“علم النفس و كورونا فيروس عصاب لمصلحة المجتمع “
التريوي يوسف: طالب باحث في علم النفس
مند بداية إنتشار “الإمبراطور كوفيد19” ألحت وزارة الصحة على المواطنين والمواطنات المغاربة أخد الاحتياطات اللازمة من أجل تجنب الإصابة بالفيروس اللعين كوفيد 19.
ألا وهي الإلتزام في المنازل وعدم الخروج إلا للضرورة القصوى وتخفيف الإحتكاك مع الأخرين قدر الإمكان والحفاظ على النظافة بشكل طبيعي ليس بشكل مبالغ فيه. القفازات والأقنعة الصحية لا تحميك من الإصابة بالعدوى؛ نوبات الشراء وتكديس السلع تحسبا للكارثة لن تخفف من قلقك أو تزيد من شعورك بالإمان كما تتوقع، الإقبال على شراء المواد الغذائية بشراهة سيؤدي إلى زيادة تكلفتها وأسعارها أو يؤدي إلى نفادها وقلتها، وكلا الأمرين سيؤديان إلى قلق أخر بالإضافة إلى ذلك مشاهدة إرتفاع نسبة الوفيات والإصابات ربما تؤكد أن الموضوع ليس مؤامرة ، لكن ماذا لدينا الأن ؟ أعتقد لدينا الأن أفكار عن المؤامرة وبارانويا ” الأخر” وعنصرية تجاهه وإنكار للحدث أو تسخيفه ، إدعاء للهدوء واللامبالاة بشكل مثير للسخرية . تدابير الحماية المفرطة والمهووسة. المبالغة في نشر الأخبار والمعلومات الزائفة وبث الخوف والهلع في الأشخاص . صور لرفوف المتاجر فارغة “برج فاس _ أسيما …” ومشاجرات بين الأشخاص على سلعة هنا أو أغراض هناك ، مناشدات للطواقم الطبية بعد إختفاء الأقنعة الواقية من المحلات التجارية مع العلم أنهم “الطاقم الطبي” أكثر من يحتاجها . سلوكات وتصرفات تضرب عرض الحائط شتى قواعد الحذر والتدابير في الوقت الذي نرى فيه ارتفاع نسبة الوفيات والمصابين منذرة بكارثة إنسانية تلوح في الأفق .
تخبرنا نظريات علم النفس الاجتماعي والسلوكي أن كثيرا من التصرفات وردود الفعل التي رأيناها ولا نزال نراها لا تتعدى كونها جزءًا من سلوكيات ” القطيع “.
ربما هناك ضرورة حتمية بكل تأكيد في المواقف التي يسود فيها اليقين ، يبدأ الناس في مشاهدة غيرهم لمعرفة كيف يستجيبون وكيف يتصرفون ، أمر غريزي حيواني أكثر من كونه عقلانيا .الخوف معد لا شك في ذلك
لكن لا نعرف ما الذي سيحدث ، فلا اسهل من أن ينخرط الواحد منا في الهيستيريا الجماعية الحاصلة أو قد تخبرنا هذه النظريات أن الإنسان بطبعه حبيس للعديد من أنماط التفكير وهو ما يعرف بالإنحيازات الإدراكية أو المعرفية Biases الناتجة عن محدودية العقل البشري أو ضعف القدرة على معالجة المعلومات أو التأثيرات العاطفية أو الإجتماعية والثقافية في المحيط الذي نعيش فيه .
يميل البعض لأن يكون متفائلا باعتقاده أن المرض لن يصيبه هو بالتحديد وأنه لن ينقل العدوى إلى غيره وفي نفس السياق يميل أخرون إلى تسخيف الأمر من خلال مقارنة الوفيات الناجمة عن الإنفلونزا العادية والأمراض السرطانية وغيرها … يصاب البعض بالهلع والخوف فيرى سوداوية تامة تحجبه عن الصورة الأوسع وما بين هذا وذاك هناك سلوكيات فردية تزيد فداحة الخطر.
هذا الوباء مثله مثل الطاعون في رواية ألبير كامو ، ليس مرضا جسديا فقط بقدر ما هو سياسي وأخلاقي واجتماعي ونفسي ، يروي لنا حكايات الخوف والفزع الذي إكتنف أنفسنا وجها لوجه مع هشاشتنا البشرية في الوقت الذي بدأنا نعتقد أننا أسياد هذا الكوكب ،
أمنا بشكل غير محدود بالحضارة الحديثة التي تفتخر بقدرتها المطلقة غير أنها تظهر الأن عاجزة عن فعل الكثير ضد إنفجار اللأمتوقع في الواقع فجأة وهو إنفجار لم يكون في الحسبان .
