المحور الأول التجربة والتجريب
- المادة: مادة الفلسفة
- الفئة المستهدفة: الثانية باكالوريا
- المجزوءة: مجزوءة المعرفة
- المفهوم: مفهوم النظرية والتجربة
- المحور الأول : التجربة والتجريب
محور التجربة والتجريب
تأطير وتقديم المحور
يطرح مفهوم النظرية والتجربة جملة من الإشكالات الفلسفية من بينها الإشكال المرتبط بدور كل من التجربة والتجريب في بناء المعرفة العلمية وصياغة النظريات العلمية، حيث يظهر أن التجربة لها دور أساسي في بناء المعرفة العلمية وفي صياغة النظريات العلمية، لكن الإشكال هو ما نقصده هنا بالتجربة، وإن كانت التجربة بمعنى التجربة الخام القائمة على الحواس أم التجربة بمعنى التجريب بما هو مساءلة واستنطاق للطبيعة. كما أن الحديث عن التجربة والتجريب دفعنا إلى التساؤل عن دور العقل والتأطيرات النظرية. فما هي دلالة كل من التجربة والتجريب؟ وأيهما يكتسي الأهمية في بناء المعرفة العلمية وفي صياغة النظريات العلمية، هل هي التجربة بمعنى التجربة الخام أم هي التجربة بمعنى التتجريب؟ وهل القول بأهمية التجربة نفي لأهمية ودور العقل؟
-
موقف ألكسندر كويري: التجربة الخام لم تلعب إلا دور العائق
يؤكد الرياضي والفيلسوف ومؤرخ العلوم الفرنسي ألكسندر كويري في كتابه “دراسات غاليلية” أن التجربة الخام لم تلعب أي دور في تقدم العلم، وأكثر من ذلك فهي لعبت دور العائق. والمقصود بالتجربة الخام، التجربة القائمة على الملاحظة العامية والتجربة الحسية، والخبرة الذاتية.
ويؤكد ألكسندر كويري مقابل ذلك، أن التجريب بما هو استنطاق ومساءلة للطبيعة، قد لعب دور مهما في نشأة وتقدم العلم.
والمثال الذي يوضح كيف أن التجربة الخام والتي تعتمد على الملاحظة الحسية فقط تؤدي بالعلم إلى الوقوع في الخطأ، هو مثال نظرية مركزية الأرض، حيث كان الإنسان قديما يعتقد أن الأرض هي مركز الكون، لأنه كان يعتقد أن الشمس تتحرك وتدور حول الأرض، وأن الأرض ثابتة لا تتحرك.
لكن كيف يمكن للتجربة بمعنى التجريب بناء المعرفة والنظرية العلمية؟
-
موقف كلود برنار: التجربة هي منطلق بناء النظرية العلمية
في حديثه عن النظرية العلمية، يؤكد الفيزيولوجي الفرنسي كلود برنار على أهمية الوقائع التجريبية، رغم تأكيده على دور الفرض العقلي لتوجيه البحث العلمي، فالتجربة هي المحك لصحة فرض أو خطئه، يقول برنارد: “إن النظرية ليست شيئا آخر عدا الفكرة العلمية المراقبة من طرف التجربة”. وهنا تتضح لنا النزعة التجريبية للعالم الفرنسي كلود برنار.
ويرى كلود برنار أن بناء المعرفة العلمية يتم من خلال المنهج التجريبي، والذي يتشكل من أربع خطوات وهي: أولا الملاحظة: أي ملاحظة واقعة طبيعية… ثانيا الفرضية: أي تقديم إجابة مؤقتة عن السؤال المطروح، قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، ويفترض في الفرضية لتكون علمية أن تكون قابلة للتحقق منها. ثالثا التجربة: بمعنى التجريب، أي إعادة إحداث الواقعة مختبريا أو إحداث للتأكد من صدق أو خطأ الفرضية. رابعا استنتاج القانون: أي استنتاج العلاقات الثابتة المتحكمة في الظاهرة.
لكن هل يمكن إخضاع كل ظواهر الكون إلى التجريب؟ وأليس للعقل دور محوري في بناء المعرفة العلمية؟
-
موقف رونيه طوم: أهمية العقل والخيال في المعرفة العلمية
إن للتجربة بمعنى التجريب دور أساسي في بناء المعرفة العلمية، وبشكل خاص حين يتعلق الأمر بالظواهر المادية، التي يسهل دراستها اعتمادا على التجربة وعلى المنهج التجريبي، وهذا ما يثمن المواقف الفلسفية والعلمية التي أكدت على أهمية التجربة في بناء المعرفة العلمية وفي صياغة النظريات العلمية.
لكن الملاحظ للساحة العلمية في المرحلة المعاصرة سيجد بأن التجربة لا تستطيع لوحدها بناء المعرفة العلمية، خاصة حين يتعلق الأمر بظواهر فيزيائية لا يمكن التجريب عليها، أي لا يمكن إخضاعها للمنهج التجريبي، هذه الظواهر هي الظواهر الميكروفيزيائية (مثل الذرة) والظواهر الماكروفيزيائية (مثل المجرات). هذه الخلاصة جعلت الكثير من الفلاسفة والعلماء ينفتحون على العقل والخيال والتأطيرات النظرية، نذكر منهم على سبيل المثال العالم روني طوم.
لم ينف العالم الرياضي الفرنسي أهمية التجريب، وأهمية الوقائع التجريبية، لكنه يرى أن التجريب العلمي لا يشكل مقوما وحيدا في تفسير الظواهر، بل لابد من اعتبار عنصر الخيال وإدماجه في عملية التجريب، باعتبار أن الخيال تجربة ذهنية تغني الواقع التجريبي. وفي هذا السياق يقول روني طوم: “إن التجريب وحده عاجز عن اكتشاف سبب أو أسباب ظاهرة ما.. ولا يمكن له ليكون علميا وذا مغزى، أن يستغني عن التفكير، والتفكير عملية صعبة تنفلت من كل منهج”. وليؤكد على أهمية البناء النظري، وعلى أهمية العقل والخيال، يقف روني طوم عند مرحلة من مراحل التجريب وهي صياغة الفرضية، حيث لا يمكن الحديث عن فرضية علمية إلا بوجود شكل من أشكال النظرية.
-
خلاصة تركيبية للمحور
تأسيسا على ما سبق، يمكن التأكيد أن التجربة القائمة على الملاحظة الحسية وعلى الخبرة لا يمكن تبني معرفة علمية ولا يمكن أن تكون أساسا لبناء نظريات علمية. لكن التجربة بمعنى التجريب يمكنها بناء المعرفة العلمية ويمكنها أن تكون أساس بناء النظريات العلمية، لأنها تقوم على استنطاق الطبيعة ومساءلتها وإرغامها على البوح بأسرارها. لكن القول بأهمية التجربة لا ينفي أهمية العقل والتأطيرات النظرية والخيال، فللعقل دور اساسي في بناء المعرفة العلمية.