تحليل ومناقشة نص ابن خلدون – مفهوم المجتمع
- المادة: مادة الفلسفة
- السنة: الأولى من سلك الباكالوريا
- المجزوءة: مجزوءة ما الإنسان؟
- المفهوم: مفهوم المجتمع
المحور الأول: أساس الاجتماع البشري
أولا: منهجية تحليل النص الفلسفي
لحظة الفهم (التقديم) – 4 نقط
الطرح الإشكالي للموضوع من خلال:
- تحديد موضوع النص
- صياغة إشكاله وأسئلته الأساسية الموجهة للتحليل والمناقشة.
لحظة التحليل – 5 نقط
- تحديد أطروحة النص وشرحها.
- تحديد مفاهيم النص وبيان العلاقات التي تربط بينها
- تحليل الحجاج المعتمد في الدفاع عن أطروحة النص
لحظة المناقشة – 5 نقط
- التساؤل حول أهمية الأطروحة بإبراز قيمتها وحدودها.
- فتح إمكانات أخرى للتفكير في الإشكال الذي يثيره النص
لحظة التركيب – 3 نقط
- استخلاص نتائج التحليل والمناقشة
- تقديم راي مدعم.
الجوانب الشكلية (3 نقط): تماسك العرض وسلامة اللغة ووضوح الخط
ثانيا: تحليل ومناقشة نص ابن خلدون
لحظة فهم النص (التقديم)
لا يمكن تعريف الإنسان إلا من خلال الوقوف عند أبعاده المتعددة والمختلفة، والتي يمكن من خلالها كشف حقيقته وماهيته. ولعل ابرز ما يميز الإنسان هو كونه كائنا واعيا وراغبا، لكن إضافة إلى ذلك يعتبر كائنا اجتماعيا، وهو ما عبر عنه مجموعة من الفلاسفة والمفكرين أمثال أرسطو وابن خلدون. فالإنسان لا يستطيع العيش منعزلا عن الآخرين وعن المجتمع، كما أن قيمة الإنسان وحقيقته وماهيته لا تتحقق إلا بانخراطه في الحياة الاجتماعية، ولذلك نجد الفلاسفة قديما يميزون بين الإنسان باعتباره كائن مدني والمتوحش الذي يعيش خارج المدينة. انطلاقا مما سبق يتضح أن التناول الفلسفي لموضوع الإنسان لن يكتمل إلا من خلال معالجة مفهوم مركزي وهو مفهوم المجتمع. هذا المفهوم يطرح مجموعة من الإشكالات من بينها إشكال أساس الاجتماع البشري، أي أساس المجتمع وأصله، وبشكل خاص إن كان أساسه طبيعيا في الإنسان، أم أنه مسألة اتفاق وتعاقد بين الأفراد. وتأسيسا على ما سبق يمكن أن نتساءل:
ما الإنسان وما المجتمع؟ وما أساس المجتمع وأساس الاجتماع البشري؟ هل أساس الاجتماع البشري هو الضرورة والطبيعية الإنسانية؟ بتعبير آخر هل يجد المجتمع أصل فيما هو طبيعي، أم أن أساس المجتمع وأساس الاجتماع البشري هو الاتفاق والتعاقد؟
لحظة تحليل النص:
إجابة عن التساؤلات والإشكالات المطروحة يؤكد النص موضوع التحليل والمناقشة على اطروحة مضمونها أن الإنسان مدفوع إلى الاجتماع مع بني جنسه بحكم الضرورة، وبحكم الطبيعة الإنسانية. ومضمون هذا القول أن المجتمع يجد أصله في الطبيعة ، وأنه ليس مسألة اختيار وحرية وإنما مسألة ضرورة. وتتجلى ضرورة الاجتماع في حاجة الإنسان إلى بني جنسه، فالإنسان لا يستطيع حفظ بقائه لوحده، وإنما هو في حاجة إلى الآخرين، سواء لتلبية حاجته إلى الغذاء، أو للدفاع عن نفسه.
وبما أن الاشتغال الفلسفي يقتضي تحليل البنية المفاهيمية لكل خطاب، فلابد أن نقوم بتحليل البينية المفاهيمية للنص الذي نحن بصدد تحليله ومناقشته. ونجد أن النص يتشكل من مفهوم الإنسان ومفهوم المجتمع ومفهوم الطبيعة ومفهوم الضرورة. أما بالنسبة لمفهوم الإنسان فهو يحيل على الكائن البشري بما هو كائن حي يتميز بالفكر والوعي واللغة… أما بالنسبة لمفهوم المجتمع فهو يعني “مجموعة من الأفراد تربط بينهم علاقات ومصالح متبادلة، ويعيشون على أرض مشتركة وتجمعهم روابط ثقافية دينية أو عرقية أو لغوية”. وبالنسبة لمفهوم الطبيعة، فهو يشير إلى الطبيعة الإنسانية وإلى الفطرة. وبخصوص الضرورة فهي مرادف للحاجة، وهي سمة ما هو ضروري، كما تعني كل إكراه ممارس على رغبات الإنسان وأفعاله. ويتضح من خلال مضمون النص أن هناك ترابطا بين المفاهيم، فالإنسان كائن اجتماعي، كما أن الذي يجعله اجتماعيا هو الطبيعة والضرورة.
