درس محور العلاقة مع الغير – مفهوم الغير
موضوع الدرس
المادة | مادة الفلسفة |
الفئة المستهدفة | السنة الثانية من سلك البكالوريا |
المجزوءة الأولى | مجزوءة الوضع الشري |
المفهوم الثاني | مفهوم الغير |
المحور الثالث | محور العلاقة مع الغير |
محاور درس العلاقة مع الغير
- التأطير الإشكالي للمحور
- أرسطو: العلاقة مع الغير يجب أن تتأسس على صداقة الفضيلة
- فريدريك هيغل: العلاقة مع الغير قائمة على الصراع من أجل الاعتراف
- أطروحات أخرى يمكن الإنفتاح عليها بخصوص العلاقة مع الغير
- خلاصة تركيبية للمحور
تقديم وتأطير محور العلاقة مع الغير
إن التفكير فلسفيا في مفهوم الغير، بما هو دلالة على الذات الأخرى، ودلالة على الأنا التي ليست أنا ، إن التفكير فيه لا يقتضي منا التساؤل عن أهمية وجود الغير بالنسبة للذات، والتساؤل عن مدى إمكانية معرفته فقط، وإنما يقتضي منا البحث أيضا في طبيعة العلاقة بينه وبين الذات ، وخاصة إن كانت العلاقة القائمة بين الغير والذات علاقة قائمة الصداقة والود، أم أنها علاقة قائمة على الصراع والتشييء، ومن هنا يمكن أن نتساءل:
ما طبيعة العلاقة القائمة بين الذات والغير؟ هل هي علاقة قائمة على الصداقة والود أم أنها علاقة قائمة على الصراع والتشييء؟ وألا يمكن القول أن العلاقية بين الذات والغير قد تجمع بين الصداقة من جهة والصراع والتشييء من جهة أخرى؟ وهل التعالق مع الغير يحفظ للذات وجودها الذاتي، بما هي ذات واعية ولها هويتها، أم أن التعالق معه يفقدها وجودها الخالص؟ ومنه يمكن أن نتساءل: هل العلاقة مع الغير يجب تتأسس تقول على الاتصال أم على الانفصال أم أنها يجب أن تجمع بينهما؟
- أرسطو: العلاقة مع الغير يجب أن تتأسس على صداقة الفضيلة
يؤكد الفيلسوف أرسطو، في كتابه “الأخلاق إلى نيقوماخوس” على أن العلاقة التي يجب أن تكون بين الذات والغير، هي علاقة صداقة. غير أن الصداقة التي يدعو إليها أرسطو هي الفضيلة، وليس صداقة المتعة أو صداقة المنفعة. فصداقة المنفعة، وصداقة المتعة حسب أرسطو زائلتان بزوال المتعة والمنفعة اللتان تحققانها. لذلك يؤكد أرسطو على أن الصداقة الحقيقية التي يجب أن تجمع بين الذوات هي صداقة الفضيلة، لأنها مجردة من المصلحة النفعية الذاتية، ولأنها أيضا تستمر. والذي دافع به أرسطو عن أهمية صداقة الفضيلة هو كون الإنسان يظل في حاجة إلى الأصدقاء، سواء في فترة الضيق والشدة، أو في وقت الرخاء. وسواء في فترة الشباب، أو في فترة الشيخوخة. ففي مرحلة الشباب تعصم الصداقة الإنسان من الزلات، وفي مرحلة الشيخوخة، فالصداقة تعوض للإنسان ضعفه. وفي هذا الصدد يقول أرسطو ما يلي: كل الناس على اتفاق في أن الأصدقاء هم الملاذ الوحيد الذي يمكننا الإعتصام به في حالة البؤس وفي الشدائد المختلفة”. زيادة على ذلك فالصداقة تجعل المجتمع في غنى عن العدالة، فالصداقة تحقق العطف والمحبة، وتمنع الصراع والعنف… يقول أرسطو: “إن الصداقة ليست فقط ضرورية، بل جميلة وشريفة”. وبالتالي فحضور الصداقة يلغي ضرورة العدالة، بينما حضور العدالة لا يمكن من الإستغناء عن العدالة.
