المحور الأول الإدراك الحسي والشعور (مفهوم الوعي واللاوعي)
موضوع الدرس:
المجزوءة | مجزوءة ما الإنسان؟ |
المفهوم | مفهوم الوعي واللاوعي |
المحور الأول | الإدراك الحسي والشعور |
الفئفة المستهدفة | الأولى بكالوريا |
إعداد الأستاذ | مراد الكديوى |
محاور ادرس:
- تأطير إشكالي
- الإشتغال على نص الوعي نشاط عصبي فيزيولوجي لشونجو ص 14
“ما الفرق الأساسي بين الإنسان والحيوان؟ إن أبسط الأجوبة عن هذا السؤال وأعمها وهو أيضا الأكثر شيوعا: إنه الوعي.” فيورباخ
تأطير إشكالي:
عبرت الفلسفة قديما مع ارسطو عن الإنسان بالقول: “الإنسان حيوان ناطق (عاقل)” يكون العقل والوعي خاصيته التي تميزه عن باقي الموجودات التي يكون وجودها وجودا تلقائيا. لذا كان التحديد الماهوي للإنسان ينطلق من خاصية الوعي، وصاحب هذا التحديد انقلاب في بنية السؤال ذاته من السؤال عن الإنسان كمعنى كلي يقال على جميع أفراد النوع الواحد إلى السؤال عن الوعي ذاته باعتباره جوهر هذا الوجود. لكن هذا السؤال سيتخذ منحى فلسفي إشكالي بامتياز خصوصا مع ذلك الجدال بين الخطاب العلمي والفلسفي حول طبيعة الوعي وإمكانية تحديده بين النظرة المادية والنظرة المجردة له. وعموما فيمكننا التعبير عن هذا الجدال بالإشكال التالي: هل يمكننا تحديد مفهوم الوعي بالإحالة إلى التصور العلمي أم أن هذا التحديد أمر صعب بالنظر إلى الطابع الفلسفي للوعي؟
الإشتغال على نص: الوعي نشاط عصبي فيزيولوجي ل”شونجو”. ص:14.
I. مطلب الفهم:
إن السؤال الفلسفي عن الإنسان هو في جوهره سؤال عن خواصه التي تميز وجوده عن باقي أنماط الوجود الأخرى ذلك أنه لا يمكننا وضع تعريف دقيق وشامل له في الآن نفسه كونه معنى كلي يحمل على جميع تمظهرات وجوده. ولعل أولى هاته الخواص هي خاصية الوعي. فالوعي هو المعطى الذي يميز النوع الإنساني ويسمو به عن الموجودات الاخرى ويعطيه سلطانا عليها. إلا أن هذه الخاصية (الوعي) تتخذ بعدا إشكاليا كلما أردنا النفاذ لماهية الوعي وتحديده بدقة. وعموما فيمكن تأطير النص بما هو بحث في إشكالية التحديد (تحديد الوعي) ضمن مجزوءة الإنسان التي تعالج أبعاد الوجود الإنساني وإشكالياته. خصوصا البعد الواعي كبعد ماهوي ذاتي مقوم للوجود الإنساني. بعد يكون إشكاله الأول كامن في بحث مفهوم الوعي بين إمكانية التحديد في الخطاب العلمي عبر ربطه بمفاهيم من قبيل (الدماغ،النشاط العصبي،الخلايا والسيالات العصبية)، وبين عدم إمكانية التحديد بالإحالة إلى الخطاب الفلسفي المجرد. وعموما فيمكن إجمال هذه الجوانب الإشكالية بالتساؤل الإشكالي التالي:
إشكال النص:
هل يمكننا تحديد مفهوم الوعي تحديدا دقيقا عبر العلم من خلال ربطه بالنشاط العصبي. أم أن تحديده أمر متعذر لأن الوعي بالأساس ليس مفهوما ماديا؟
II. مطلب التحليل:
أطروحة النص:
يرى شونجو أن الوعي مفهوم علمي بالأساس بحيث يجب الإبتعاد به عن كل خطاب ادبي أو فلسفي أو لاهوتي. فالوعي يتحدد أساسا كنشاط عصبي مشروط فيزيولوجيا مرتبط بالوظائف العليا للدماغ. حيث تكون فيه الصور العقلية ذات طابع مادي تنعكس في الخلايا والسيالات العصبية.
البنية المفاهيمية (شرح الأطروحة مفهوميا)
يتمثل العنصر الأساسي في أطروحة شونجو في كونه يجعل مفهوم الوعي مفهوم قابل للتحديد من حيث أنه مفهوم مادي مرتبط بالدماغ والنشاط العصبي. وهو ما توضحه البنية المفاهيمية التي ترتكز عليها أطروحته. فمجموع المفاهيم الموظفة في النص تعكس الطابع المادي-العلمي للوعي. وهو ما يمكن أن نوضحه مفهوميا على الشكل التالي:
- ·النشاط العصبي: مجموع العمليات المادية التي يقوم بها الدماغ بحيث يحلل رسائل الخلايا العصبية التي تبلغها السيالة العصبية ويصدر الأوامر بشأنها.
