المرأة في حياة الفلاسفة بين القبول والرفض بقلم هبا عبد الإله يونس الخشاب

م.م : هبا عبد الإله يونس الخشاب / مدرس مساعد / جامعة الموصل – كلية الآداب – قسم الفلسفة

 

            كثيرا ما يقال إن العلاقة بين الفيلسوف والمرأة على مر العصور علاقة سيئة مضطربة ، على خلاف علاقتها بالشاعر ، مثلا أو الفنان بصفة عامة وقد يقال في تفسير هذه العلاقة السيئة : إن الفيلسوف يعمل في حقل المجردات ، ويحلق في سماء المثل في حين أن المرأة تميل إلى الاهتمام  بالمحسوسات والارتباط بأرض الواقع   إلا أن هذا التدبير كان يمكن أن يصدق لو كنا نتحدث عن أرسطو وعلاقته بزوجته ، أما أن يكون رأيه في المرأة بصفة  عامة سيئا بحيث  لا يرى فيها سوى موجود أدنى من الرجل مهمته  في هذه الدنيا خدمته ورعاية أولاده وربما تخليده عن طريق الإنجاب اذ اكد على ضرورة بقاء المرأة على حالها اي دون اية مشاركة في الحياة سوى ذلك ، بل أنه قد استبد بآرائه حتى وصل الناحية البيولوجية وجعل الفضل والإرادة في تكوين الجنين للرجل فقط لا غير ، حيث ارجع خلق الذكور وتكوينهم داخل المرأة للرجل فقط إما المرأة فجعلها مجرد مستودع ينام فيه الجنين ، فالمرأة قد سويت بالعبيد كون الطبيعة قد حكمت بتواجدها لخدمة الرجل ، فلابد لذلك من تفسير  آخر ، وهو خضوع  الفيلسوف في الأعم الأغلب خصوصا يكاد يكون تاما لوضع المرأة الاجتماعي في عصره وربما كان جانب من تفسير هذا الموضوع أنه يشعر بما لهذه الفكرة المتدنية عن المرأة  من نفع ، شأنه شأن الرجل بصفة عامة ، فوضع المرأة في زواية من زوايا المنزل يمكنه من التفرغ لبحوثه المجردة ، وتحليقه في السماء كما يشاء وهي عند أفلاطون إنسان مستقل لا يقل عن الرجل ، ولا تقل معاناة المرأة داخل مجتمع ما قبل أفلاطون اذ كان المجتمع اليوناني مجتمع آلهة وأساطير حيث تم عرض معاناتها في الأساطير الالهية حيث لم تكن امراة الاساطير اوفر حظا من مثيلها في الواقع فلم تحصل على حقوقها وحريتها كاملة كإنسانة مستقلة امام الرجل الذي أعطي كامل الحقوق وكان هو السيد الحاكم بيده كل شيء وقد تمثل ذلك بالإله زيوس والذي عانت زوجته هيرا أشد المعاناة مثلها مثل المرأة في الواقع من دون أي اختلاف وعلية وانطلاقا من هذا الوضع المتدني للمرأة في الواقع راح افلاطون مسننا القوانين التي أخذت تنادي بضرورة تحرير المرأة من قيود المجتمع وجعلها تشارك في امور السياسة والحكم والحراسة ، وقد قوبل بالرفض من قبل المجتمع والفلاسفة الذين جاءوا بعده امثال أرسطو، واستمرت النظرة الدونية للمرأة في العصور الوسطى وبخاصة قوانين ونظريات رجال الكنيسة التي وجهت بوجه عام معادية لها، بل غالت بعض قوانين الكنيسة في إخضاعها فقد ظلت المرأة في نظر القساوسة ورجال الدين كما كانت عند القديس يوحنا شرا لابد منه،وإغواء طبيعيا ، وكارثة مرغوبا فيها، وخطرا منزليا وفتنة مهلكة وشرا عليها طلاء وكانت حواء لا تزال مجسدة في كل مكان فحواء هي التي خسر بها الجنس البشري جنات عدن وهي أداة الشيطان المحببة التي يقود بها الرجال الى الجحيم، وكان توما الأكوينى وهو في العادة رسول الرحمة يتحدث عنها كما يتحدث الرهبان فينزلها من بعض النواحي منزلة الرقيق أن المرأة خاضعة للرجل لضعف طبيعتها والعقلية معا والرجل مبدأ المرأة ومنتهاها ، كما أن الله مبدأ كل شيء ومنتهاه وقد فرض الخضوع على المرأة عملا بقانون الطبيعة ، ويجب على الأبناء أن يحبوا آباءهم أكثر مما يحبون أمهاتهم ، وإذا كان قانون الكنيسة قد أوجب على الزوج حماية زوجته فقد أوجب على الزوجة طاعة زوجها ، قد خلق الله الرجل لا المرأة على صورته هو .. ويتضح من هذا أن الزوجة يجب أن تكون خاضعة لزوجها بل يجب أن تكون له أقرب ما تكون إلى الخادمة، الرجل أعلى من المرأة ، ومن الأمور الثابتة التي لا يمكن