تحليل نص فلسفي ضمن مفهوم الشغل – نص ماركس
- مادة الفلسفة
- مستوى الأولى بكالوريا
- صيغة تحليل نص فلسفي
- الأستاذ عبد الصمد البازاوي
الاشتغال على نص “الشغل فاعلية إنسانية” لكارل ماركس
لحظة الفهم
إذا كان الإنسان كائنا واعيا وراغبا واجتماعيا بطبعه، فهو أيضا كائن فاعل وصانع ومبدع، حيث أنه ليس فقط كائنا محتوما تتحكم فيه محدداته واستعداداته الطبيعية، بل هو أيضا ذلك الكائن القادر على استعمال هذه المحددات ذاتها، لتجاوز شرطه الطبيعي وتغيير صورة العالم الذي يعيش فيه، وتتجلى فاعليته الإبداعية على مستوى الطبيعة من خلال سعيه الدائم إلى رسم ذاتيته عليها، والعمل على تغييرها للاستفادة من طاقاتها من خلال مجموعة من الفعاليات والتي من بينها الشغل الذي يعتبر خاصية إنسانية وأهم فاعلية بشرية تدخل الإنسان والطبيعة في علاقة منتجة لقيم نافعة، على اعتبار أن الشغل هو ذلك المجهود العضلي والذهني الذي يبذله الانسان، وهو نشاط ينظمه المجتمع في مهن متميزة عن بعضها، فبواسطته استطاع الإنسان أن يمنح وجوه معنى، من حث هو مجهود متجه نحو الطبيعة وتحويلها لأمور نافعة، ولعل أهم قضية فلسفية ترتبط بمفهوم الشغل هي قضية “الشغل خاصية إنسانية” الذي يطرح مشكلة تتعلق بما إن كان الشغل فعل إنساني خاص أو مشترك بينه وبين الحيوان ، ومنه نتساءل : ما الشغل؟ وبأي معنى يمكن اعتباره فاعلية إنسانية؟ هل الشغل خاصية إنسانية أم حيوانية أيضا؟ وإذا كان يخص الإنسان فما الذي يجعله كذلك؟
لحظة التحليل:
إجابة على التساؤلات الأخيرة المتعلقة بقضية ” الشغل خاصية إنسانية”ـ يذهب النص قيد التحليل والمناقشة إلى تأكيد أطروحة مضمونها أن الشغل يتحدد بوصفه فعل يتم بين الإنسان والطبيعة، حيث يقوم العامل بموجبه بتحويل المواد الطبيعية الأولية، ويضفي عليها صورة انطلاقا من تصوراته العقلية القبلية، وهكذا يتسم الشغل عند الإنسان بطابعه الغائي، حيث يختلف عن العمل عند الحيوان الذي يظل مجرد فعل غريزي، وهذا ما يجعل الشغل فاعلية خاصة بالإنسان وحده، ولتحليل النص عموما والأطروحة خصوصا تحليلا فلسفيا، سنقف عند بنيتها المفاهيمية و الحجاجية، فبخصوص البنية المفاهيمية للأطروحة وللنص، فهي تتشكل بشكل أساسي من مفهوم الشغل باعتباره خاصية إنسانية يتدخل الإنسان من خلاله في الطبيعة ويغيرها، وذلك بمنحها شكلا معينا ويجعلها مفيدة له في حياته، هكذا فالشغل له آثار إيجابية على حياة الإنسان ويتميز بطابعه الغائي، أي أن الإنسان يضع للشغل غايات محددة قبل عملية إنجازه، كما يحقق للفرد الرفاهية في العيش ويحقق له منافع كثيرة، غير أن هذا التأثير يطال الإنسان أيضا، فينمي ملكاته العقلية ويطور سلوكه و يرتقي بذوقه، كما تتشكل أيضا من مفهوم الإنسان باعتباره كائن نوعي واعٍ ومنتج يستطيع تحويل أشيا الطبيعة إلى قيم نافعة، ثم مفهوم الوعي حيث أن الإنسان يفكر بشكل واع ومسبق في كيفية إنجازه لعمله