-
فريدريك هيغل: العلاقة مع الغير قائمة على الصراع من أجل الاعتراف
رغم تأكيده على أهمية الغير، وعلى ضرورة وجودها لتحقق الذات وعيها بذاتها واعترافها بها، فالفيلسوف الألماني فريديرك هيغل يذهب أن العلاقة بين الذات والغير علاقة قائمة على الصراع، لأن الاعتراف بالذات لا يتم إلا عبر الصراع، الذي تكون غايته تحقيق الاعتراف بالذات. ففي البداية كان كل فرد يعيش لوحده مع الأشياء، وكان يتحكم فيها من جهة أنها تلبي له حاجياته. ولكن سيتغير الوضع حين يلتقي الفردين، ويصبح كل واحد منهما ضمن المجال الإدراكي للآخر. في البداية سيعتقد كل واحد منهما، أن الآخر شبيه بالموضوعات التي كان يسيطر عليها، وسيحاول السيطرة عليه هو أيضا، لكنه سيكتشف أن هذا الآخر ليس كبقية الأشياء وإنما يمتلك مثله وعيا، هنا سيدخلان في صراع من أجل الاعتراف بالذات، وهذا ما ينقصها _أي الذات_ في وجودها مع الأشياء المادية. لكن الاعتراف لن يتم بشكل سلمي وودي، بل عبر صراع يخاطر فيه الطرفان بحياتهما. إلا أن الموت لن يحقق الاعتراف، لهذا على أحدهما أن يفضل الاستسلام على الموت، فيصبح المنهزم عبدا، ويصبح المنتصر سيدا..
-
أطروحات ومواقف فلسفية أخرى يمكن الإنفتاح عليها بخصوص العلاقة مع الغير:
جان بول سارتر:
العلاقة القائمة بين الذات والغير قائمة على الشييء، فالغير من خلال النظرة يفقد الذات حريتها وعفويتها، ويحولها من ذات إنسانية إلى مجرد موضوع (شيء).
إيمانويل كانط:
يجب أن تقوم العلاقة مع الغير على الصداقة، لكن الصداقة وفق تصور كانط تقوم على الحب أي نوع من التجاذب بين الذات والذات الأخرى، وعلى الاحترام، أي على نوع من الطرد، حيث يجب للذات أن تحترم خصوصية وتفرد الذات الأخرى (يمكن الانفتاح على موقف كانط بخصوص قيمة الشخص)
-
خلاصة تركيبية للمحور:
من خلال ما سبق، يتضح لنا أن العلاقة بين الذات والغير، ليست علاقة واحدة ووحيدة، وإنما هي علاقة متعددة الأوجه. فالعلاقة مع الغير تتأسس من جهة على الصداقة والاحترام والغيرية والحب والود، لكنها تتأسس من جهة أخرى على الصراع والعنف والتشييء. ولعل هذا الاختلاف بين الفلاسفة في تصورهم للعلاقة مع الغير، راجع إلى أن منهم من انطلق من مما هو كائن، أي من أرض الواقع، والحديث هنا عن هيغل وسارتر، ومنهم من انطلق مما يجب أن يكون، والحديث هنا عن كانط وأرسطو وغيرهما من الفلاسفة. وفي الأخير يمكن أن نؤكد أن العلاقة مع الغير يجب تكون كما تصورها شوبنهاور، أي أن تقوم على الاتصال من جهة والانفصال من جهة. وقد شبه شوبنهاور هذه العلاقة بالعلاقة بين القنافذ في فصل الشتاء، حيث يجب أن تقترب من بعضها حتى لا تشعر بالبرد، ولكن يجب عليها أن تحافظ على مسافة آمنة حتى لا تتأذى بأشواك بعضها.