم الفرد وتوجه تصرفات وأفعاله، ومن الأمثلة على الأفعال التي تحدث بشكل لاشعوري نذكر: الأحلام، فلتات اللسان، زلات القلم… كما أن طفولة الفرد تتحكم في حياته المستقبلية، وهنا نفهم كيف أن “الطفل أب الرجل”. أما بخصوص الضرورة الاجتماعية فيمكن أن نقف عن تصور عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم، والذي تحدث عن سلطة المجتمع، وكيف أن الظواهر الاجتماعية تمارس سلطة على الأفراد، وهنا نذكر كمثال: واجبات الفرد كمواطن أو كزوج… فهذه الواجبات تفرض سلطتها على الفرد ويلزمه بها المجتمع. لكن ألا يمكن القول أن الشخص يستطيع تجاوز الضرورات والإكراهات، والتحكم في اختياراته ورغباته نظرا لما يتمتع به من وعي وإرادة؟ وألا يمكن القول أن نفي الحرية عن الشخص ينفي عنه صفة المسؤولية؟
على خلاف موقف النص وموقف مجموعة الفلاسفة والمفكرين، يؤكد الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أن الإنسان حر في اختياراته. وينطلق سارتر في بناء هذا الموقف من القول بأسبقية الوجود عن الماهية، أي أن الشخص يوجد أولا ثم يحدد ما سيكون عليه، إنه مشروع يتحقق بشكل ذاتي لامتلاكه القدرة على التجاوز والارتماء في المستقبل المفتوح على ما لا نهاية من الإمكانيات. إن الإنسان في نظر سارتر يشكل ذاته وهويته ويحددها في ضوء ما يختاره لنفسه كمشروع في حدود إمكانيته. هكذا يكون سارتر قد جعل الشخص مسؤولا عن ذاته وأفعاله واختياراته على خلاف التصورات السابقة التي جعلته مجرد شخص خاضع.
-
لحظة التركيب
انطلاقا مما سبق يتضح لنا أن قضية الشخص قضية ذات طابع إشكالي، قضية قادتنا إلى خوض نقاش فلسفي حول حرية الشخص، وكشف أبعاد تلك الحرية وحدوده. وقد توصلنا من خلال تحليل ومناقشة النص الفلسفي إلى كون الشخص خاضع لمجموعة من الضرورات، منها الضرورات الطبيعية من حيث كون الشخص كائن طبيعي، ومنها الضرورات الاجتماعية من حيث كونه فرد اجتماعي، ومنها الضرورات السيكولوجية من حيث كونه بنية نفسية دينامية تتأثر بمحيطها عبر عملية التربية والتنشئة. كما تبين لنا أن للشخص هامش من الحرية، نظرا لما يتمتع به وعي ومن قدرة على التجاوز، وهذه الحرية هي التي تجعله مسؤولا عن ذاته واختياراته وأفعاله. ويمكن أن نلخص ما سبق ذكره في موقف الفيلسوف الفرنسي إيمانويل مونيي، والذي يرى أن حرية الشخص ليست بالحرية المطلقة، وإنما هي حرية مشروطة بالوضع الواقعي لللشخص، وهي حرية لا تتحقق إلا عند الخروج بالذات من عزلتها والاتجاه نحو الشخص عبر الانفتاح على الآخرين والتواصل معهم.