في الفكر السياسي للفيلسوفة حنة ارندت
- في الفكر السياسي للفيلسوفة حنة ارندت
- بقلم الباحثة: جنات حرات
تتميز الظروف الدولية الراهنة باشتداد الصراع السياسي، سواء على المستوى الفكر أي في مجال التنظير السياسي، او في مجال الممارسة السياسية أي في واقع الدول، فحال الإنسانية اليوم يبين ان الكثير من اقطارها تعيش حالة من اللا استقرار والفوضى، والصراعات السياسية، وفي هذا السياق تعددت الآراء الفلسفية حول هذا الموضوع وكيفية معالجته، وهنا سنخص بالذكر ونسلط الضوء على فكر الفيلسوفة، حنة أرندت (1906-1975)، الفيلسوفة الألمانية ذات الأصول اليهودية، التي اهتمت بالنظرية السياسية، محاولة من خلال مؤلفاتها وفكرها السياسي الانتقال بهذا الفكر الى منحى اخر.
من خلال ذلك ما هي التجليات التي اضافتها حنة ارندت على الفكر السياسي؟
نظرية الفعل عند ارندت وإحياؤها لفكرة الممارسة القديمة تمثل احد الاسهامات الرئيسية للفكر السياسي في القرن 20م.
تستهل أرندت في كتابها “ما السياسة” بضبط مفهوم السياسة عبر الموروث الإنساني منذ ارسطو، بل تقدم جوابا موجزا في كلمة الحرية، من هذا التعريف تنطلق ارندت بإصرار على الهدف الأول والأخير للسياسة هو حرية البشر، هنا يظهر اشتغال ارندت على “المجموعة” ككيان تحدد صيرورة المجتمعات والدول، بهذا لا تجدها لا تحبث الحديث عن الانسان كوحدة مستقلة، مفصلة “البشر” كشكل تنظيمي، يمكن بواسطته ومن خلاله ان تملك السياسة ما هيتها، لقد استعانت بأسئلة من الواقع، ولكن لدحض الواقعية السياسية التي لا تطابق الحرية في السياسة ولا تجعل من الحرية غاية مباشرة للسياسة.
كما انها تعمد الى التفكير في الانسان كسبيل وحيد للتفكير في البشر [1]
وفي هذا الصدد راهنت ارندت على الثورات الاجتماعية لهدم الأنظمة الشمولية، وفتحت فضائات عامة للناس وجددت التفكير الأخلاقي حينما ربطت بين إرادة العيش المشترك والحرية والكرامة بالنسبة للأشخاص، بحيث تتصف القوانين الشمولية بكونها خارقة للعادة، قوانين خاصة من حيث زعمها امتلاك الشرعية، تتعامل مع النوع البشري بوصفه موضوع الاختبار دون مراعاة الطابع الفردي والخاصة. اذن الذعر الذي يشعر به الفرد والمجموعة هو ظاهرة سياسية نادرة لكن تم تعميمه ليصبح في الأنظمة الشمولية ظاهرة عادية ويفيد الاعتداء والعدوان والعنف والوحشية والإرهاب … إلخ [2]
السلطة والعنف من منظور المحللة السياسية ارندت هما ظاهرتان متمايزتين وأينما وجدا احدهما يكون الاخر قائما، الحقيقة ان العنف في مقدوره ان ينتصر على السلطة بل ان إحلال السلطة محل العنف قد يحقق الأهداف ولكن الثمن يكون غاليا، تقول ارندت ان العنف ينبع عن شيئ ما، غضب يحرك الافراد، اننا لا نلجأ الى العنف الا عندما تكون هناك احتمالات لكي تتبدل الأوضاع تكون هناك قابلية للتغير، او يمكن ان نعتبره وسيلة اصلاح اكثر مما هو سلاح ثورة، ان بإمكان العنف ان يحقق السلطة دائما، فمن فوهة البندقية تنبع اكثر القيادات فاعلية ، وما لا يمكن ان ينبع من فوهة البندقية فهو سطلة[3]
تربط حنة ارندت بين السياسة والحرية فلا يمكن التمييز بينهما بالفعل السياسي القائم على الحرية والمساواة بين افراد المجتمع المنتمون لفضاء عمومي واحد، فأساس نظرية ارندت السياسية تدخل في اطار فهمها للحرية والمشاركة والحوار، وهذا ما تقوله في كتابها الوضع البشري الحديث ” ان عدم قدرة الفرد على تجميع أصول حياته في كلمات حيث يعبر عن ماهيته من خلال الفعل، والكلام، تعتمد على مجال الشؤون البشرية” بمعنى ان المعيار الرئيسي للفعل هو التجلي الواضح للداخل في الكلام والممارسة، فالفعل مرتبط بالكلام، ويكشف عن الانسان وكأنه يحاول ان يبدأ شيئا جديدا، وهذا ما يخلق التنوع والتعدد في هذا النوع وتقول ارندت في هذا السياق ” السياسة تقوم على واقعة التعدد البشري”[4]
التهميش:
1 – حنة ارندت: ما السياسة، منشورات ضفاف، ترجمة زهير الخويلدي.
2- زهير الخويلدي: دواعي شجب ارندت للأنظمة الشمولية، مجلة الثقافة الجزائرية.
3- حنة ارندت: إيخمان في القدس تفاهة الشر، دار الساقي للطباعة والنشر، 2008.
حنة ارندت: في العنق، ترجمة إبراهيم العريس