قبل أن يحققه على مستوى الواقع، ويتضح أن جل هذه المفاهيم تترابط فيما بينها، حيث أن الشغل خاصية إنسانية يخضع لوعي وإرادة الإنسان الذي يضع تصورا قبليا للمادة التي يشتغل عليها، ويحدد لها غايات معينة قبل مرحلة إنجازه وجعلها عملا ملموسا، أما بخصوص البنية الحجاجية، والتي ترتبط بالبنية المفاهيمية، فهي جاءت بغاية الإقناع والإثبات، حيث انبنى النص بشكل أساسي على حجة المثال، والتي تدل عليها المؤشرات التالية: “كما يفعل النحل والقندس والنمل …”، ووظيفتها الحجاجية تتجلى في إبراز كون بعض الحيوانات قادرة أيضا على الإنتاج، لكن إنتاجها هو فقط بدافع بيولوجي غريزي، كما ينبني النص أيضا على حجة المقارنة، والتي تدل عليها المؤشرات اللغوية التالية: ” كلي/جزئي، الحيوان لا ينتج إلا بفعل ضغط الحاجة الجسمية / الإنسان لا ينتج إلا حين يكون قد تحرر منها..”، والغاية من هذه الحجة المقارن بين الشغل عند الحيوان وعند الإنسان، واختلاف الدافع إلى الإنتاج بينهما، كما اعتمد صاحب النص على أسلوب التأكيد، والذي تدل عليه المؤشرات اللغوية التالية: ” إن الحيوان لا ينتج إلا ذاته في حين أن الإنسان يعيد إنتاج الطبيعة كلها..” وهنا يؤكد مبدع النص أن الحيوان لا ينتج إلا لذاته بدافع غريزي، في حين أن الإنسان يتدخل في البيعة ويعيد إنتاجها بدافع عقلي واعِ، وخلاصة القول فإن موقف النص يذهب إلى التأكيد على أن الشغل خاصية إنسانية لا حيوانية، حيث أنه من خلال العقل يستطيع الإنسان التخطيط لما يريد الاشتغال عليه، ومن خلال الإرادة يستطيع نقل ما في الأذهان إلى الواقع وجعله أمرا ملموسا.
لحظة المناقشة:
إن الفكر الفلسفي لن يستقيم دون مقاربته مقاربة نقدية والحكم عليه حكما عقليا، وتقييم أطروحاته ومواقفه الفلسفية المختلفة، ونحن نشتغل فلسفيا فإنه لا يكفي أن نقوم فقط بعرض وبسط الأطروحات أو تحليلها، بل لابد أن نبحث في أهمية موقف النص وقيمته، وأيضا حدوده، حيث تتجلى قيمة هذا النص في كونها قيمة فكرية، حيث قام صاحب النص بربط الشغل بالعقل والوعي، من خلال ما يضعه الإنسان من تصورات قبلية للعمل الذي يقوم به، حث أن شرط الشغل هو الوعي، مما يجعله فعلا خاصا بالإنسان وليس الحيوان، هذا الأخير الذي يفتقد لخاصية الوعي وترتبط إنتاجاته فقط بالدافع الغريزي البيولوجي، كما يحمل النص قيمة نفعية تتجلى في البعد الغائي النفعي للشغل، حيث أن الإنسان عندما يخطط للشغل ، فإنه يوجهه إلى ما يجلب له المنفعة، سواء كانت مادية اقتصادية، أو اجتماعية نفسية…، لكن هذا التصور له ما يعيبه، مما يجعلنا نحاول الوقوف عند حدوده، حيث أن اتجاه الإنسان نحو الشغل وتحديد غاياته التي يبحث من خلالها عن ما يجلب له المنفعة، قد يؤدي إلى تقليص موارد الطبيعة، مما سيطرح مشاكل مرتبطة بحدوث ظواهر عدة تهدد استقراره النفسي والاجتماعي، فقلة الموارد حتما ستؤدي إلى الفقر والمجاعات نظرا لسوء التدبير والتخطيط غير المعقلن، كما ان الشغل يؤثر على الجانب النفسي أكثر، كونه يسرق أجمل لحظات حياة الإنسان، حيث نجد مجموعة من العمال يشتغلون أيام الأعياد والمناسبات سواء الوطنية أو الدينية، الثقافية…، هذا ما يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي: هل هذه الأطروحة كافية لمعالجة إشكالية الشغل ما بين اعتباره فعلا إنسانيا أو حيوانيا؟ أليست هناك تصورات فلسفية أخرى تغني النقاش الفلسفي وتقدم حلول أخرى؟
إذا كان صاحب النص يعتبر أن الشغل خاصية إنسانية ترتبط بالوعي والإرادة، فهناك مجموعة من التصورات تتفق معه في الشق الذي يرتبط بكون الشغل فعل إنساني، لكن تختلف معه في التحليل والتصور، حيث يرتبط الشغل بالقيم الإنسانية، بحيث لم يعد مرتبطا فقط بتحقيق الحاجات وحفظ الاستمرارية، بل تجاوز ذلك إلى مستويات أرقى، فقد أصبح مصدرا لسعادة الإنسان وحريته، كما أصبح محددا لهوية الفرد من خلاله ارتباطه بمجتمعه ومساهمته في تنمية وطنه، فالشغل يلعب دور الرابط الاجتماعي، من خلال ذلك يرى “جلبير هوتوا” أن الشغل يعطي قيمة ومعنى لحياة الفرد والمجتمع، كونه يرسخ القيم التي يتأسس عليها الوجود الإنساني، ويمنح الفرد حرية واستقلالية، كما يتيح له التمتع بالحقوق الاجتماعية ما دام خاضعا لواجباته تجاه أفراد مجتمعه، في حين يرى “ميشيل فوكو” أن وعي الإنسان بالخطر الذي يتهدده نتيجة تقلص الموارد وازدياد البشر، كان دافعا أساسيا للاشتغال والبحث عن آليات جديدة لحث الطبيعة على استخراج ما تزخر به من خيرات، وبهذا ازدادت الحاجة إلى العمل بشكل أكبر، ليحقق الإنسان بقاءه ولينتصر على الموت، و من خلال استقراء هذه الأطروحة يبرز الطابع الخاص و المتميز للعمل الانساني الذ ي هو مرادف لتحدي الموت و البحث عن أفاق جديدة تستثمر الطبيعة و تبحث في مكنوناتها من أجل البقاء و الاستمرار و تجنب الفناء .
لحظة التركيب:
خلاصة القول ومجمل الحديث، فإن قضية الشغل ما بين اعتباره فعلا إنسانيا أو مشتركا مع الحيوان، نوقشت من طرف مجموعة من الفلاسفة والمفكرين، ولعل أغلبهم أقر بكونه فعلا إنسانيا ،هذ الفعل الذي نجد من قام بربطه بالملكات العقلية والذهنية التي تتيح التفكير والتخطيط، وهناك من قام بربطه بالقيم التي يكتسبها الإنسان من خلال ممارسته للشغل، كما أن هناك موقفا آخرا اعتبر الشغل فعلا مقاوما ومتحديا للموت من أجل البقاء والاستمرارية، وعلى العموم فمن منظوري الشخصي فالشغل خاصية إنسانية رغم كون بعض الحيوانات تنتج أيضا لكن بدافع غريزي، لكن العقل هو الذي جعل الانسان يتفرد بالشغل، وهنا وجب على الإنسان أن يتسم بالحذر وأن يكون تعامله مع المادة التي يشتغل عليها بالعقلنة وحسن التدبير، لأن التعامل معها بعشوائية قد يؤدي لاستنزاف الطبيعة والتقليص من مواردها، مما يجعل معدل الفقر في العالم مرتفعا، لذا وجب تقنين هذا الفعل الإنساني لتحقيق السعادة والرفاه الاجتماعي.