- · الخلايا العصبية: خلايا ذات طبيعة عصبية حسية تستقبل المثيرات الخارجية وترسلها على شكل رسالة تنقلها السيالة العصبية للدماغ.
- · السيالة العصبية: تيار عصبي كهربائي ينقل إشارة من خلية عصبية إلى أخرى تتضمن رسالة.
- · الفيزيولوجيا: علم دراسة وظائف الأعضاء، سواء وظائف الأجسام الحية أو دراسة الوظائف العقلية.
البنية الحجاجية:
ارتكز البناء المنطقي لأطروحة شونجو التي تقر بإمكانية تحديد مفهوم الوعي على بنية حجاجية تشكل الوجه الحجاجي للاطروحة المعلنة والتي يمكن تحديد أبرز عناصرها في الجدول التالي:
الحجة
|
مضمونها
|
وظيفتها
|
الدحض
الشرط المنطقي
التعريف
حجة السلطة
|
_دحض قول الفلاسفة وعلماء اللاهوت حول اعتبار دراسة الوظائف العليا للدماغ من اختصاصهم.
_الطابع الشرطي-اللزومي للنشاط العقلي بالنشاط العصبي.
_ليس النشاط العقلي سوى نشاط عصبي.
_استحضار قول “جاك مونو”
|
_الخروج من الخطاب الأدبي إلى الخطاب العلمي حول الوعي.
_إبراز الطبيعة المادية للنشاط العقلي باعتباره نشاط عصبي.
_الحسم في تعريف الوعي من وجهة علمية.
_تدعيم قول شونجو الذي يكون الوعي فيه معطى مرتبط بعمليات الذهنية للدماغ.
|
III. المناقشة:
قيمة الأطروحة وحدودها:
يكشف مضمون التصور العلمي لمفهوم الوعي مع “شونجو” عن قيمة فلسفية جوهرية تتحدد أساسا في إمكانية تحديد الوعي. فليس الوعي شيئا مجردا يستحيل الإمساك به، إنه مجموعة من العمليات الذهنية ذات الطابع المادي التي ترتد إلى النشاط العصبي. وبذلك فإن مثل هذا التحديد يجنبنا الوقوع في تلك الصعوبات التي تتعلق بتحديد الوعي سواء من حيث الدراسة اللاهوتية أو الفلسفية له. التي تصوره باعتباره مفهوم ينفلت من كل تحديد ماهوي. إن شونجو بتصوره هذا يجعل الوعي أساسا موضوعا للعلم لا يمكن معه تجاهل الحقائق العلمية كحقائق تفسيرية للوعي.
إلا أن مثل هذا التحديد العلمي للوعي بالقدر الذي يكشف عن مساهمة العلم في حل جانب كبير من إشكالية التحديد. إلا انه يفصح عن مجموعة من الحدود التي تقوض الوجود الإنساني من أساسه. فمن جهة يكون التسليم بالقول “الوعي أساسا هو نشاط عصبي مشروط فيزيولوجيا” معناه أن كل مناحي الوجود الفكري والوجداني للإنسان يمكن اختزالها في عمليات مادية ميكانيكية وهذا معناه تقزيم الإنسان وحصره في البعد المادي للوعي بل وتجريده من المشاعر والأحاسيس. وهو من جهة أخرى يفيد أن الفعل الإنساني خالي من كل حرية مادامت مختلف عمليات الوعي ترتبط بالنشاط العصبي وأوامر الدماغ. وأما الصعوبة الأخرى فهي المتمثلة في الإشكال التالي: كيف يمكن للتصور العلمي للوعي باعتباره تصور مادي أن يفسر الوعي من حيث هو أساسا نشاط غير مادي كالتفكير والأحاسيس والمشاعر؟
المناقشة الفلسفية للإشكال:
بالرغم من قيمة المجهود العلمي في الجواب عن إشكالية تحديد الوعي، إلا أن الطبيعة المادية له تحتم علينا المساءلة الفلسفية النقدية لمثل هذا التصور لأن جعل الوعي موضوع مادي مرتبط بعمليات ميكانيكية للدماغ والنشاط العصبي معناه تشييء الإنسان وتقزيم وجوده الوجداني المركب (انفعالات، أحاسيس، مشاعر…). ولعل هذا ما قصده الفيلسوف الإنجليزي “بتراند راسل” حين أقر بصعوبة الإحاطة بمفهوم الوعي وتحديده. فليس الوعي مفهوم بسيط إنه مفهوم غامض ومركب يحتاج لمزيد من الكتابات والنقاشات. وتأتي علة هذه الصعوبة من كونه لا يقال على مجال واحد فهو مفهوم يقال بدلالات متعددة بصعب