فيروس “كورونا” وأزمة العقل العربي – محمد عرفات حجازي

  أمام انتشار فيروس “كورونا”، وتصاعد حالات المُصابين به، والوفيات بسببه، وإعلان مُنظمة الصحة العالمية الفيروس وباءً عالميًّا، تباينت ردود الأفعال العربية، ولكنّه تباين محدود، يمكن حصره في عدّة اتجاهات.
   على مستوى مؤسسات الدولة، قدّم “كورونا” امتحانًا قاسيًا بالفعل لمستوى التقدم العلمي والثقافي والحضاري، ولقوة الدولة والمجتمع في كلّ بلدٍ على حدة.. فقد لاحظنا قدرة الدولة الصينية على إنشاء مستشفيات مُجهّزة خلال ساعات فقط، وقامت دولة مثل إيطاليا بتوفير كافة الخدمات الأساسية لكلّ أطياف الشعب الإيطالي في مُقابل المكوث في منازلهم لأيام قد تطول. وفي مقابل ذلك، قامت العديد من الدول العربية بتعطيل المدارس والجامعات، وتعليق جميع الفعاليات التي تتضمّن أيّ تجّمعات كبيرة للمواطنين، واتجه البعض لتفعيل التعليم عن بُعد، كإجراءات احترازية لمُواجهة الفيروس المُستجدّ. كما قامت عدّة مؤسسات عربية بإصدار دليل توعويّ عن الفيروس وكيفية انتقاله وأعراض الإصابة به، وأعراض الحالات المُتقدّمة منه، بهدف التوعية بعدما أصبح الفيروس خطرًا يُهدّد العديد من دول العالم. إلى جانب ضرورة اتخاذ الإجراءات الوقائية، ورفع حالة الاستعداد القصوى بأقسام الاستقبال والطوارئ. في حين نجد دولًا أخرى أعلنت أنّ الوضع تحت السيطرة في الوقت الذي أجريت فيه عملية جراحية لأحد المُصابين بالفيروس..
   وعن أسباب انتشار الفيروس، وبتفسير ديني، ذهب العقل الجمعي العربي إلى أنّ هذا الفيروس عقابٌ إلهي للصين بسبب اضطهادهم للإيغور، وبعد انتشاره في إيران فسروه بأنّه عقاب إلهي بسبب أعمال الشيعة في العراق وسوريا، ولكن حال الإعلان عن حالات في الدول العربية، قالوا: هو ابتلاء من الله! لتنتشر بذلك الأدعية بالشفاء من المسلمين ولهم في أغلبها، والتي تشي عن التشمُّت في الآخر المُختلف دينيًّا، إلى جانب التشفّي في التقدّم العلمي والتقني وبيان عجزه أمام المشيئة الإلهية.
   بينما ذهب آخرون إلى أنّها حرب الطبيعة على الإنسان الذي لم يحترم نظامها ومُقوِّمات استمرارها؛ وفريق يُؤكد أنّها حربٌ بيولوجية، حرب البشر ضدّ البشر (وفقًا لنظرية المُؤامرة)، وفي حين انتشار التفسيرات الخُرافية حول أسباب انتشاره، كالعلاقات الجنسية، وارتفاع نسبة الرطوبة والتلوث؛ ذهبت فئة أخرى إلى أنّ الفيروس سياسة صينية خطيرة لرفد اقتصادها ومنعه من الانهيار.
   وإذا كانت طُرق الوقاية، طبيًّا: تفيد بضرورة مُتابعة موقع مُنظّمة الصحة العالمية واتباع الإرشادات والتعليمات والنصائح الطبية المُتعلِّقة بالمرض.. فإنّ العديد من رجال الدين المشهورين، كعمرو خالد، استغلوا الموقف لصالحهم؛ إذ نشر على صفحته على فيس بوك بتاريخ 1/ 3/ 2020م قائمة لمُتابعيه بكلّ ما يحتاجونه خلال فترة الحجر الصحي بالمنزل في حالة انتشار المرض، كما نشر بتاريخ 9/ 3/ 2020م مجموعة من الأدعية والأذكار للتحصُّن من “كورونا”. وأدلى العقل الجمعي العربي بدلوه، ولجأ إلى الترويج للأحاديث النبوية، كحديث “الطاعون رجس أُرْسِل على طائفة من بني إسرائيل أو على مَن كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه” (البخاري: 3286)؛ واعتبر البعض أنّ الإرشاد الصيني، المُوجّه، بضرورة غسل الوجه واليدين خمس مرات، على الأقل، يوميًّا، هو انتصار للإسلام وتعاليمه؛ كما انتشرت العديد من الوصفات العُشبيّة التي تُقوي المناعة وتقضي على الفيروس، بحسب المستفيدين من الترويج، كالعسل، وزيت الزيتون، والثوم وبعض الأعشاب. أبعد من ذلك، إذ انتشر التندُّر لدى شريحة عريضة، بترويج إحدى أحاديث البخاري “إنّ الله يحب الُعطاس ولا يحب التثاؤب” (5869& 5872)؛ وكانت أرخص الاستعدادات وأسهلها “خليها على الله” وذلك أمام إجراءات العديد من الحكومات ووزارات الصحة العربية المتدنية..
   ولأجل تهدئة الأوضاع، والتخفيف من الذُّعر، روّج البعض لفرضية مُحتملة تُفيد بإمكان اختفاء الفيروس في الصيف (وفقًا للكثيرين من خُبراء الصحة في العالم ـ حسب المُروّجين)، بينما نفت مُنظّمة الصحة هذه الفرضية وأكّدت أنّ هذا الاحتمال هو افتراض دون دليل (بحسب د. مايكل ريان المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية).
   ورغم الاختبارات والتجارب التي تمّت حول مدّة بقاء الفيروس حيًّا على الأسطح، لا يزال هناك غموض وريبة حول قدرته على البقاء في ظروف استثنائية.
   ومن نتائج انتشار حالات الإصابة بالفيروس، الارتفاع الفاحش في أسعار بعض السلع الغذائية والأدوية، وأمام هذا الجشع، لم يعجز العقل الجمعي العربي عن إيجاد الحلول؛ إذ ذهب البعض إلى ضرورة العودة إلى الكمامات الربانية كالأذكار، والصدقات، وجبر الخواطر، وذكر الله، والصلاة على نبيّه المصطفى.. وفي مُقابل ذلك، حقّقت شركات التطبيقات الالكترونية (كتطبيقات التعليم والأعمال والكشف عن الفيروس)، وشركات تصنيع المُعقِّمات والمُطهِّرات والكمامات، إلى جانب أصحاب تطبيقات الفيديو جيم أرباحًا فلكية من آلام ومُعاناة البشرية..
   لقد تعاملت الدول التي حلّ بها الفيروس مع مصدر الانتشار بتحضّر؛ فلم نر تبادل الاتهامات، ولم تردح إيطاليا وبريطانيا وغيرها للصين، كما لم تتعالى كوريا على الصين، ولكن رأينا ذلك، فقط، في عالمنا العربي المُتديّن بطبعه!
   إنّ ما قام به العرب من تشفِّي في الحضارات القوية، وشماتة في المختلفين دينيًّا، وتحويل مشاعر العجز والفشل إلى كراهية للآخر، وتفاقم وسواس المُؤامرة، والجهل المُقدّس بالأسباب العلمية، واستفحال الفكر الخُرافي، وبروز الكهنة المُتاجرين بآلام الناس ومخاوفهم. جعل “كورونا” الفيروس يفضح أمراضنا العربية.
   وأمام البؤس العلمي والحضاري والأخلاقي الذي نُعانيه، فالمُرجّح أنّ الضربات التي تزيد الأقوياء قوة ستزيدنا نحن الضعفاء، المرضى بالشماتة، ضعفًا وتدهورًا، حتى لربّما قد يُفنينا جهلنا وحقدنا قبل أن يقضي علينا “كورونا” أو أيُّ وباء آخر، وحينها يصدق علينا قول الحق سبحانه: “في قلوبهم مرضٌ فزادهم الله مرضًا…” (البقرة: 10).
 
محمد عرفات حجازي باحث في الفلسفة والأخلاق التطبيقية – مصر

 

إغلاق