تعليقات على أقوال مأثورة لكانط حول التربية

الكاتب: محمد فراح

إنطلاقا من العنوان أعلاه ، يمكن إستشفاف موضوع مقالنا ، فهو ليس عبارة عن مقال تقليدي من مقدمة  وعرض وخاتمة ، بل هو في الحقيقة ، مختلف تماماً هذه المرة ، فهو عبارة عن تعليقات Les Commentaires ، أي عبارة عن نمط من أنماط قراءة النصوص والأقوال وفرض نوع من الفهم أو التأويل عليها ، هذا النوع من الفهم ، يكون بمثابة قراءة معاصرة لذلك النص أو القولة التي نرغب في التعليق عليها ، أو يمكن التعبير عنها بشكل أكثر وضوحا ، على أنها بمثابة قراءة لما وراء السطور ، أو كشف لما يضمره النص أو القولة وتخفيه من معاني تكون مضمرة ، لم يفصح عنها صاحبها ، أو يمكن إعتباره شرحا فاضحا لمضمرات النص أو القولة ومخفياتهما وما يكونانه بداخلها من أفكار ، إنها إستنطاق للنص أو لتلك القولة ، بما لا تنطق به ، تجذر الإشارة إلى أن هذه عبارة عن تجربة شخصية متواضعة جداً ، كنت أقوم بها بعد قراءة أي فكرة كيفما كانت ، لأي فيلسوف ، أقوم بالتعليق عليها وإناطتها ، أي العمل على تنويطها وإضفاء صبغة الذاتية ، أي ذاتيتي أنا القارئ عليها ، فبعد أن أقرأها ، لا أتوقف عند حدود القراءة من الخارج ، أي تلك القراءة العرضية للقولة أو النص ، بل أحاول تدوين نوع من الفهم الخاص بي عليها ، وبالتالي يصبح هذا التعليق ، بمثابة دخولي إلى النص أو القولة والخروج منها بفائدة والعمل على تدوين تلك الفائدة أسفل أو هامش تلك القولة أو النص ، وأركز كثيراً على تهميش التعليق الخاص بي ، حيث أنه بإمكانك قراءة هاته التعليقات والهوامش التي كتبتها عن القولة ، دون الإتفاق معها ، بل والعمل على نقدها اللاذغ ودحضها وبيان حدودها وقيمتها وعدم الإتفاق معها البتة ، وهذا حق مشروع لك كقارئ ، رغم أنني في الحقيقة ، ليس غرضي من هذا المقال هو أن تأخذ محتوى التعليقات والهوامش وتعلق عليها أنت أيضاً ، هكذا سنكون خرجنا عن الغرض والمقصد والموضوع ، بل الغرض هو قراءة النص أو القولة المختارة بعناية فائقة ، ثم كتابة تعليق حولها ، يكون هذا التعليق خاص بك أنت أيها القارئ ، تثبت فيه قدراتك على القراءة والتعليق كذلك على هذا النوع من الأقوال المأثورة للفلاسفة والنصوص ، لذلك أنصحك بشطب مقدماتنا هذه والدخول إلى محراب النص ومحاولة إخضاعه للإنكشاف ، أي أن تكشف عنه ، ما لم أكشفه عنه أنا أو ما لم أشر له ، أثناء تعليقي عليها ، وبالتالي يصبح تعليقك أيضاً ينضاف إلى تعليقي ، وهكذا تكون الغاية هي قراءة النص أو تلك القولة ، وقمنا بتعريضها للإنكشاف دون المساس بروحها بتاتا ، ففي نهاية المطاف القولة ستبقى كما هي ، بل هي تعود لصاحبها الذي هو إيمانويل كانط ، يمكن أن تجدها في كتابه الشهير المعنون ب “تأملات في االتربية” . [1] وهي كالآتي: [2].

