“قُبُلاَتُ نٍيتشه” … الرَّاكِضُ فِي عَالَمٍ سُوريَالِيٍّ كَالمَجنُونِ لَا يَعلَمُ إلَى أَين… هاجر فتحي

هل سبق وجربت ذلك الإحساس أثناء مشاهدتك لفيلم حيث تشعر وكأن المخرج قد تناول نوعا من أنواع المخدرات لينتشي قبل أن يشعل عدسة الكاميرا. تشعر وكأن ما تشاهده جنون .. هُذاء. إنك لا تشعر بشيء وفي الآن نفسه تشعر بكل شيء.. إن هذا الإحساس هو نفسه ما قد تشعر به أثناء وبعد الانتهاء من قراءة “قبلات نيتشه“.. رواية حيث لا تشعر من أين بدأت ولا كيف انتقلت من حدث الى اخر. ما تشعر به هو وجود عوالم كثيرة وعقلك يمثل الكرة المقذوف بها من كل صوب وحدب. إنها رواية حول حياة “نيتشه.” “نيتشه” العجوز الشاب والطفل، “نيتشه” الخائب، المسرور، الناجح والفاشل. إنها رواية تضم أهم الحروف الأبجدية لحياة “نيتشه” في قالب عبثي انطلاقا من الهاء إلى النون إلى التاء ثم الياء فالشين. لا تشعر بذلك الخيط الرفيع الذي يخبرك بأنك على وشك الإنتقال من مرحلة الى أخرى. ليس هناك سوى هذيان.. هلوسة ..شذرات.. مراحل متقطعة.. كلمات و جمل تارة تفهمها و تارة تخال نفسه قد فهمتها ..تارة تشعر بالضجيج و صخب الحياة وتارة أخرى تشعر بالهدوء و سكون الموت.. تشعر بفوضى حواس ..بغرابة عقل داخل رأس رجل مريض على شفى حفرة من الموت.. تشعر بذكريات و قد اختلطت بها أحلام شوهها الجنون..تشعر بيقظة و قد انحرفت عن مسارها السليم متجهة نحو الخرف. رواية تحاول سبر أغوار وكشف ما بقي من خبايا في جمجمة صاحب الشارب الكث والمطرقة الحديدية في أواخر ساعات حياته.

بأسلوبه المتمكن استطاع الكاتب الأمريكي “أولسن” أن يبحث في عقر دار ذاكرة “نيتشه” و أن يكتب بعقل هذا الأخير: ففي مقدمة العمل تجد ممرضة تهتم به و ترعاه إلى جانب أخته “إلزابيث” ثم تأخد الرواية في سرد تفاصيل أكثر كسفره و عمله في إيطاليا حيث وقع في شباك حب “لو سالوميه” تاركة قلبه في عذاب بعد أن حاول عبثا خطب ودها.. بعدها سنوات تدريسه في تورين والنجاح الباهر الذي تلقاه عمله  “مولد التراجيديا” ثم علاقته بالمؤلف الموسيقي “فاغنر” قبل أن يختل توازنها وأخيرا شبابه في ناومبرغ ومولده كابن لمبشر لوثري.

إنها رواية لا تتبع النمط التقليدي المعتاد لسرد الأحداث لذلك فمن المرجح أن لا تنال اٍعجاب الباحث عن عمل أدبي سلس متسلسل يبدأ من الألف و ينتهي بالياء كما أعتقد أن المهتمون فقط في مرحلة ما في حياتهم بحياة “نيتشه” قد يجدون هذا العمل مقبولا و مثيرا.

وأخيرا لا يمكن أن ننسى دور المترجمة “نادين نصر الله” التي أبانت عن كفاءتها اللغوية، إلمامها المعرفي وعلو كعبها في الترجمة لتترجم لنا عملا يحمل في طياته وبين ثناياه شطحات سوريالية بعيدة.

مقتطفات من “قبلات نيتشه”

  • “كل جملة قبلة بحد ذاتها وكل مقطع مشروع احتضان.”
  • “يخطر لي الآن بينما أرقد في ذلك القيظ المظلم أن أكبر خطاياي في الحياة هو أني تخيلت عذابات الآخرين أعظم بكثير مما هي عليه فعلا. وستبقى أكثر الأخطار إحباطا لي هي قدرتي على الشفقة.”
  • “أحب نفسك يا فريتز عليك أن تتعلم أن تحب نفسك حتى الجنون.”
  • “الفيلسوف شخص يستطيع أن يطلق العنان بفقدان ذاكرته متى يشاء.”

 ” فتحي هاجر ”  

إغلاق