مجزوءة السياسة مفهومي الحق والعدالة – ذ. عادل بن ملوك

 موضوع الدرس:

 الفئة المستهدفة:  الثانية بكالوريا
 المجزوءة:  مجزوءة السياسة
 المفهوم:  مفهومي الحق والعدالة
 إعداد:  ذ. عادل بن ملوك

محاور الدرس: 

  • تقديم مفهومي الحق والعدالة
  • تحديدات مفهومية حسب المعجم الفلسفة لجميل صليبا
  • المحور الأول: الحق بين الطبيعي والوضعي
  • المحور الثاني: الحق كأساس للعدالة
  • المحور الثالث: العدالة بين المساواة والإنصاف

تقديم: 

 إن الرهان الذي كان ومازال للبشرية هو بلوغ وتحقيق إحدى القيم الأكثر قدسية وشيوعا هو العدالة كفضيلة وكقيمة أخلاقية. فمنذ الحضارات والديانات القديمة، والتراث الفلسفي القديم منه والحديث(الفلسفة اليونانية، فلسفة الأنوار) كانت هذه القيمة حاضرة في تجليات وتمظهرات متعددة بتعدد التصورات والمرجعيات التي تتأسس عليها. فإذا كانت الفلسفة اليونانية عموما قد ربطت العدالة بالجانب الأخلاقي باعتبارها قيمة أخلاقية بامتياز، فإن الفلسفة السياسية ستتناولها من جانب قانوني ضمن فلسفة الحق كأساس لكل الحقوق الطبيعية منها والمدنية.

إن علاقة العدالة بالحق هي علاقة تلازم وتأسيس؛ فتحديد العدالة هو في الأصل تحديد للحق. فإذا كانت العدالة مفهوم مجرد باعتبارها فضيلة وقاعدة قانونية معاً، فإن الحق -باعتباره معيارا وقاعدة أخلاقية وقانونية تؤطر وتنظم علاقات الأفراد داخل مجتمع سياسي- يشكل تجسيدا “ماديا” للعدالة مادام الحق جزء لا ينفصل ولا يتجزأ من العدالة. من هنا تطرح علاقة العدالة بالحق ثلاثة إشكالات أساسية:
إشكالية الأساس: على أي أساس تقوم العدالة هل على أساس الحق الطبيعي أم الحق الوضعي؟
إشكالية طبيعة العلاقة: ما طبيعة العلاقة بين الحق والعدالة؟ وكيف تكون العدالة  كأساس للحق؟
إشكالية الغاية:هل العدالة إنصاف أم مساواة؟ وهل يمكن للعدالة أن تكون منصفة لجميع أفرادها؟

تحديدات مفهومية حسب المعجم الفلسفي لجميل صليبا

الحق الطبيعي Le Droit Naturel

هو مجموع الحقوق اللازمة عن طبيعة الإنسان من حيث هو إنسان”، وحسب “باروخ اسبينوزا” هو التنظيم الطبيعي أي القواعد التي تتميز بها طبيعة كل فرد..مثلا يتحتم على الأسماك بحكم طبيعتها أن تعوم وأن يأكل الكبير منها الصغير.

الحق الوضعي Le Droit Positif

“هو مجموع الحقوق المنصوصة في القوانين المكتوبة والعادات الثابتة ” أي من وضع الإنسان، وهو ماسماه جون جاك روسو بحالة التمدن التي تجعل حدا للأنانية وتفرض سيادة القانون من خلال العقد الاجتماعي.

 الإنصاف Équité

أنصف الشيء : أخد نصفه ، وأنصف بين خصمين : سوى بينهما، وعاملهما بالعدل. وحسب الفيلسوف الفرنسي  كوندياك : الفرق بين الإنصاف والعدل أن الإنصاف يوجب الحكم على الأشياء بحسب روح القانون، على حين العدل يوجب الحكم عليها بحسب نص(حرفية) القانون.

المساواة Légalité

هي اتفاق الشيئين فنفس الكمية ..ومعنى الاتفاق في الكمية أن أحد الشيئين يمكن أن يستبدل الأخر دون زيادة أو نقصان.. والمساواة في علم الأخلاق هي المبدأ المثالي الذي يقرر أن الإنسان من حيث هو إنسان مساو لأخيه الإنسان في الحق والكرامة.

المحور الأول: الحق بين الطبيعي والوضعي

إشكالية الأساس:

على أي أساس تقوم العدالة؟ هل على أساس الحق الطبيعي أم أساس الحق الوضعي؟

موقف توماس هوبز

في كتاب التنين: يرى “هوبز” أن حالة الطبيعة، حالة صراع وحرب الكل ضد الكل تسودها الحرية المطلقة(الإرادة الشريرة) لأن الإنسان شرير بطبعه. وحالة الفوضى هذه التي كان يعيشها الأفراد أدت إلى خوفهم من الموت، ولتجاوز هذه الحالة أنشأ الأفراد عقدا اضطراريا، تخلى فيه الأفراد عن جميع حقوقهم لحاكم مستبد، من أجل ضمان حق واحد وهو الحفاظ على البقاء وضمان السلم. وبما أن حالة الطبيعة حالة فوضى وصراع فلا يمكن أن نؤسس الحق على ماهو طبيعي على اعتبار أنه  يتميز بالحق في القوة والحرية المطلقة هذا ما ينتج عنه حرب الكل ضد الكل، وفي هذه الحالة لا يضمن لا قوي ولا ضعيف البقاء على قيد الحياة من ثمة كان لزاما على الأفراد التعاقد بموجب قانون طبيعي(حق وضعي) مصدره العقل يقيد تلك الحرية  المطلقة للحفاظ على حق الذات والأخر ضمن حالة المدنية.

