عن كتاب داريدا ” التفكير قول لا” ترجمة عبد الوهاب البراهمي
عن كتاب داريدا ” التفكير قول لا”
( ريتشارد فيغيي Richard Figuier) و( فريديريك مانزيني)
ترجمة: عبد الوهاب البراهمي
– داريدا: من أجل نعم ولا
جاك داريدا ” التفكير، قول لا” نسخة معدّة من الناشر بريوك جيرار. seuil ” مكتبة داريدا” ، 120 صفحة.
يبدو أننا أمام درس بأتمّ معنى الكلمة، قد خصّص للتعليق على ” قول” لآلان. وإذا ما أحلنا إلى السياق ، الذي يذكّر به الناشر ، بريوك جيرار، فقد ركّز داريدا تدريسه في السوربون من 1959 إلى 1964، على مسألة النفي. la négation ، التي وقع تناولها من جوانب مختلفة ومن خلال مؤلفين مختلفين. فقد خصّص داريدا طيلة سنة 1960-1961، ودون تدقيق أكثر في التاريخ ، أربعة حصص لبناء إصلاح مقالة. نتخيّل جيدا الوضعية البيداغوجية . موضوع محتمل :” التفكير هو قول لا”، علّق على هذا القول لآلان”. يقترح المعلّم بعد استقبال مقالات الطلبة ، إصلاحا للمقالة يقدّمه بالتعليق عليه. نكتشف إذن دريدا البيداغوجي أكثر حتّى من المنتديات . المنهج مثالي، يخصّ حثّ الطلبة على الذهاب بعيدا ” أعمق” ( تتكرّر الكلمة مرارا): يجب إظهار ضعف أسس القول المأثور لآلان وتفكيك الضمنيات les présupposés أو المسلمات ( الجزء الأول من المقالة)؛ ثمّ قلبه إلى نقيضه ( “التفكير هو قول نعم”، الجزء الثاني)؛ يقود هذا القلب إلى سؤال أوسع وأكثر أهميّة عن أصل النفي ( الجزء الثالث من المقالة ). إنّ الإصلاح هو طريقة في متابعة السؤال عن مرحلة درس النفي ، أو بالأحرى، في تعبئة تحليلات منجزة سابقا والتي ستليها وذلك بحوصلتها. هل يمكن أن نقول ، مع ذلك، بأنّ الأمر يتعلّق حقّا بتعبير عن فكر داريدا على غرار الدروس ، والمنتديات أو أيضا النصوص المنشورة؟ وبتعبير آخر، هل نحن فعلا أمام أقدم نصّ للمدونة الداريدية؟ هل تتكوّن مدونة كاتب من كلّ نصوصه، على الأقلّ تلك التي تكشف عن بنية شكلية دنيا ( مثل هو الشأن هنا ، بما أنها ( أي مقالة داريدا) محرّرة تماما، دون أن لا يطرح ذلك غالبا مشاكل مقروئيتها)؟ أو مكوّنة فعلا من النصوص التي توتّد فكرا، تناسقُه معدٌّ مسبقا؟ أعتقد أنّها مسألة ذرّة من (صوت) بين: ” التفكير هو قول لا” وهذا المنتدى أو ذاك (ويمكننا من غير شكّ إدماج النشر المثير للضجّة لـ حساب اللغاتCalcul des langues ضمن هذه السلسلة، وهو الذي كان يوزّع لحظة كتابة أركيولوجيا النزق L’archéologie du frivole ). تختلف هذه الذرّة من الصوت بين التدريب البيداغوجي و تمفصل فكر. لا شيء يمنع من قراءة هذا ” الدرس” بواسطة داريدا سابق معزّز بالأسلحة. لكن علينا أن نظلّ على وعي بخطر المبالغة في التأويل. فهل كلّ ” قراءة داريدية” هي بذاتها إعلان عن تفكيك آت، أن تكون عملية نشطة لهذه القراءة؟ هل من الممكن أن يكون داريدا صاحب الثلاثين سنة ما يزال حرّا من داريدا “الصوت والظاهرة” ، رغم أن مقدمة ترجمة أصل الهندسة ( الذي يمكن أن نتخيّل أنّ التحرير ، الشبه معاصر لإصلاح المقالة، قد انعكس على نحو ما على هذا الأخير ) تبدأ في التصريح بالإختلافِ المختلِف Différence différant ؟ هل أنّ ” الاختلاف أو الفرق” موضوع السؤال في نهاية إصلاح المقالة هو اختلاف هيدجيري، بين الكينونة والكائن l’Être et l’étant؟
-2 ” التفكير قول لا ” : حينما يكون داريدا قارئا للآلان
” التفكير، قول لا”. ليست صيغة القول لجاك داريدا ذاته بل لآلان، في كتابه ” أقوال في السلطات”. ولكنّها الصيغة التي اختيرت كمبحث لدرس تكفّل به ، و هو إذن في سنّ الثلاثين، من كان شابّا أستاذا مساعدا في السوربون لكنه لم ينشر بعدُ شيئا . وقد خلص من هذا ، حصص الأربع وقع نسخها بفضل نصّ لم ينشر بالمرة إلى حدّ هذا اليوم ووقع تحريره كاملا بيد صاحبه. يبيّن داريدا في هذا النص كامل قدرة فكره، الذي يعتبر أنّ ” الوعي ينشأ متزامنا مع الرفض”وأنّ هذا الرفض “خِلقيّ وبالتالي مشارك في جوهر الوعي”. نحن إذن في سنة 1960-1961 ، في حرب الجزائر، التي شهد فيها ولادته ونشأته الأولى…