تعليقات على أقوال مأثورة لكانط حول التربية

القولة المأثورة الأولى :

«الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يجب تربيته»

التعليق الهامشي رقم 1:

يخبرنا كانط هنا ، إنطلاقا من نزعته الإنسانية الكونية والشمولية ، ويتجلى ذلك من خلال قوله الإنسان وليس المواطن الألماني لكونه هو ألمانيا ، يخبرنا أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يجب تربيته ، تجذر الإشارة أن إنسان كانط هو ذلك الكائن العاقل الذي يمتلك عقلا ، عن طريق هذا العقل ، يتميز عن باقي الموجودات ، ويضيف لنا خصيصة أخرى هي التربية ، حيث يجعلها خاصية إنسانية محضة ، أي أن هذا الإنسان المتميز عن الحيوان بالعقل ، هو الوحيد الذي يجب تربيته ورعايته ، بما أنه إنسان إذن وجب تربيته ، عكس الحيوان الذي يعتبر كذلك مخلوقا ، لكنه ليس إنسانا ، وبما أنه ليس إنسان فلا يجوز تربيته !! ، الإشكالية هنا في لفظ “الوحيد” وحتى “الذي يجب” أي تحيل على الوجوب ، وجوب تربية الإنسان لا غير الإنسان أي الحيوان ، كانط لم يقل ذلك ، لكنها عبارة عن إستنتاج ساذج جداً ، إنطلاقا من هذه القولة دائماً ، نتمنى ألا نكون قاسيين على كانط ، لكن هذا ما تحمله من معاني كثيرة هذه القولة ، وإن لم نصب يمكن شطب هذا التعليق الهامشي!

القولة المأثورة الثانية :

«ينبغي على النوع البشري أن يستمد من ذاته شيئاً فشيئا وبجهده الخاص كل الصفات الطبيعية للإنسانية .»

التعليق الهامشي رقم 2:

يجيبنا كانط أن على النوع البشري ، نلاحظ هنا أيضاً ، ذلك التمييز الساذج بين النوع البشري والنوع الآخر الحيواني ، ويؤكد كانط دائماً على النوع البشري الذي يجب أن يستمد من ذاته لذاته وبذاته ، شيئاً فشيئا ، وبجهده الخاص بمعنى إنطلاقا من ملكاته الخاصة وقواه كل الصفات الطبيعية أي التي وهبتها إياه الطبيعة ، أي طبيعة ؟ الطبيعة الإنسانية ، هذه النزعة الإنسانية لدى كانط ، ستمتد لتشكل إرث الأنوار .

القولة المأثورة الثالثة :

«لو تركنا الإنسان في حداثة سنه لا يتصرف إلا وفق مشيئته ، ودون شيء يمنعه ، لإحتفظ طوال حياته كلها بنوع من الوحشية .»

التعليق الهامشي رقم 3:

في هذه القولة المأثورة سيوجه نقدا لاذغا للفيلسوف الفرنسي جون جاك روسو الذي يدعو للتربية السلبية وترك الإنسان منذ حداثة سنه لا يتصرف إلا وفق مشيئته هو وإرادته ، وعدم منعه من فعل أي شيء ، كانط يقول لا ليست هكذا تكون التربية السليمة ، بل إن تركه منذ حداثة سنه يتصرف وفق مشيئته وإرادته دون كبح غرائزه وجوامحه ، لا إحتفظ طوال حياته بنوع من الوحشية ، فترك الإنسان يفعل ما يشاء منذ حداثة سنه قد يحتفظ لديه طوال حياته كلها بنوع من الوحشية والهمجية .

القولة المأثورة الرابعة :

«إن الإنسان في حاجة إلى رعاية وتكوين ، وأما التكوين ، فيشتمل على الإنضباط والتعليم»

التعليق الهامشي رقم 4:

هنا تبدأ صرامة كانط وموضوعيته ، حيث يخبرنا أن الإنسان في حاجة ماسة إلى الرعاية والتكوين ، والرعاية هنا لها دور تربوي أسري نجدها لدى الأسرة ، وربما تمتد إلى المدرسة في التعليم الأولي والإبتدائي ، إن لم نقل حتى الإعدادي ، أما التكوين فهو تكوين تربوي وبيداغوجي يتلقاه الإنسان في المدرسة ، لهذا يشمل التكوين الإنضباط والتكيف والملائمة ثم التعليم أو التدريس وهذه الأخيرة نجدها في المدرسة .