زعزع ” الإمبراطور كوفيد19″ مجموعة من الأعراض التي كانت محبوسة في اللاوعي الجمعي ، وقدم لنا نسخة إجتماعية عن “عودت المكبوث” الذي تحدث عنها سيغموند فرويد Sigmund Freud ، بحيث أن العديد من الأليات الدفاعية النفسية ظهرت على السطح .الكبث، النكوص ، الإزاحة ،التسامي ….توفر كل ألية من هده الأليات حلولا وهمية لمواجهة إحتمالات القلق الناتج عن الخطر الذي لم يتضح بعد وما زلنا عاجزين عن تصوره .
إن الكثير من هذه الدفاعات التي نراها هنا والأن بتعبير هيدغر هي في الأصل دفاعات نرجسية ، تخفي ضعفنا تحت أقنعة من القدرة الكلية التي تمنعنا من التعاطف والإرتباط بالعالم وتحجب عنا العقلانية أو الحكم الموضوعي على الأحداث والتطورات الأخيرة ، لم يعد بإمكان الكثير منا إحتواء صدمة الواقع وقلقه لذلك نلجأ إلى ما وصفته المحللة النفسية ميلاني كلاين Mélanie Klain بالدفاع الهوسي Manic Defense
، إنكار العجز والحاجة للأخرين نتيجة لأوهام السلطة والقدرة الكلية والإكتفاء الذاتي .
تتحدث ميلاني كلاين أيضا عن موقفين نفسيين يفرقان ما بين مرحلتي الطفولة والنضج ، لكن يميل الناس إلى التأرجح ما بينها طوال مراحل حياتهم تبعا للعديد من الظروف وهما الموقف الفصامي _ العظامي Paranaid_Schizoid Position والموقف الإكتئابي Depressive Position في مرحلة النضج ، يشير الموقف الأول إلى حالة القلق والخوف النابع من الإسقاط النفسي لغريزة الموت الداخيلية والتي تتجلى في مراحل حياتنا المختلفة عن طريق الأزمات والصدمات والإحباطات المختلفة ، حيث نرى في هذا الموقف أن ” الأنا” _غير الناضجة _ مع قلقها من خلال فصل المشاعر السيئة وإسقاطها عن العالم الخارجي بعيدا عن الذات لكي تصبح الذات نقية وكل ما هو مقلق وممرض ومعيب وسيء فهو من الأخر أو العالم الخارجي أو بعبارة أخرى يتميز هذا الموقف من وجهة نظر ميلاني كلاين بعدم قدرة الشخص على رؤية ذاته كمصدر للمشكلة أو أو أنها جزء منها ، فكل ما يحدث يحدث سبب عوامل خارجية منفصلة عنه تماما ولا تتعلق به بأي شكل من الأشكال.
يتصرف البشر بشكل ارتيابي أو فصامي كدفاع ضد مشاعر الإكتئاب والخسارة التي تصاحب الأوضاع اليائسة، في المقابل يشير الموقف الثاني أي الإكتئابي إلى قبول الصدمة ومشاعر الإحباط والخوف التي لا مفر منها من خلال التخلي عن النرجسية و الأنانية الفردية لصالح الأخرين والمجتمع .بالعودة إلى مفاهيم ميلاني كلاين يبدو أن الكثيرين منا إذ ينزلقون إلى موقف الفصامي بعيدا عن الإكتئابي ويتصرفون بطرق غير قادرة على تحمل مشاعر الصدمة والإكتئاب التي تصاحب الوضع المربك الذي نعيشه بما فيه من تناقضات وتعزز قدرا أكبر من النرجسية الفردية التي تعيق مبادئ وأخلاقيات العيش الكريم والتعايش بين الأفراد ، وربما هذا أمر طبيعي في الوضعية الراهنة وعادة ما نحتاج لفترة من الوقت حتى نتمكن من إستعادة القدرة على تحمل التناقض وإمتصاص الصدمة .
تتجلى المسؤولية المشتركة في الموقف الإكتئابي على قاعدة “كلنا في الهوا سوا”
جزء من المشكلة تماما كما أننا جميعا جزء من مواجهتها والعمل على الحد منها بكل الوسائل الممكنة ،الحجر الصحي ، النظافة ، عدم الخروج من المنزل… للخروج منها بأقل الخسائر ، بمعنى القدرة على الإهتمام الذي تحدث عنها دونالد وينكوت Donald Winnicott ، من خلال حس المسؤولية الشخصية عن أفعالنا ونتائجها على المجتمع الذي نعيش فيه وهذا ما نحتاج إليه ” هنا والأن” ليس فقط في محاولة البقاء في منازلنا وإتباع قواعد النظافة والتباعد الإجتماعي فحسب ، ولكن في كل ما ننشره على مواقع التواصل الإجتماعي من أفكار ونظريات وإسقاطات للتجارب وإستنتاجات محددة سلفا ، علينا تحمل حالات الشك واللايقين والخوف دون تطوير إنفعالات متسرعة وردود أفعال تعيق قدرتنا على العمل والمقاومة داخل السياقات الإجتماعية والثقافية السائدة في المجتمع .