تحليل ومناقشة نص إرنست كاسيرر – مفهوم اللغة
- المادة : مادة الفلسفة
- المجزوءة: مجزوءة ما الإنسان؟
- المحور الأول : اللغة خاصية إنسانية
تحليل ومناقشة نص إرنست كاسيرر – مفهوم اللغة
أولا: منهجية تحليل النص الفلسفي
لحظة الفهم (التقديم) – 4 نقط
الطرح الإشكالي للموضوع من خلال:
- تحديد موضوع النص
- صياغة إشكاله وأسئلته الأساسية الموجهة للتحليل والمناقشة.
لحظة التحليل – 5 نقط
- تحديد أطروحة النص وشرحها.
- تحديد مفاهيم النص وبيان العلاقات التي تربط بينها
- تحليل الحجاج المعتمد في الدفاع عن أطروحة النص
لحظة المناقشة – 5 نقط
- التساؤل حول أهمية الأطروحة بإبراز قيمتها وحدودها.
- فتح إمكانات أخرى للتفكير في الإشكال الذي يثيره النص
لحظة التركيب – 3 نقط
- استخلاص نتائج التحليل والمناقشة
- تقديم راي مدعم.
الجوانب الشكلية (3 نقط): تماسك العرض وسلامة اللغة ووضوح الخط
ثانيا: تحليل ومناقشة نص إرنست كاسيرر
لحظة فهم النص (التقديم)
تعرف الفلسفة باعتبارها ذلك البحث النظري الذي يتناول مجموعة من القضايا التي تخص الإنسان وتخص وجوده. ولو تأملنا تاريخ الفلسفة فسنجد أن أبرز قضية شغلت بال الفلاسفة هي قضية الإنسان. فهذا الأخير يطرح جملة من التساؤلات والإشكالات، من بينها التساؤلات والإشكالات المرتبطة بمفهوم اللغة. فاللغة وكما قال هيدغر هي مسكن الوجود، وهي أداة التعبير عن الفكر داخليا وخارجيا، وهذا ما يجعل اللغة خاصة إنسانية، تميز الإنسان عن باقي الموجودات. لكن هذا القول ليس بديهيا ولا بسيطا، بل يضعنا أمام مجموعة الإشكالات، من بينها الإشكال المرتبط بحقيقة اللغة، وإن كانت اللغة فعلا خاصية إنسانية تميز الإنسان غيره من الموجودات، أم أن اللغة تبقى خاصية مشتركة بين الإنسان والحيوان. وانطلاقا مما سبق يمكن طرح التساؤلات والإشكالات الفلسفية التالية:
ما هي اللغة وما هو الإنسان؟ وما الذي يميز الإنسان عن الحيوان؟ هل ما يميز الإنسان هو الفكر أم النطق أم الرمز؟ وهل اللغة خاصية إنسانية؟ بتعبير آخر هل اللغة خاصية تميز الإنسان عن غيره من الموجودات أم أن اللغة ليست خاصية إنسانية؟ وإن كانت اللغة خاصية إنسانية فما الذي يجعلها كذلك؟ وإن لم تكن خاصية إنسانية فهل هذا يعني أن للحيوان نفس لغة الإنسان؟
لحظة تحليل النص
إجابة عن الإشكالات المطروحة، يؤكد النص موضوع التحليل والمناقشة على أطروحة مضمونها أن ما يميز الإنسان هو الرمز. وبعبير آخر، فالذي يميز الإنسان عن غيره من الموجودات، وخاصة الحية منها، هو كونه حيوان رامز، والذي يجعله حيوانا رامز هو امتلاكه جهازا رمزيا لا تمتلكه الكائنات الأخرى. ويرى صاحب النص أن خاصيتي العقل والنطق ليستا الخاصيتين البارزتين اللتان يمكن من خلالها تعريف الإنسان وتمييزه عن غيره من الموجودات.
ولفهم مضمون أطروحة النص، لابد من الوقوف عند بنيتها المفاهيمية. بخصوص البنية المفاهيمية للنص فهي تتشكل من مفهوم الإنسان ومفهوم الجهاز الرمزي، إضافة إلى مفهوم العقل والنطق. أما بالنسبة لمفهوم الإنسان فهو يشير إلى الكائن البشري، باعتباره كائنا واعيا وعاقلا وراغبا ورامزا… أما بالنسبة لمفهوم الجهاز الرمزي، فهو يشير إلى الجهاز الذي يتمكن الإنسان من خلاله من إنتاج الرموز، ومن تجاوز العالم المادي إلى عالم آخر لا مادي. وبخصوص مفهوم العقل، فهو يفيد الملكة التي تمكن الإنسان من الفهم والتصور والنفي والتفكير والتخيل… أما فيما يتعلق بمفهوم النطق فهو يشير إلى اللغة المنطوقة، اي إلى ذلك النسق من العلامات الصوتية الذي يعتمده الإنسان كأداة للتواصل والتعبير.. ويتضح من خلال النص أن هناك علاقة ترابط بين مفهوم الإنسان ومفهوم الرمز، فالإنسان كائن رامز…
ولإقناعنا بموقفه وأطروحته، اعتمد صاحب النص بنية حجاجية متماسكة، تنبني على المقارنة والتعريف والمثال… أما المقارنة فتتجلى في المقارنة التي أقامها صاحب النص بين الإنسان والحيوان، فالإنسان رغم كونه كائنا حيا كباقي الكائنات الحية الأخرى، ما يعني خضوعها للقوانين البيولوجية التي تحكم جميع الكائنات الحية، فهو يتميز عنها بامتلاكه للجهاز الرمزي، وهذا الجهاز هو الذي جعله يتجاوز الكائنات الأخرى ويتميز عنها، وجعله ينتج عالما آخر هو العالم الرمزي. ويريد صاحب النص من خلال هذه المقارنة التأكيد أن الجهاز الرمزي للإنسان هو ما يميزه عن غيره من الكائنات الحية. ويقدم صاحب النص مجموعة من الأمثلة عن العالم الرمزي للإنسان، والتي تميزه عن غيره، وهي اللغة والأسطورة والفن، وهي أمثلة تؤكد امتلاك الإنسان لجهاز لا تمتلكه الكائنات الحية الأخرى، جهاز يمكن الإنسان من إنتاج الرموز، ومن إنشاء عالم رمزي.