القولة المأثورة الخامسة :

«لا يستطيع الإنسان أن يصير إنسانا إلا بالتربية ، فهو ليس سوى ما تصنع به التربية»

التعليق الهامشي رقم 5:

هذه القولة المأثورة جداً هي التي تختزل فلسفة كانط التربوية ، فهي جد مشهورة ومعروفة لدى جميع المهتمين بالتربية عموماً وبفلسفة كانط التربوية خصوصا ، كان من الأفضل لو إفتتحنا بها التعليقات والهوامش ، لكن لا بأس ، فكما تبين هاته القولة ، أن الإنسان لا يصبح إنسانا إلا بوساطة التربية ، فهو ليس شيئاً سوى ما تصنع به التربية ، هذه القولة هي التي سيرتكزعليها عالم النفس السلوكي الشهير واطسون وسيقول أعطوني عددا معينا من الأطفال ، أستطيع أن أجعل منهم طبيبا وعالما ولصا، لقد صدق كانط العظيم في هذا ، فالتربية هي ما تجعل من الإنسان إنسانا وتميزه عن غيره من الموجودات.

القولة المأثورة السادسة :

«ينبغي خاصة على الذين يعدون مخططات في التربية أن يضعوه نصب أعينهم : يجب أن لا يربى الأطفال فقط بحسب حالة النوع البشري الراهنة ، بل بحسب الحالة الممكنة التي تكون أفضل منها في المستقبل ، أي وفق فكرة الإنسانية وغايتها الكاملة .»

التعليق الهامشي رقم 6:

يشير كانط هنا إلى واضعي مخططات في التربية ، أي المتخصصون في التخطيط التربوي ، أن يضعوا دائماً نصب أعينهم ، أن الطفل لا يجب تربيته تربية آنية وراهنة ، بل يجب تربيتهم تربية للمستقبل بمعنى يجب مراعاة الحالة الممكنة التي سيكون عليها ذلك الطفل مستقبلا ، أي وفق فكرة إنسانية بمعنى تربية إنسانية شمولية ومطلقة غايتها هو الكمال الإنساني ، وهذا ما ميز كانط في الحقيقة أو إن لم نقل فلسفة الأنوار بشكل عام ، التي لها نزعة نحو الإنسانية ، بل بغرض بلوغ الكمال البشري ، فنحن لا نفكر في الطفل من أجل الطفل ، بل من أجل الإنسانية ككل ، أو من أجل إنسان كامل مستقبلا ، بهذا يصبح كانط مثله مثل روسو ذا نزعة إنسانية ، بل فلسفة تسعى نحو الكمال البشري ، إضافة إلى أن تنظيره للتربية جعل منه يضع مخططا مستقبليا يخص التربية .

القولة المأثورة السابعة :

«التربية السليمة هي تحديدا الينبوع الذي ينبثق عنه كل خير في هذا العالم .»

التعليق الهامشي رقم 7:

أنظروا معي هنا إلى التربية السليمة لدى كانط ، إنها عبارة عن ينبوع متفجر ، أي ينبثق منه كل الخير ، الخير الأسمى الكانطي ، موجود في هذا العالم ، بمعنى أن التربية السليمة لدى كانط هي التربية الخيرة التي تستمد أصولها من الخير الأسمى الموجود في هذا العالم ، بهذا يصبح كانط هو فيلسوف الخير بإمتياز ، رغم أنه إستوحى ذلك من فلسفة جون جاك روسو ، وإمتد ذلك إلى فلسفته في الأخلاق .

القولة المأثورة الثامنة :

«ولا تنتهي التربية بعد بالترويض . فمن المهم فعلاً وقبل كل شيء أن يتعلم الأطفال التفكير.»

التعليق الهامشي رقم 8:

تكمن خطورة كانط هنا ، هو أنه لا يوقف عملية التربية في ذلك الترويض المصطنع أو الميكانيكي الآلي ، الذي أشرنا له سابقاً بمفهوم الرعاية ، بل المهم فعلاً وقبل كل شيء حسب كانط هي أن يتعلم الأطفال التفكير ، يحث كثيراً على هذا الأخير ، بل إن لم نقل أن فلسفة كانط منذ بدايتها حث على التفكير الحر والذاتي ، ولك في مقاله عن التنوير خير دليل ، إذن غاية وغرض ووظيفة التربية ليس هو الترويض المصطنع كما قلنا ، بل الغرض منها هو تعلم التفكير ، أو جعل الطفل يفكر نفسه بنفسه لنفسه هذه هي ضريبة الأنوار .