موقف جون جاك روسو

في كتاب العقد الاجتماعي-خلافا لتوماس هوبز- يؤكد “روسو” أن حالة الطبيعة، هي حالة سلم وسعادة تسودها الحرية المطلقة(الإرادة الخيرة) لأن الإنسان خير بطبعه. لكن مع تزايد التفاوت في الثروات بين الأفراد ظهرت الملكية الفردية التي نتج عنها الصراعات والنزاعات، هذا ما جعل الأفراد ينشئون  عقدا إراديا تنازلوا فيه عن حقوقهم الطبيعية لصالح الإرادة العامة من أجل الحفاظ على الحقوق الطبيعية(المساواة). وبما أن حالة طبيعة حالة سعادة وسلم  فإن  الحق يجب أن يؤسس على ما هو طبيعي، وما جاء التعاقد الاجتماعي إلا للحفاظ  وضمان  تلك الحقوق الطبيعية التي أفسدت بسبب ظهور الملكية الفردية.

موقف هانز كلسن

 إن فلسفة العقد الاجتماعي تقوم على أساس حالة الطبيعة هذه الأخيرة هي في الأصل حالة افتراضية. من ثمة –حسب كلسن- يجب تأسيس الحق على مبدأ الواقع الذي يستمد قوته من القوانين الوضعية التي تتغير بتغير المجتمعات واختلاف خصوصيتها. إن الحق من طبيعته نسبي ولا يمكن أن يكون مطلقا لأن الإطلاقية دائما تنبني على “ما يجب أن يكون”  بيد أن  ذلك لا يمكن أن يدخل فيه الحق لأنه في الأصل تعبير عن “ما هو كائن” أي وضعي. إن نقد “كلسن” لفلسفة العقد الاجتماعي بما فيها كذلك التصور الكانطي للحق هو نقد، على وجه الخصوص، للمنطلق المتمثل في حالة الطبيعة لأنها مجرد فرضية، والفرضيات لا يمكن أن نؤسس عليها فلسفة الحق، فالحق يجب أن يتسم بالواقعية كقاعدة قانونية من جهة، وأخلاقية من جهة ثانية.

المحور الثاني: الحق كأساس للعدالة

إشكالية العلاقة: 

ما أساس العدالة؟ هل هو أساس قانوني أم أساس أخلاقي؟ وما طبيعة العلاقة بين الحق والعدالة؟ وكيف تكون العدالة  كأساس للحق؟

موقف باروخ اسبينوزا: العدالة القانونية

“إن الضامن للعدالة هي الدولة من خلال قوانين مدنية ووضعية؛ فلا حق خارج قوانين الدولة ومؤسساتها؛ فالعدالة هي التجسيد الفعلي للحق ليس باعتبارها قيمة أخلاقية، بل باعتباره قاعدة قانونية. يقول اسبينوزا” العدل هو استعداد دائم للفرد لأن يعطي كل ذي حق ما يستحقه طبقا للقانون المدني”: إذن العدالة هي أساس كل الحقوق التي يتمتع بها الفرد داخل مؤسسة الدولة، ومن هنا فالعدالة عدالة قانونية.

موقف شيشرون: العدالة الأخلاقية

يؤكد شيشرون( رجل دولة وخطيب رومي نسبة للروما) : بصريح العبارة”لا يوجد عبث أكبر من الاعتقاد بأن ماهو منظم بواسطة المؤسسات أو قوانين الشعوب عادل”. هذا يعني أن القوانين  لا يمكن أن تضمن لنا العدالة لأنها متغيرة ومتعددة ونسبية تتماشى وخصوصية كل مجتمع، فهي متغيرة بتغير مصلحة ومنعة الأفراد فالقوانين على كل حال لا يمكن أن تكون منصفة لجميع إرادات الأفراد. من هنا بات –حسب شيشرون- البحت عن أساس أخر للعدالة الذي سيتمثل في الطبيعة الخيرة للبشرية التي تتجه نحو الميل إلى الحب والفضيلة. إذن فالعدالة ليست هي عدالة القوانين، بل هي عدالة الطبيعة بما هي قيمة أخلاقية وليست قاعدة قانونية.