نعم/ لا
ما التفكير؟ من البدهي أن السؤال محوري بالنسبة إلى كلّ فيلسوف، وهو ما به افتتح داريدا الشابّ درسه الأول المخصص لتحليل قول آلان، الذي قد يكون اقترحه موضوعا لمقال فلسفي. بيد أنّه ،- وهكذا يبدأ داريدا درسه- ، ومن حيث أنّ “ التفكير هو الظفر بالحقيقة (…) فقد يبدو أنّه في حالة بحث عن إقرار نهائيّ” ليشرع دريدا بهذا في البناء. غير أنّه ، سرعان ما اعترض تقريبا على هذا الظاهر ، بما أن قول ” نعم” هو في نظره تفكير راض، مشبع، قد أدرك مبتغاه، ومستقيل ، مرتاح كسلا لمكاسبه. وعلى العكس، فإنّ التفكير الحقيقيّ هو تفكير قلق غير راض وغير مصدّق؛ إنّه التفكير الذي يظلّ على الطريق بشجاعة ويستمرّ في التساؤل : ليس تفكير الرفض الآلي والأعمى ، بل هو التفكير الذي يطلب دوما مزيدا من التعمّق ويتساءل عن أسسه الخاصّة.
فكرٌ لا ” يستسلم”: داريدا قارئا آلان
يرفض الفكر إذن الرضوخ، حتى أمام البداهة التي عليه أن يستسلم لها. يتوقف داريدا عند هذه الصيغة، الاستسلامse rendre” ” ، ويلاحظ ، أن “الاستسلام” هو ” أن نلقي بأسلحتنا” . ثم يتساءل:” أليس هو إذن استقالة ، أليس هو سلب للذات والتخلّي عنها؟ – ألا يكون الفكر لحظة يقول : ” نعم”، لا ينكر ذاته، لا ينكر ذاته ، هل في كونه لا يقول لنفسه ” لا” تحديدا لأنّ الـ”نعم” يميّز المرور من اليقظة النقدية ، من التحفّظ الحذر للمراقب الذي هو سمة كلّ فكر نشط ، حيّ ، إلى سلبية وانفعالية الاعتقاد؟” .
ليس التقريب بين العبارتين” التسليم بالبداهة” و” نزع الأسلحة” تافها ويحمل معنى إضافي في سياق عام 1960-1961مضطرب بحكم سياق حرب الجزائر من أجل استقلالها . وأنه بتأويله داريدا آلان ( الذي ليس بالضرورة قارئا كبيرا له و الذي نادرا ما يحيل إليه ( أي آلان) في مؤلفه ) ،هو بغرض التأكيد على أنّ للفكر المحارب دوما ، شيئا ما يثير السخرية، حينما نتذكّر أن داريدا كان داعي سلم معروف إلى حدّ مساندته لاتفاقيات مونيخ…غير أنّ داريدا لا يحشر نفسه في هذه الخصومات التاريخية – السياسية ويحصر نفسه في ميدان الأفكار: يجب على الفكر أن يقاوم ويكافح ضدّ نفسه، أي ضدّ سباته الخاص.
داريدا الأستاذ
إنّ قراءة “التفكير قول لا” ، هو أيضا قراءة ملاحظات درس للأستاذ داريدا نفسه. نتسلّى ببعض الإشارات التي حرّرها لنفسه ، مثل توجيهات:” التذكير بالرسم القديم” ، ” التعليق بتأن” ، ” التذكير بمعنى وضرورة هذا التطوّر الأوّل”… ونجد فيها أيضا هذه النصيحة المنهجية الموجّهة إلى الطلبة الذين أصلح لهم مقالاتهم:” غالبا ما تبدون إعجابا في مقالاتكم بموضوع النفي الممكن وقد عدّدتم كل ما يمكن للتفكير أن يقول له لا. بيد أن ما يهمّ – ولآلان أولا- ، وما هو ثريّ، فلسفيا ، ليس كون الفكر يرفض هذا أو ذاك، هذا بدل ذاك، بل أن يكون الرفض ذاته وان يكون في ذاته رفضا (…) ما يهمّ هو أنّ هذه اللّا، وقبل أن تقطع مع هذا الشيء أو ذاك، هي مشروع الوعي ذاته”. نقدّر الحظّ الذي نال طلاّب داريدا وأن يكون أمامهم مثل هذا الأستاذ.
المصدر:
https://www.philomag.com/articles/penser-cest-dire-non-quand-derrida-se-fait-lecteur-dalain#main-content
– https://www.en-attendant-nadeau.fr/2022/06/15/derrida-penser-non/ – داريدا: من أجل نعم ولا ( ريشارد فيغييRichard Figuier)*
– ” التفكير قول لا ” : حينما يكون داريدا قارئا للآلان ( فريديريك مانزيني) *