القولة المأثورة التاسعة :

«يخيل إلينا عادة أنه فيما يخص التربية لا حاجة إلى تجارب ، وأنه يمكن بالعقل فقط تبين ما إذا كان شيء ما حسنا أم لا . ولكننا نخطئ بالغ الخطأ في هذا الأمر إذ تعلمنا التجربة أنه في محاولاتنا تظهر في الغالب نتائج متناقضة تماماً للنتائج التي كنا ننتظرها. […] ، بما أن كل شيء يعود إلى التجربة ، نرى أنه ليس بمقدور أي جيل بشري أن يقدم مخططا مكتملا في التربية .»

التعليق الهامشي رقم 9:

يحاول كانط هنا أن ينتقد ذلك التخيل الذي دائماً ما يراودنا ، والمتمثل في أن التربية سيرورة تخص العقل وفقط ، ولا حاجة لنا إلى أي تجارب ، وأنه يمكن للعقل أن يخبرنا إن كان فعلنا هذا حسنا أم سيئا ، بالعكس تماماً ، إن التربية سيرورة تعتمد على التجربة أيضاً والإختبار والحدوس الحسية ، ذلك أنه عن طريق التجربة نتحقق من تلك الفرضيات الأولى والمنطلقات والمسلمات التي وضعناها في الأول وتتبين لنا أنها لم تكن صحيحة ومفيدة كما كان منتظرا منها ، خاصة عندما نكتشف أنها متناقضة وبالفعل فالمبادئ القبلية بدون حدوس حسية عمياء والحدوس الحسية بدون مبادئ قبلية جوفاء ، إن كل شيء حسب كانط يعود إلى التجربة ، لذلك لا يمكن لأي شخص أن يأتي ويدعي أنه يقدم مخططا نهائياً ومكتملا في التربية ، وهنا يوجه نقده لروسو الذي أراد أن يكون مشروعه في التربية آخر مشروع تربوي ينجز ، ولا تقوم قائمة لأي مشروع تربوي مقبل دون الإعتماد على مشروعه هو ، لذلك عمل كانط على هدم تصوره من خلال أنه لا يمكن لأي جيل بشري أن يدعي مخططا أو مشروعا مكتملا في التربية ، سيقول لنا كانط أن التربية مشروع غير مكتمل !!

القولة المأثورة العاشرة :

«إن إرضاء كل نزواتهم [يقصد الأطفال] في حداثة سنهم يفسد شعورهم وأخلاقهم .»

التعليق الهامشي رقم 10:

هكذا يخبرنا كانط عكس روسو تماماً ، أنه لا يجب تلبية وإرضاء كل النزوات والرغبات التي تكون لدى الأطفال خاصة في حداثة سنهم ، لأن ذلك يفسد الشعور والإحساس والإنفعال وجبر الخاطر والأخلاق بصفة عامة ، وبالفعل إن تلبية كل غرائز الطفل ونزواته لجريمة ترتكب ، خاصة ، أنك ستجد نفسك غير قادر على تلبيتها كاملة ، إن لم نقل أنه يستحيل عليك فعل ذلك !!

القولة المأثورة الحادية عشر:

«يكون من الأفضل جداً إستعمال قلة من الأدوات في البداية وترك الأطفال يتعلمون المزيد من الأشياء بأنفسهم ، وعندئذ يكون بمقدورهم تعلم الكثير من الأشياء بأكثر ثباتا […] ، فالأدوات لا تسبب إلا تقويض المهارة الطبيعية .»

التعليق الهامشي رقم 11:

يشير كانط هنا إلى ضرورة التخلي أو الإقلال من إستعمال الأدوات في حداثة سن الأطفال ، وتركهم يتعلمون أنفسهم بأنفسهم لأنفسهم ، هذا التعلم الذاتي والحر للمتعلم من أسس فلسفة الأنوار ، ذلك أن الأطفال في التعليم الذاتي تتاح لهم فرصة تعلم الكثير من الأشياء وتثبيتها ، فهذه الأدوات التي نستعملها لتعليم الأطفال لا تعمل سوى على تقويض وتقييد المهارات الطبيعية الصادرة عن الطبيعة .

