تحليل نص موريس ميرلوبونتي اللغة والفكر
- عنوان الدرس: مفهوم اللغة
- المستوى: ثانية بكالوريا آداب و علوم انسانية
- المادة: مادة الفلسفة
- المحور الثالث: محور اللغة و الفكر
- المجزوءة: المجزوءة الأولى – ما الإنسان؟
محاور الدرس:
- تأطير إشكالي لمحور اللغة والفكر
- أولا: تحليل نص موريس ميرلوبونتي
- ثانيا: موقف هنري برغسون من علاقة اللغة بالفكر
-
تأطير إشكالي للمحور
جرت العادة في الفلسفة، وعبر تاريخها الطويل، على تعريف الإنسان بكون كائنا مفكرا، ولا خلاف في ذلك، فالإنسان دائم التفكير، يفكر في ذاته وفي العالم. لكن إضافة إلى ذلك فالإنسان كائن رامز، والذي يجعله كذلك هو امتلاكه اللغة، التي تعني في تعريفها العام “مجمل العلامات والرموز التي تؤدي وظيفة التواصل والتعبير سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي”. ولذلك يمكن القول أن الإنسان من جهة ذات مفكرة، تفكر في ذاتها وفي العالم، وأنه من جهة ثانية ذات رامزة، من حيث اعتماده اللغة وإنتاجه الرموز والكلمات… غير أن ما يدعو إلى التفكير هنا، ويدعو إلى البحث الفلسفي هو العلاقة القائمة بين اللغة والفكر، وخاصة إن كان التفكير يستدعي ضرورة اللغة والرموز والكلمات، أيضا، وبتعبير آخر، إن كانت العلاقة بين التفكير واللغة علاقة تلازم، أي استلزام اللغة حيث يصبح التفكير أمرا ممكنا، أم أن لتفكير يبقى خارج اللغة وسابقا عليها. لذلك، وانطلاقا مما سبق، يحق لنا أن نتساءل:
- ما طبيعة العلاقة القائمة بين اللغة والفكر؟
- هل التفكير يستدعي ضرورة ويستلزم اللغة أم أن التفكير مستقل وخارج عنها؟
- بتعبير آخر، أتعتبر اللغة أساس تفكير الإنسان أم أن الإنسان يمكنه التفكير دونما حاجة إلى اللغة؟
- أليست اللغة قاصرة وعاجزة تجسيد كل ما نفكر فيه؟
-
أولا: تحليل نص موريس ميرلوبونتي
1 – تعريف الفيلسوف موريس ميرلوبونتي:
موريس ميرلوبونتي، فيلسوف فرنسي عاش بين سنتي 1908 و1961م، من أهم ممثلي الاتجاه الفينومينولوجي بعد الفيلسوف إدموند هوسرل. من مؤلفاته نذكر: كتاب المعنى واللامعنى، كتاب العين والفكر.
2 – موقف الفيلسوف
في كتابه فينومينولوجيا الإدراك، يذهب موريس ميرلوبونتي إلى أن اللغة والفكر نفس الشيء، فاللغة جسم الفكر وحضوره في العالم. ليبقى السؤال هو: كيف استطاع ميرلوبونتي تأكيد موقفه، وما الذي اعتمده حتى يقنعنا به؟
انطلق موريس ميرلوبونتي في تأكيد موقفه من نقد المواقف التي اعتبرت الكلام علامة على الفكر، كما يعلن الدخان عن وجود النار، مؤكدا بدل ذلك على أن العلاقة بين الكلام والفكر ليس بالعلاقة الخارجية، بمعنى أن الفكر لا يوجد خارج الكلمات ولا هو منفصل عنها، بل إن كلا منهما متضمن في الآخر، أي أن الفكر يوجد في الكلمات كما أن الكلمات هي الوجود الخارجي للمعنى وللفكر. وفي السياق نفسه يذهب موريس ميرلوبونتي إلى نقد المواقف التي تجعل من الكلام مجرد لباس للفكر، فهو – أي الكلام- في نظره جسمه وصورته المادية، وحجته في ذلك، أننا نتذكر كلمات وجمل على نحو أيسر مما نتذكر أفكارا.
