محاور المقالة
أولا: مبحث المعرفة الإبستمولوجيا Epistemologie))
ثانيا: مبحث الوجود الأنطولوجيا Ontologia ))
ثالثا: مبحث القيم ( الاكسيولوجيا Axiologie ) )
اذا تناولنا المباحث الميتافيزيقية الكبرى وجدنا أنساقها غالبا ما كانت تدور حول ثلاثة محاور رئيسية كبرى هي: مبحث المعرفة (الإبستمولوجيا) ومبحث الوجود من حيث هو ضروري ومعقول (الأنطولوجيا) ومبحث القيم اي ما ينبغي أن يكون (الأكسيولوجيا).
أولا: مبحث المعرفة أو الإبستمولوجيا (Epistemologie)
تبحث الأنساق الفلسفية في هذا القسم فيما اذا كانت معرفة الحقيقة ممكنة او غير ممكنة، واذا كانت ممكنة فما وسيلتها: هل هي العقل مستقلا عن التجربة، كما يقول العقليون، أم هي العقل معتمدا على التجربة حتى في مبادئه الأساسية، كما يرى ذلك التجريبيون؟ ثم ما هي حدود هذه المعرفة وما قيمتها: هل العقل قادر على معرفة الحقيقة المطلقة لو أتيحت له المقولات اللازمة كما يقول العقليون والتجريبيون، أم أنه قادر فقط على معرفة الحقيقة النسبية، اي المتأثرة بتركيب اعضاء الحس والتركيب الخاص للعقل، وغير قادر على معرفة الحقيقة المطلقة، كما يقول كانط؟ ثم ما طبيعة هذه المعرفة: هل هي صورة عقلية مطابقة لأصل خارجي موضوعي كما يقول الواقعيون او الماديون، أم هي صورة عقلية لإحساسات روحية ليس وراءها شيء مادي، كما يقول المثاليون؟ واخيرا ما وظيفة المعرفة: هل هي جهد يبذل لاشباع الميل إلى المعرفة لتكميل النفس الإنسانية كما يقول القدماء اصحاب نظرية العلم للعلم، ام انها ذريعة بيولوجية وسلاح حيوي يحقق النجاح في الحياة ويمكن من التغلب على مصاعبها، كما يرى «البراجماتيون » ، ام انها نشاط واع يهدف الى تحرير الإنسانية من جميع انواع الاستلاب، وخاصة الاستلاب الطبقي، وممارسة تمكن من السيطرة على الطبيعة واستغلالها كما يقول الماركسيون؟
ثانيا: مبحث الوجود أو الأنطولوجيا Ontologia ))
كان هذا المبحث هو الموضوع الأصلي الوحيد للميتافيزيقا ، قبل أن يضاف اليه مبحث المعرفة، ومبحث القيم؛ والميتافيزيقا، ميتافيزيقا عامة وميتافيزيقا خاصة: الأولى تبحث في الوجود من حيث هو وجود فحسب، لا من حيث هو وجود ذو شكل ومقدار مجردين من المادة كما تفعل العلوم الرياضية، ولا من حيث هو وجود ذو كيفيات محسوسة كما تفعل العلوم الطبيعة. والبحث في الوجود من حيث هو وجود فقط يقتضي البحث في معنى الوجود، وعلته، ومصدره، وغايته، ومصيره، ودرجته من حيث هو وجود واع حر، او واع غير حر، وبعبارة أخرى بحث كل ما يتيح للانسان أن يفهم كيف أن الوجود كان أولى من العدم، وهذه الميتافيزيقا العامة هي التي يطلق عليها اسم « الأنطولوجيا » أي « الوجود العام » اما «الميتافيزيقا الخاصة» فيطلق عليها اسم «الكوسمولوجيا» أي «الكون» وهي التي تبحث في بعض المشكلات الوجودية الخاصة، واولى هذه المشكلات بحث اذا كان من الممكن ارجاع الكثرة الهائلة التي تظهر في العالم الى أصل واحد، او طبيعة واحدة، أم أن تفسيرها يستلزم اكثر من طبيعة واحدة أو عددا من الأصول العامة المستقلة التي لا يمكن ارجاع بعضها إلى بعض، ولا اعتبارها اعراضا او مظاهر لوجود حقيقي واحد، والمشكلة الثانية هي: مشكلة المبادئ العامة التي تفسر نظام الحركة والتغيير في العالم الواقعي.