القولة المأثورة الثانية عشر:

«أما فيما يخص تكوين النفس .. فينبغي الحرص أساسا على أن لا يكون الإنضباط نوعاً من الإستعباد ، وأن يحس الطفل ، على العكس إحساسا دائماً بحريته ، ولكن على نحو لا يعارض معه حرية الغير .»

التعليق الهامشي رقم 12:

تجذر الإشارة هنا إلى أن كتاب تأملات في التربية لكانط ، ليس كتاب يركز فقط على التربية من الناحية الخارجية ، بل نجده يحث حتى على التكوين النفسي الوجداني الداخلي ، لذلك ينبغي الحرص أساسا على ألا يؤدي الضبط والإنضباط الذي نمارسه على الطفل إلى نوع من الإستبداد ، ذلك أن الضغط يولد الإنفجار !! ، لذلك وجب التعامل بذكاء مع الطفل ، وأن نحسسه ونشعره بحريته التي وهبتها إياه الطبيعة ، لكن هاته الحرية يجب أن تكون محدودة جداً على نحو لا تتعارض مع حرية الآخرين ، هذا ما أكده جون بول سارتر فيما بعد ، حيث يقول تنتهي حريتي عند المساس بحرية الآخرين !

القولة المأثورة الثالثة عشر:

«إنه لفي منتهى الأهمية أن يتعلم الأطفال أن يعملوا . فالإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يحتاج إلى العمل ، […] ، بحيث يتشبع بالهدف الذي ينشده ، لا بد للطفل من أن يتعود أن يعمل .»

التعليق الهامشي رقم 13:

بالنسبة لكانط ، من المهم جداً أن يتعلم الأطفال قواعد العمل ، بمعنى أن نعلمهم أن العمل مسألة مهمة جداً ، فهي ما تميز الإنسان عن الحيوان ، ذلك أن الإنسان كائن عامل ، يحتاج كثيراً للعمل ، لكي يكتسب قيمته كإنسان ، فلسفة العمل لدى كانط تأتي بعد أن جعل من الإنسان كائنا هادفا أيضاً ، أي له مجموعة من الأهداف يعمل على إنشادها ، لذلك لابد للطفل من أن يتعود على أن يعمل .

القولة المأثورة الرابعة عشر:

«ينبغي إنتهاج الطريقة السقراطية في تربية العقل . وفعلا ، فإن سقراط الذي كان يسمى المولد لمعارف مستمعيه ، يعطينا في محاوراته …أمثلة على الطريقة التي يمكن أن يوجه بها التلميذ إلى إستخلاص أشياء كثيرة من عقله هو ، […] ، لذلك ينبغي هنا الحذر من تلقينهم [أي الأطفال] معارف عقلية ، بل ينبغي العمل على أن يستخلصوها من ذواتهم . هذا ولابد من إتخاذ المنهج السقراطي قاعدة للمنهج المتبع في التعليم الديني .»

التعليق الهامشي رقم 14:

يتأسس المنهج السقراطي أو الذي يعرف بالمنهج التوليدي السقراطي ، على قاعدة المعرفة تذكر والجهل نسيان ، بل إنه لطالما يؤكد سقراط أن كل ما يعرفه هو أنه لا يعرف شيئاً ، وبالتالي يدعوا يا أيها الإنسان إعرف نفسك بنفسك ، ويقول أنه يعمل عمل أمه التي تولد الأطفال ، بينما هو يولد العقول أو يولد الأفكار ويخرجها من العقول ! لذلك يحث كانط على إعتماد هذه الطريقة السقراطية في تربية وتنشئة وتكوين العقل ، وبالتالي فالعقل مليئ بالأفكار ، يجب فقط العمل على إخراجها ، وإستخلاص كل تلك المعارف من العقل عن طريق المنهج السقراطي ، كما يجب الحذر من تلقين التلاميذ معرفة عقلية جاهزة ، بل العكس تماماً ، يجب على الطفل أن يستخرج الأفكار من عقله ذاته بذاته ولذاته ، بدون إعتباره وعاء فارغا والعمل على شحنه بالمعارف العقلية الجاهزة التي تستعصي الدخول لعقله ، وسيعمم كانط من هذا المنهج ، وعده صالحا حتى للتعليم الديني الكنسي .