إضافة إلى ما قيل، يؤكد موريس ميرلوبونتي أن الكلمة والكلام ليسا إشارة ودلالة على الفكر، ولا هما لباسه، إنهما حسبه “حضور الفكر داخل العالم المحسوس”، كما أنهما “شعاره أو جسده”.
في السياق ذاته، سياق تأكيد موقفه وتوضيحه، نفى ميرلوبونتي أن يكون الفكر شيئا داخليا، وبالمثل نفى أن يقع خارج العالم والكلمات، مؤكدا على ذلك من خلال عودته إلى انخداعنا بالوجود المستقل للفكر، ليؤكد أن ما يخدعنا، ويجعلنا نؤمن بوجود مستقل للفكر، وبوجود الفكر في ذاته، وفي استقلال عن الكلام، هو الأفكار التي سبق وكوناها وعبرنا عنها، والتي يمكن أن نتذكرها في صمت، فهذه الأفكار هي التي تسقطنا في وهم وجود الحياة الداخلية. ليؤكد أنه حتى في لحظات الصمت، والتي قد يظنها الفرد لحظات غياب الكلمات، فهي في حقيقة الأمر لحظات مليئة بضجيج الكلمات، ومنه يخلص إلى أن هذه الحياة الداخلية ما هي إلى لغة داخلية، مؤكدا على أن الفكر الخالص (المجرد) لا يعدو أن يكون مجرد وعي فارغ.
إضافة إلى ذلك، يقف ميرلوبونتي عند العلاقة القائمة بين القصد الدلالي الجديد والدلالات الموجودة سلفا، لينتهي إلى أن القصد الدلالي الجديد لا يعرف ذاته إلا بالعودة إلى القصد الدلالي الموجود سلفا، والذي هو نتيجة لأفعال تعبيرية سابقا. ومنه، يؤكد على وجود تداخل بين المعاني الجديدة والمعاني القديمة وفق قانون مجهول، يؤدي إلى ظهور كائن ثقافي جديد.
ليختم حديثه عن علاقة الكلام بالفكر بقوله أن الفكر والتعبير يتكونان في نفس الآن، أي أن كلا منهما غير سابق عن الآخر من الناحية الزمنية.
3 – أهمية الموقف وحدوده
لعل ما يكسي موقف الفيلسوف ميرلوبونتي أهمية هو نفسه أهمية اللغة والكلمات بالنسبة للفكر، فلا يمكن أن ننفي أهمية اللغة والكلمات في تشكيل الفكر وتجسيده، من حيث اعتماد الإنسان في تفكيره على اللغة والكلمات والرموز، والقول بأهمية اللغة هو قول بأهمية موقف الفيلسوف الذي أكد بدوره على أهمية اللغة. دون أن ننسى ما قدمه الفيلسوف من حجاج أبرزت بشكل واضح أهمية اللغة وعلاقتها بالفكر والتفكير. لكن، كثير منا عجز ذات يوم عن التعبير عن ما يخالجه من افكار أو مشاعر، وهذا يدفعنا إلى التساؤل: ألا يمكن القول أن اللغة عاجزة عن التعبير عن الفكر؟ ومنه يمكن التساؤل : أليست العلاقة بين اللغة والفكر علاقة انفصال وليست علاقة اتصال واستلزام وتضمن كما اعتقد ميرلوبونتي؟
-
ثانيا: موقف هنري برغسون من علاقة اللغة بالفكر.
1 – تعريف هنري بيرغسون
هنري برغسون، فيلسوف فرنسي معاصر، عاش بين سنتي 1859 و 1941م، من مؤلفاته نذكر: كتاب “التطور الخالق”، كتاب “الضحك”، كتاب “الطاقة الروحية”.