ولإقناعنا بموقفه، اعتمد صاحب النص بنية حجاجية متماسكة، حيث نجده قد استند إلى قول الفلاسفة اليونانيين، الذين اعتبروا الإنسان كائنا مدنيا بالطبع، وهي حجة بالسلطة. إضافة إلى ذلك نجده ينطلق من طبيعة الإنسان، ومن صورته التي صوره الله عليها، وهي الضعف والحاجة، وهو ما يؤكد حاجة الإنسان إلى بني جنسه. وهنا يقدم صاحب النص مجموعة من الأمثل التي تؤكد ضعف الإنسان وحاجته إلى العون، من بينها مثال حاجة الإنسان إلى الغذاء، والذي يتطلب كثيرا من الطحن والعجن والطبخ، وهو ما لا يستطيع الإنسان فعله بمفرده، وهذا ما يؤكد مرة أخرى حاجة الإنسان إلى الاجتماع وضرورته.
وفي نفس السياق الحجاجي، نجد صاحب النص يعتمد آلية المقارنة، حيث نجده يقارن بين الإنسان والحيوان، وذلك ليؤكد على أن الاجتماع البشري هو مسألة ضرورة. أما مضمون هذه المقارنة فهو أن الحيوان أقوى مقارنة بالإنسان، وأنه يمتلك ما يدافع به عن نفسه دون حاجة إلى المساعدة من بني جنسه، لكن الإنسان أضعف مقارنة بالحيوان، وهو ما يجعله في حاجة إلى المساعدة من بني جنسه. لكن الإنسان رغم ذلك يتميز بما لا يتميز به الحيوان، وهو الفكر واليد، وهو ما يمكنه من صناعة ما يعوض له ضعفه كالرماح.
وهكذا نستنتج أن أساس الاجتماع البشري هو الضرورة والطبيعة الإنسانية، وأن حياة الإنسان لن تتم إلا به. لكن فيم تتجلى أهمية هذا الموقف وما هي حدوده؟
لحظة مناقشة النص
تتجلى أهمية موقف النص في كشفه لأساس الاجتماع البشري، وفي توضيحه للعلاقة القائمة بين المجتمع والطبيعة الإنسانية. ولا نختلف مع ما ذهب إلى النص وفي تأكيد على حاجة الإنسان الاجتماع البشري، فالاجتماع البشري حقا يوفر للإنسان ما لا توفره له العزلة، كما أنه يسمح للجنس البشري بالاستمرار… إضافة إلى ذلك أن للموقف قيمة أخلاقية، من حيث تأكيده على أهمية التضامن والتعاون…
وينسجم موقف النص مع موقف فلاسفة اليونان، نذكر بشكل خاص موقف الفيلسوف أرسطو، والذي يعرف الإنسان باعتباره حيوانا مدنيا بالطبع. فالإنسان من منظور أرسطو كائن اجتماعي من جهة أولى وسياسي من جهة ثانية، وبالتالي فحياته لا تستقيم ولا تصح إلا في إطار الدولة وفي إطار حياة المجموع. ولا يختلف أرسطو عن ابن خلدون في تأكيده أن طبيعة الإنسان هي التي تدفعه إلى الاجتماع مع بني جنسه، فهو الآخر يرى أن الطبيعة هي أساس الاجتماع البشري. يقول أرسطو: “إن الميل الذي لدينا لتكوين تجمعات من هذا الشكل هو بالتأكيد أمر طبيعي”.
وعلى خلاف موقف النص وموقف أرسطو، تجد مجموعة من الفلاسفة الذين يؤكدون أن المجتمع البشري لا يجد أصله في الطبيعة الإنسانية، وأن أساس الاجتماع البشري هو التعاقد والاتفاق، نذكر على سبيل المثال فلاسفة التعاقد الاجتماعي وبشكل خاص الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو. يؤكد روسو أن نشأة الدولة والمجتمع كانت نتيجة لتعاقد اجتماعي، انتقل من خلاله الإنسان من حالة الطبيعة (هي الحالة السابقة على حالة المدنية وهي حالة افتراضية) وما تتميز به من حرية وحق مطلقين إلى حالة المدنية وما تتميز به من حرية مدنية مقيدة بقيود القانون والتشريعات. ويرى روسو أن مزايا حالة المدنية عديدة، حيث سمحت للإنسان بتنمية قواه العقلية وجعلته متسع الفكر ونبيل العواطف وسامي النفس…
خلاصة تركيبة :
استنادا إلى ما سلف، يتبين لنا أن نشأة المجتمع كانت موضوعا للنقاش الفلسفي، نقاش أفرز مجموعة من التصورات، تباينت واختلفت باختلاف وتباين المرجعيات الفكرية ووجهات النظر. ويمكن أن نلخص تلك التصورات في تصورين أساسيين، تصور يمثله كل من أرسطو وابن خلدون، ويقوم على فكرة أن المجتمع البشري يجد أصله في الطبيعة والبشري، لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه. وتصور يمثله فلاسفة التعاقد الاجتماعي طوماس هوبس وجون لوك وباروخ اسبينوزا وجان جاك روسو، ويقوم على فكرة أن ظهور المجتمع البشري كان بفضل التعاقد الاجتماعي الذي مكن الإنسان من الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المدنية. وهذا التعدد في التصورات والرؤى لا يحط من قيمة الخطاب الفلسفي بقدر ما يعكس تنوعه وغناه، كما يعكس حقيقة الإنسان باعتباره كائنا معقدا يصعب الحسم في قضاياه وإشكالاته.