 

المحور الثالث: العدالة بين المساواة والإنصاف

إشكالية الغاية:

إشكالية الغاية: هل العدالة إنصاف أم مساواة؟ وهل يمكن للعدالة أن تكون منصفة لجميع أفرادها؟

موقف أرسطو

 موقف أرسطو(الأخلاق إلى نيقوماخوس): العدالة إنصاف؛ إن المنصف أفضل من العادل(المساواة) فهذا الأخير يطبق حرفية القوانين؛ ويسقط عموميتها على حالات خاصة، أم المنصف فعمله لا يقتصر على تطبيق القوانين فقط، بل يعمل على تصحيحها وفق ما تقتضيه الحالات الخاصة. إذن فالعدالة إنصاف، والإنصاف هو تصحيح القوانين التي لا يمكن أن تضمن كل شيء لأن خطابها، خطاب عام لا يشمل دائما كل شيء.

موقف ألان (إميل شارتيي)

 ألان(إميل شارتيي) في كتابه”تأملات رجل من نورماندي” يقر منذ الأول أن العدالة هي المساواة هذه الأخيرة التي يجب أن ترتكز على مبدأ تكافؤ الفرص بين الأفراد ضمن الاحتكام للقوانين؛ فالقوانين العادلة هي التي يكون الجميع أمامها سواسية.إذن فالعدالة مساواة، والمساواة هي ذلك الفعل العادل الذي يعامل الأفراد بموجبه داخل مجتمع معين بالتساوي في الحقوق والواجبات.

موقف جون راولز

موقف جون راولز في كتابه” نظرية العدالة”  يقول أن العدالة تقوم على قاعدة الإنصاف هذه الأخيرة التي تتأسس من خلال مبدأين: المبدأ الأول: المساواة في الحقوق والواجبات الأساسية. (الحقوق الطبيعية والمدنية) المبدأ الثاني: اللامساواة فيما هو اجتماعي واقتصادي. (السلطة، الثروات).

إضاءات
“الحق هو تحديد لحرية كل واحد، بشرط القدرة على الانسجام مع حرية الأخر، بالمقدار الذي تكون به الحرية ممكنة حسب قانون كوني.”  ايمانويل كانط  كتاب ” نظرية وتطبيق”,
” لا يوجد أي حق طبيعي، بمعنى أنه لا توجد هناك أية علاقة قانونية بين البشر إذا لم تكن داخل تجمع أو  تحت وصاية قوانين وضعية” فيخته، كتاب “أساس الحق الطبيعي حسب مبادئ مذهب العلم”
” لا يتم خداع الشعوب إلا لأنها تبحث دائما عمن يخدعها، أي عن خمر تهيج حواسها. وإذا حصلت على تلك الخمر فإنها ستكتفي بالخبز الرديء” فريدريك نيتشه كتاب” الفجر”
“القبيلة، الغنيمة، العقيدة، ثلاثة مفاتيح نقرأ بواسطتها التاريخ السياسي العربي” محمد عابد الجابري، كتاب ” العقل السياسي العربي”
” القانون تعبير عن الحق هو نوع العلاقة أو التوازن بين الناس فيما يخص الحقوق من حيت إنهم مجرد أشخاص” هيجل، المرجع ” الموسوعة الفلسفية”
” العنف الرمزي، هو عبارة عن عنف لطيف وعذب، وغير محسوس، وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياه أنفسهم، وهو عنف يمارس عبر الطرق والوسائل الرمزية الخالصة” بيير بورديو، كتاب الهيمنة الذكورية”
” العنف، التقديس، الحقيقة: هذه هي الأركان الثلاثة لكل تراث مشكَّل ومشكِّل للكينونة الجماعية، حيث لا تخلو منها أمة أو قبيلة أو دين. والجماعة مستعدة دوما للعنف من أجل الدفاع عن حقيقتها المقدسة” محمد أركون، كتاب ” قضايا في نقد العقل الديني”.
” لا يوجد مؤشر علمي يدل على أن في البشر عنصرا وراثيا يفسر العنف أو النزوع إليه. وبالعكس فإن الحروب الطويلة..والتقتيل الجماعي، كلها وقائع مرتبطة بظهور الاستقرار والزراعة وتربية المواشي” عبد الله الحمودي، كتاب “مصير المجتمع المغربي”
” لئن كانت الدولة تمنع الفرد من اللجوء إلى الجور والظلم، فليس ذلك لأنها تريد تحقيق العدالة والقضاء على الظلم، بل لأنه تريد احتكار استعماله، مثلما تحتكر الملح والتبغ” فرويد، كتاب”مقدمة في التحليل النفسي”
” تبدو العدالة بوصفها أهم وأروع من نجوم المساء وكوكب الصباح.وهذا ما يجعلنا نردد القول المأثور” كل الفضائل توجد في طي العدل”أرسطو، كتاب “الأخلاق إلى نيقوماخوس”
“لا يوجد عدل في ذاته، بل العدل تعاقد مبرم بين المجتمعات في أي مكان وفي أي عصر كان، والغاية منه ألا يلحق أحد ضررا بغيره وألا يلحقه منه ضرر” ابيقور، كتاب “الحكم الأساسية” 

إغلاق