هكذا إذن يتضح لنا أن ما يميز الإنسان هو كونه كائنا رامزا، وأن اللغة جزء من العالم الرمزي للإنسان. لكن فيم تتجلى أهمية وحدود هذه الأطروحة؟
لحظة مناقشة النص
تتجلى أهمية أطروحة النص في كشفها لما يميز الإنسان عن باقي الموجودات، وأيضا في توضيحها لأهمية الجهاز الرمزي في إنتاج الرموز، وإنتاج العالم الرمزي الذي يتألف من اللغة والأسطورة والفن… ولا نختلف مع النص في قدرة الإنسان على خلاف باقي الموجودات على إنتاج عالم رمزي يتشكل من اللغة والأسطورة والفن والأدب… وبالتالي فأهمية أطروحة النص تتجلى في كشفها لحقيقة الإنسان ولحقيقة وجوده وما يميزه…
وفي نفس السياق، نجد الفيلسوف الفرنسي روني ديكارت يؤكد أن اللغة خاصية إنسانية. فالفعل الكلامي لا يناسب إلا الإنسان وحده من حيث أنه يمتلك الفكر. فلا لغة بدون فكر. ويتأسس هذا القول الديكارتي على أن الذات الإنسانية ليست مجرد آلة بل هي نفس لها أفكار يعبر عنها بواسطة الكلمات والعلامات التي تعبر عن الماهية العاقلة للإنسان بعيدا عن كل انفعال الذي قد يجعل هذا الفعل الكلامي فعل حيواني مصطنع مرتبط بالإثارة والاستجابة. وهنا يتضح أن ديكارت رغم اتفاقه مع إرنست كاسيرر في كون اللغة خاصية إنسانية، إلا أنه يختلف معه بخصوص خاصية العقل والفكر، فديكارت يجعل من الفكر جوهر الإنسان، وأنه هو ما يجعل الإنسان يتميز باللغة وبالفعل الكلامي، أما كاسيرر فينظر إلى الرمز باعتباره الخاصية التي تميز الإنسان بشكل بارز.
لكن، رغم الأهمية الفكرية والنظرية للمواقف السابقة، التي ترى أن اللغة خاصية إنسانية، إلا أنها تبقى مواقف محدودة، ولم تعالج موضوع اللغة من إلا من زاوية معينة. لكن القول بكون الحيوان لا يمتلك لغة يبقى أمرا خلافيا، فالحيوان يمتلك لغة رغم أنها لا ترقى إلى المستوى الإنساني. أكثر من ذلك فهناك من يؤكد أن الحيوان هو الآخر يمتلك لغة، وفي هذا السياق نجد عالم سلوك الحيوان النمساوي كارل فون فريش، يؤكد أن لغة النّحل هي لغة مركبة من علامات صوتية وحركية، وأن لها قدرة على معالجة الأصوات والروائح والحركات، وقد لاحظ أن النحل حين يعود إلى الخلية يقدّم معلومات وظيفية عن مصدر الرحيق، تشمل الاتجاه والأبعاد ونوعية الرحيق.. وبالتالي فالموقف العلمي يختلف عن الموقف الفلسفي بخصوص اللغة.
خلاصة التركيب
يتضح من خلال تحليلنا ومناقشتنا للنص، أن اللغة قضية فلسفية إشكالية، قادتنا إلى خوض نقاشا فلسفي، والإبحار بين مجموعة من التصورات والمواقف الفلسفية والعلمية. ويمكن أن نستنتج من خلال ما سبق أن أغلب التصورات والمواقف الفلسفية تؤكد أن اللغة خاصية إنسانية، وأنها خاصية تميز الإنسان عن باقي الموجودات. فاللغة جزء من العالم الرمزي للإنسان، كما أنها هي العلامة المميزة للثقافة. والذي يجعل اللغة خاصية إنسانية هو امتلاك الانسان جهازا رمزيا حسب ياسبرز، أما ديكارت فيرى أن كون الإنسان كائن مفكر هو ما يجعله كائنا لغويا. لكن هناك من يؤكد الحيوان هو الآخر له لغة، وهو ما أكده مجموعة من العلماء، الذين توصلوا إلى أن بعض الحيوانات قادرة على التواصل ونقل المعلومات…