القولة المأثورة الخامسة عشر:

«وينبغي أيضاً أن لا نصير الأطفال خجولين . وهذا ما يحدث خاصة عندما نتوجه إليهم بكلمات قاسية نشعرهم أحياناً كثيرة بالخزي ، […] ، وأن لا تكسر إرادة الأطفال ، بل أن توجه فحسب بحيث تنصاع للعوائق الطبيعية .»

التعليق الهامشي رقم 15:

هذه مسألة جد مهمة لدى كانط ، بل ولنا نحن جميعاً ، فكثيرا ما نجعل من الطفل خجولا بالضرورة ، خاصة عندما نتوجه إليه بالكثير من الكلمات القاسية جداً على سنهم ، ونعمل على إشعارهم بالخزي والعار ، خاصة عندما نقول لهم في ثقافتنا المغربية (حشوما !!) ، من هنا يبدأ الطفل في تكوين ملكة الخجل ، بينما الطفل يولد شجاعا وحرا بالطبيعة ، لذلك يجب الإنتباه هنا من كسر إرادة الأطفال ، تلك الإرادة الحرة والشجاعة التي توجد فيهم بالطبيعة ، هاته الإرادة يجب العمل على توجيهها وإرشادها من أجل إنمائها وليس بغرض إطفائها والقضاء عليها ، هذا التوجيه يجب أن يوجه بقصد الإنصات والإستماع والإنصياع للعوائق الطبيعية .

القولة المأثورة السادسة عشر:

«إننا ندلل الأطفال عندما نفعل كل ما يريدون ، ونربيهم تربية مغلوطة تماماً حين نسارع إلى الإستجابة لنزواتهم وأمانيهم .»

التعليق الهامشي رقم 16:

يحذرنا كانط هنا من تدليل الأطفال أو الإفراط في العناية والرعاية وتوفير أو تحقيق كل ما يرغب به الأطفال ، عن طريق تحقيق وإشباع كل رغباتهم ونزواتهم وأحلامهم ، إن هذا النوع من التربية ، لهي تربية معكوسة ومغلوطة تماماً ، لا يجب الإسراع في تنفيذ كل ما يطلبه الأطفال ، من نزوات وأحلام وأماني ، بل يجب أن يكون ذلك محددا ومقيدا بشدة ، لذلك لا يجوز بتاتا الإنصياع بشكل مطلق لكل ما يرغب فيه الأطفال ، بل يجب تعقيل وتقييد كل ما تريد أن تحققه لهم ، كأنه يقول يجب الإكتفاء بتحقيق الضروري جداً من نزواتهم !

القولة المأثورة السابعة عشر:

«إن كسر الإرادة يخلق أسلوبا في التفكير يتميز بالخنوع ؛ وعلى العكس تخلق المقاومة الطبيعية الإنقياد .»

التعليق الهامشي رقم 17:

يخبرنا كانط هنا أيضاً بمسألة في غاية الأهمية ، والتي تتمثل في كسر الإرادة الحرة للطفل أو للإنسان عموماً ، قد تخلق لنا نمطا خاصا من التفكير ، الذي هو تفكير سلبي جداً ، ذلك أنه يتميز بالخنوع والإنبطاح والحط من الكرامة الإنسانية ، إن لم نقل أن الشخص الذي ثم فطم إرادته ، يصبح عبدا وبدون كرامة أو قيمة ، على عكس ذلك تماماً قد تخلق تلك المقاومة الطبيعية التي نرغمها للطفل نوعاً من الإنقياد والإستيلاب .

القولة المأثورة الثامنة عشر:

«إن التربية الأخلاقية ، فلا بد من أن تقوم على مبادئ ، لا على الإنضباط . هذا الأخير يمنع العيوب ، والأخرى تنمي طريقة التفكير .»

التعليق الهامشي رقم 18:

قبل دوركهايم ، فكر كانط في مسألة التربية الأخلاقية ، بل جعلها هي الغاية من كل تربية ، فالتربية الأخلاقية ، تقوم على مجموعة من القيم والمبادئ والمرتكزات الأساسية ، وليس على الإنضباط ، هذا الإنضباط كثيراً ما إنتقده كانط في كتابه هذا تأملات في التربية ، والذي إعتبره يقيد الطفل ، ويجعل منه كالآلة ، عكس التربية الأخلاقية التي تنمي طريقة التفكير لدى الطفل ، إن لم نقل أنها إغناء لملكة التفكير .