2 – موقف الفيلسوف من علاقة اللغة بالفكر
في موقفه بخصوص العلاقة بين الفكر واللغة، يذهب هنري برغسون إلا عكس ما ذهب إليه ميرلوبونتي، فإذا كان هذا الأخير يرى أن العلاقة بين الفكر واللغة هي علاقة تضمن، وإذا كان يرى أنه لا يمكن الحديث عن تفكير دون لغة، فهنرى برغسون يرى أن اللغة قاصرة عن احتواء الفكر، كما أنها قاصرة عن التعبير عنه. إضافة إلى ذلك فهنري برغسون يؤكد أن اللغة لا تستطيع أن تعبر بعمق عما يجري في الحياة النفسية للفرد، إنها بتعبيره عاجزة على امتلاك الفكر.
ولتأكيد موقفه انطلق برغسون من معطى، وهو أن كل واحد منا يعبر بطريقته الخاصة عن شعوره بالحب وشعوره بالكراهية، وهذا الشعور يعكس طبيعة الشخصية في كليتها، لكن اللغة لا يمكنها أن تعبر عن ذلك الشعور كما هو، ولا يمكن أن تترجمه بشكل كلي وواضح وموضوعي، إذ يحصل في بعض الأحيان أننا نعبر عن مشاعرنا بنفس الكلمات، غير أن تلك الكلمات لا توضح وتبلغ ما نشعر به بالشكل المطلوب. إن برغسون هنا، يريد أن يؤكد أن اللغة بكلماتها لا تستطيع أن تعبر بشكل حقيقي عن الفكر.
في السياق ذاته، يقدم برغسون مثال الكاتب الروائي، ليوضح قصور اللغة وعدم قدرتها على التعبير الكامل عن الفكر. فالكاتب الروائي دائما ما يريد أن يترجم ويعبر عن عواطفه وأفكاره عبر اللغة، كما يريد أن يحول العالم الذي يشتغل عليه (عالم العواطف والأفكار) إلى عالم ذي طابع حي ومتفرد، أي أن يخرجه من الفكر إلى الواقع، لكنه لا يتمكن من ذلك، والسبب هو محدودية اللغة.
لينتهي هنري برغسون إلى أننا لا نستطيع أن نترجم كليا ما نشعر به في نفوسنا، وبالتالي سيظل فكرنا غير قابل للقياس بواسطة اللغة.
3 – أهمية الموقف وحدوه
لا ننكر أهمية موقف برغسون من علاقة اللغة بالفكر، من حيث نقده التصورات التي جعلت من اللغة والفكر نفس الشيء، والتي لم تقف عن الحدود الفاصلة بينهما. إضافة إلا ذلك لا يمكن أن ننكر حيوة الفكر وطابعه الروحي. ويكفي أن ننطلق من عدة وقائع شخصية حتى نتيقن من صواب الموقف وصحته، فكثيرة هي الحالات التي نجد أنفسنا عاجزين عن التعبير عما نفكر فيه أو نشعر به، لا لشيء إلا لأننا لا نجد الكلمات الملائمة التي يمكن من خلالها أن نبلغ ونعبر عما نفكر فيه. وأيضا، فيمكن أن ننطلق من الترجمة، لنتساءل: هل الترجمة تتوفق في جميع الحالات؟ طبعا لا، لأننا لا نجد في لغاتنا ما نعبر به عن لفظ ما أو فكرة ما. هذه العلاقة بين النص المترجم واللغة التي نود أن نترجمه إليها، تشبه علاقة الفكر باللغة، فالنص المترجم هنا هو الفكر واللغة التي نريد أن نترجمه إليها هنا هي اللغة بشكل عام. لكن أليس للغة أية أهمية؟ أليست آلية للتعبير عن الفكر ولو بشكل نسبي؟ ألا يمكن القول أن حتى قولنا بعجز اللغة وقصورها يحتاج لغة؟