أن تتغير : أن مصير المرأة في الحياة خاضع لتأثير الرجل ، ولا سلطان لها على سيدها ، وعصى الإنسان الله بسبب خطأ حواء في الحكم على ماهو خير وهو يحمل الآن وزر هذه الخطيئة الأولى وما حدث في المجتمع المسيحي في العصور الوسطى ما يحدث في المجتمع الإسلامي الآن فعلى الرغم من أن الإسلام العظيم أشاد برجاحة عقل المرأة وقدرتها بل ومهارتها في إدارة دفة الحكم وشؤون الدولة فقد توارى ذلك كله تحت وطأة التقاليد القديمة والأعراف البالية ، استمع إلى القرآن الكريم وهو يروي قصة بلقيس ملكة سبأ لتجد أنه يصورها على أنها إمراة حكيمة تتسم برجاحة العقل و اتزانالحكم فهي لا تنفرد بإتخاذ  القرارات كما يفعل الحاكم الشرقي عادة فهي عندما تكون على وشك إتخاذ قرار أو بحث مشكلة هامة تمس شأنا من شؤون المملكة أو يتوقف عليها مصير الدولة تدعو علية القوم في مجتمعها للتشاور معهم فلما ألقي إليها كتاب سليمان تبين رجاحة عقلها عن مستشاريها الذين بين موقفهم بالاندفاع والتهور وسرعة الانفعال والتلويح في الحال باستخدام القوة في حين راحت هي بعقلها وحكمتها تبحث عن وسيلة آخرى لمواجهة الموقف العصيب بالالتجاء إلى الهدايا أولا هذا ما يقوله القرآن الكريم في آيات لا تحتاج الى شرح ولا تحتمل التأويل فإذا جاء بعد ذلك من يقول : إن جنس الإناث رقيق حساس عاطفي سريع التأثير ينقاد لعوامل الشعور أكثر مما يسترشد بنور العقل ، ولهذا فهو جنس أقل استعدادا للرئاسة من جنس الرجال لأن الرئاسة تستوحي العقل لا الشعور وردا على الذين يحرصون على أصفاء القداسة الدينية في أمر الآيات القرآنية الصريحة الواضحة أيضا التي تجعل من المرأة موجودا أدنى تابعا للرجل ؟ ولكن ماذا تقولون في آيات مثل ” للرجال عليهن درجة ” ” آية 228:  سورة البقرة ” ” الرجال قوامون على النساء “” آية 34: سورة النساء ” فهذه الآيات تتحدث عن علاقة الرجل بالمرأة ( أو بدقة أكبر الزوج بزوجته) داخل الأسرة وهو وضع مختلف أتم الاختلاف عن الحديث عن الرجل والمرأة بصفة عامة أو علاقتهما داخل المجتمع أو الدولة فالآية الأولى مثلا سبقتها آيات تتحدث عن المطلقات ومتى يحل لهن الزواج (آية 227) وتبعتها آيات أخرى تتحدث عن الطلاق أيضا (آية 229) وقل الشيء نفسه في الآية الثانية التي تتحدث هي ذاتها عن الزوجة الناشز وما ينبغي أن يحيق بها من عقاب أو ضرورة تحكيم الأهل للإصلاح بين الزوج وزوجته في حالة الخوف من الفراق ، اذ ليس للمرأة أو الرجل وضعا ثابتا ودائما في جميع مناحي الحياة وبلا شك أن هذا الوضع يختلف باختلاف المجالات المتنوعة ومن ثم  فأن علينا أن نحذر الخلط والذي كثيرا ما يحدث بين مجال الأخلاق ومجال السياسة بين الرجل و المرأة ، وهذه أمثلة قليلة ، وغيرها كثير لحالات تطغى فيها العادات والتقاليد التي ترسخت مع مرور الأيام لتثبت في أذهان الناس دونية المرأة وقصورها ونقص مكانتها ….الخ ثم يأتي رجال الدين ، واللاهوتيون ومن لف لفهم ليضفوا عليها مسحة دينية ولتصبح جزءا لا يتجزأ من التراث الديني ، بل قد يرتفعوا بها لتبلغ حد القداسة ويوصف من ينكرها بأنه كافر مارق ، مع أن الدين منها بريئ.
                                                                        
المصادر :
  • 1.     إمام  عبد الفتاح إمام ، أرسطو والمرأة ،  مؤسسة الاسراء للنشر والتوزيع القاهرة ،  ط1،  1996، 109.
  • 2. زهراء شاكر  الحيدري ،  بحث تحت اشراف د. جميل نعمة  المعلة ، المرأة في فلسفة أفلاطون وأرسطو ، “  دراسة نقدية مقارنة” بحث منشور على الرابط : w.w.w.uokufa.edu.iq                                                                                 

 

  • 3. إمام عبد الفتاح إمام ،  الفيلسوف المسيحي والمرأة ،  مكتبة مدبولي –  القاهرة،  ط1،  1996،   ص 144.

 

إغلاق