القولة المأثورة التاسعة عشر:

«إن دينا يجعل الإنسان مغتما هو دين مزيف ، إذ على الإنسان أن يتعبد الله بقلب جذلان ، لا بالإكراه ، والفرح الذي ينبعث من القلب ينبغي أن لا يكبح في المدرسة كبحا بالإكراه ، لأنه سرعان ما يتلاشى في هذه الحالة .»

التعليق الهامشي رقم 19:

لمعرفة تصور كانط الديني ، ينصح بالعودة إلى كتابه الشهير “الدين في حدود مجرد العقل” ، أما في هذه القولة المأثورة ، فحاول أن يخبرنا بأن الدين الذي يجعل الإنسان مغتما لهو في حقيقته دين مزيف ، أما الدين الحقيقي عنده هو الدين الذي يجعل من الفرد يتعبد الله بقلب جذلان ، أي بقلب يحب الله حبا مطلقا ، وليس بقلب مكروه على عبادة الله ، لذلك فحتى المدرسة ينبغي على ذلك الطفل أن يأتي إلى المدرسة بقلب جذلان ، لا بقلب مكروه وملزم على القدوم إلى المدرسة ، لأنه سرعان ما يتلاشى هذا الحب المكره حول المدرسة ويزول ، وبالتالي ستجد ذلك الطفل يوماً ما ، يثور ويرفض القدوم إلى المدرسة ، بل يصيح في وجهك ، سآتي عندما ترحل المدرسة !!

نكون هنا قد أنهينا تعليقاتنا الهامشية دائماً ، التي تلاحظ أنها عبارة عن توضيحات هامشية وفقط ، وتركنا الأقوال المأثورة لكانط بين مزدوجتين ، وذلك من أجل أن تقرأها أنت أيضاً ، وتسلط عليها نوعاً من التعليق الهامشي الخاص بك أنت نفسك بنفسك ، وتشطب التعليق الهامشي الخاص بي ، وألا تعتمد عليه كثيراً ، لأنه يبقى في نهاية المطاف مجرد إزادة من عندياتي على القولة ، وربما قد يكون غير موفقا ويصدر عنه فهم معاكس تماماً إن لم نقل مغلوط عن القولة ، كما أن هذه الأقوال المأثورة لكانط ، واضحة وضوح الشمس في النهار ، قد لا تحتاج إلى هذه الزوائد ، لكن كان هدفي هنا ، هو قراءة ما إخترنا لك من الأقوال المأثورة لكانط ، والشروع في العمل بها ، نظراً لأهميتها ، ولما تبث عليه من ذكاء وفطنة ودهاء صاحبها ، الذي لا يمكن إعتباره سوى فيلسوف التربية والمتأمل فيها تأملا فلسفيا ، لذلك أكررها أشطب تعليقاتنا الهامشية هذه وأدلف إلى محراب تأملات في التربية لتعميق رؤيتك حول فلسفة كانط في التربية ، لأنه يمكن إعتبار أن هذه الأقوال مجرد مدخل إلى فلسفة كانط التربوية ، الغرض منها الإنطلاق منها من أجل الذهاب إلى النص الأصلي لكانط وقراءته أيضاً قراءة فاحصة وتمحيصية ، ولما لا التعليق الهامشي عليه كاملاً مكمولا .

المرجع المعتمد عليه :

[1] – إيمانويل كانط ، تأملات في التربية ، ترجمة وتعليق محمود بن جماعة ، دار محمد علي للنشر ، الطبعة الأولى ، 2005 .

[2] – كما يمكنك أن تجد هذه الأقوال في كتاب فلسفة الأنوار ومسألة التربية ، إشراف وتنسيق : ذ. أحمد العلمي و ذ. محمد المحيفيظ ، سلسلة : فلسفة وإسلاميات ، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط ، طبعة 2019 م ، ص ص 371 – 374.

محمد فراح ، طالب في المدرسة العليا للأساتذة بالرباط ، سلك الإجازة في التربية تخصص التعليم الثانوي التأهيلي -الفلسفة

إغلاق