حصرها وتحديدها بدقة. فهو من جهة يحيل على التفرد الإنساني باعتباره خاصية مميزة له، وهو من جهة يرتبط ارتباطا وثيقا بحالة اليقظة. كما يقال على مجموع الإدراكات وردود الأفعال سواء اتجاه العالم الخارجي أو العالم الداخلي (الإستبطان). وعليه فبتعدد المجالات التي يحمل عليها الوعي يصعب تحديده لأنه لا يرتبط بمجال واحد بعينه كالنشاط العصبي مع “شونجو” ومن تم فإذا كان هذا الأخير يختزل الوعي في العمليات المادية فإن راسل يوسع من مجاله بحيث يشمل جميع الإستجابات اتجاه المثيرات الخارجية كما يشمل أيضا جميع الإنفعالات الوجدانية الداخلية للذات وبذلك فإن كل ما يمكن أن نصل إليه هو تحديدات عامة للوعي دون الإمساك بماهية الوعي بدقة. لكن الكشف عن الطابع المركب للوعي مع “راسل” بالقدر الذي يتجاوز الطابع المادي المختزل للوعي بإعطائه بعدا فلسفيا يصعب معه التحديد بالقدر الذي يكشف عن مأزق فلسفي اخر. وهو إذا كان الوعي الخاصية التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات الأخرى فإن القول بصعوبة تحديد الوعي معناه أن الإنسان عاجز عن معرفة ذاته وفهمها مادام الوعي هو ما يميز وجود الذات.
إن العمل على تجاوز الإشكالات الناتجة عن الإقرار بصعوبة تحديد الوعي هو الأمر الذي عمل الفيلسوف الفرنسي “هنري برغسون” على تجاوزه. فبالرغم من أنه يسير مع “راسل” في نفس المنحى الذي يقر بصعوبة تحديد الوعي. إلا أنه يتجاوز هذا الإشكال حينما ربط بين الوعي بخصائصه الجوهرية. فإذا كان الإمساك بماهية الوعي أمر صعب فإن هذه الصعوبة تتذلل كلما سعينا لتعريف الوعي عبر سماته الأكثر بروزا. وهو ما عمل عليه “برغسون” حين ربط بين الوعي والذاكرة. حيث تكون هذه الأخيرة علامته المميزة، فهي تقوم بحفظ الماضي وخلق التراكم في الحاضر واستباق المستقبل. إن الوعي بهذا المعنى لا يمكن تصوره بدون ذاكرة، لأن الوعي الذي لا يحفظ شيئا من ذاكرته هو وعي معرض للتلف والنسيان. وبذلك يكون الوعي ديمومة زمنية تجد تعبيرها في الذاكرة بحيث تربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
IV. مطلب التركيب:
حاصل القول إن البث الفلسفي في الإنسان هو أمر لا يمكن أن يتم دون سؤال عن الوعي مادام هذا الأخير يشكل ماهيته التي لا يمكن تصوره بدونها. إلا أن البث في الإنسان والإستشكال حوله عبر الوعي سرعان ما يتحول إلى السؤال: ما الوعي؟ وهل يمكن أن نحدده بدقة؟ فالتناول الفلسفي لمشكلة الوعي يكشف عن تصورين على الأقل: تصور علمي يحدد الوعي تحديدا دقيقا برده إلى مجموع العمليات المادية التي ترتبط بالنشاط العصبي والدماغ كما هو الحال مع “شونجو”. وتصور فلسفي يقر بصعوبة تحديد الوعي تحديدا دقيقا والإمساك بماهيته كما هو الحال مع “بتراند راسل” الذي يرى في الوعي مفهوما غامضا غير قابل للتحديد بدقة كونه لا يقال على مجال واحد. نفس هذه الصعوبة نجدها عند الفيلسوف الفرنسي “هنري برغسون” لكنه يعمل على تجاوزها وتحديد الوعي بالذاكرة كسمة مميزة له. إن الثابت في هذه التصورات على الرغم من اختلافاتها الجذرية هو الربط الماهوي بين الوجود الإنساني والوعي سواء كان هذا الوعي قابل أو غير قابل للتحديد. فالوعي أساس الذات، لكن اليس في هذه المطابقة الماهوية بين الإنسان والوعي اختزال لوجوده، ألا يمكن أن نتحدث عن أساس اخر للذات كاللاوعي الذي يكشف عن نفسه كغياب من خلال الأبعاد اللاواعية كالأحلام والنكت وفلتات اللسان…؟