ثالثا: مبحث القيم أو الاكسيولوجيا Axiologie ) )
القيمة هي الخاصية التي اذا وجدت في شيء جعلته مرغوبا فيه، أو جعلته جديرا بان يكون كذلك، واحكام القيمة هي الأحكام التقديرية أي التي تتضمن معنى الاستحسان او الاستهجان نتيجة لوجود خاصية حسنة في الشيء ترغب الانسان فيه، أو خاصية سيئة تنفر منه، واحكام القيمة تختلف عن احكام الواقع او الأحكام التقريرية التي تفيد وجود الشيء او تفيد اتصافه بصفة دون أن تعنى في نفس الوقت أن القائل معجب بالشيء أو مستخف بقيمته. ومثال حكم الواقع او الحكم التقريري: ( قولنا : ( أن مساحة هذه الحديقة ثلاثة هكتارات) اما الحكم التقديري فمثاله قولنا : (أن هذه الحديقة آية في جمال التنسيق)، وبينما نجد احكام «الإنطولوجيا» تقريرية كلها، نجد احكام «الأكسيولوجيا» أحكاما تقديرية، لأنها تبحث فيما ينبغي أن يكون، وليس فيها هو كائن.
وقد رأى بعض الفلاسفة أن يقتصر عمل الميتافيزيقا على مبحثي «الإبستمولوجيا» أو «نظرية المعرفة» و «الأكسيولوجيا» أي «مبحث القيم» وان تتخلى عن مبحث «الأنطولوجيا» الذي قال عنه الفيلسوف الألماني كانط انه ميدان مغلق امام العقل الإنساني الى الابد » وان كان بعض الفلاسفة لا يقرون كانط على ذلك.
وينبغي أن نميز بهذا الصدد بين نوعين من القيم: قيم مادية أو اقتصادية، وقيم روحية او معنوية: معيار الحكم في الأولى هو النفع: فالأشياء تمتلك قيمة بقدر ما تحقق لنا من نفع وتشبع من حاجات مثل المال ومختلف السلع النفيسة، اما القيم المعنوية أو الروحية فهي المعاني التي تثير في النفس حب الكمال الأخلاقي، وتسمو بالشعور من عالم المادة الى عالم الحق والخير والجمال. فالقيم الفكرية تعبر عن حبنا للحق ويشتغل به علم المنطق، والقيم الأخلاقية تعبر عن حبنا للخير، وهو مبحث علم الأخلاق، والقيم الجمالية تعبر عن حبنا للجمال وهو موضوع علم الجمال.
واذا كانت «المرغوبية» هي الصفة الاساسية للشيء ذي الكتيبة او الصنة التي تميز القيمة ذاتها، فان آراء الفلاسفة قد تباينت في تعيين طبيعة القيم. فمنهم.
- فريق يرى ان « القيمة » صفة كائنة في الشيء نفسه الذي نصفه بها. اي ان القيمة موضوعية، لا يتوقف وجودها على وجود الشخص الذي يراها.
- وفريق آخر يقول بنسبية القيم، اي ان الانسان هو الي يخلع على الموضوع قيمته ولذلك فهي تختلف باختلاف الأفراد والشعوب والعصور.
- فريق ثالث يذهب الى ان القيمة هي نتاج التفاعل بين الشيء من جية والانسان الذي يتأثر به من جهة اخرى ، فلا هي موضوعية خالصة ولا هي ذاتية خالصة.
تلك بوجه عام طبيعة التفكير الفلسفي وهذه هي محاوره وموضوعاته العامة.
- المصدر المرجع: مقرر الفكر الإسلامي والفلسفة – مكتبة المعرف – 1984.
اقرأ أيضا:
في دلالة الفلسفة وسؤال النشأة – الطيب بوعزة PDF
المحور الأول نشأة الفلسفة ضمن مجزوءة الفلسفة