الفلسفة و الأسطورة – كمال أحميش
- عنوان المقال: الفلسفة و الأسطورة
- إعداد: كمال أحميش طالب بالمدرسة العليا للأساتذة الرباط تخصص الفلسفة.
إن علاقة الفلسفة بالأسطورة علاقة معقدة وغامضة،وهو غموض نابع أساسا من ضبابية مفهوم الأسطورة،إذ يتداخل مع الظواهر الدينية والفلكلورية والرموز الحضارية والطقوس الاجتماعية والافعال السحرية الخرافية. غير أن ما يرتبط بموضوع الدراسة هو التركيز على مفهمة الأسطورة فلسفيا وبيان دلالة توظيفها في الفلسفة خاصة مع أفلاطون ، ومدى قوتها حجاجيا. فما هي الأسطورة ؟ و لماذا لجأ إليها أفلاطون؟ وهل الأسطورة أكثر اقناعا من الحجج العقلية؟
إن الاختلاف حاصل بين المفكرين والفلاسفة والمؤرخين في تحديد مفهوم الأسطورة ، ويرجع ذلك أساسا إلى تعقد وتشابك هذا المفهوم مع مصطلحات أنتروبولوجية أخرى. ولعل غموض هذا المفهوم يظهر حينما اراد القديس أوغسطين أن يفصح عن ماهية الأسطورة ، إذ قال :”إني أعرف جيدا ما هي،شرط الا يسألني أحد عنها.”
فالأسطورة من الناحية اللغوية مشتقة من فعل سطر أي تقسيم وتصنيف الأشياء ، فالأسطورة تعني إذا الكلام المسطور المصفوف،ولا يشترط فيها أن تكون مكتوبة لكن بالضرورة أن يكون هذا الكلام منظوم ومحكوم قصد تسهيل حفظه وتداوله بين الناس. أما في اللغة اللاتينية الأسطورة هي إستوار أو إستوريا وتعني التاريخ،ويمكن التأكيد على هذه الدلالة بالعودة إلى مراحل التفكير البشري عند اوغيست كونت،حيث يعتبر أن التفكير الأسطوري هو من الملامح الأولى للتفكير الانساني،وبالتالي فهو يحمل معه الأن تاريخ الحضارات القديمة.
إن هذه الضبابية أنتجت تعاريف عديدة للأسطورة فلسفيا،أهمها تعريف كارل غوستاف الذي يرى أن الأسطورة تنوير لجوانب النفس الانسانية،ويرى فيها ضمان للقيم والمبادئ،فالمجتمع الذي يفقد أساطيره يصيبه الانحلال فيعاني كارثة أخلاقية.أما الفيلسوف الألماني أرنست كاسير يرى أن الأسطورة هي صورة حضارية للغة والفن والدين وإبداع لطاقة إنسانية رمزية. على غرار هذه التعاريف نجد كذلك فراس السواح يعطي للأسطورة تعريفا مميزا ويجعلها تتعالى عن كل ما هو خرافي،حيث يرى أن الأسطورة هي الفضاء والملاد المتاح للانسان القديم ليمارس التأمل والتفكير وبذلك تعتبر نواة الفلسفة.أما كولفورد يرى أن الأسطورة في الفلسفة هي أسطورة معقلنة تحكمها مبادئ عقلية قادرة على تقريب وتصوير النظريات الفلسفية، وخير مثال على ذلك توظيف ألبير كامو الأسطورة لتوضيح عبثية الحياة،وأفلاطون لتوضيح نظريته المثالية وتقريب العالم الأخر. وهنا نتسأل لماذا لجأ أفلاطون للأسطورة؟
إن لجوء أفلاطون للأسطورة لم يكن أمرا عبثيا،بل له دوافعه وأهدافه.ولعل ابرز دافع هو كون الأسطورة قادرة على تبسيط أفكار الفيلسوف،حيث يستعملها أساسا لشرح بعض نظرياته.إن الأسطورة عند أفلاطون بمثابة مثال شارح،فتكون الحاجة إليها ملحة حينما يجد أن أفكاره يستعصي المتلقي على إدراكها.ولم يتوقف دورها عند هذا الحد،بل تعداه إلى صياغة مفاهيمه وإعادة بنائها وتطويرها كمفهوم المثل على سبيل المثال.فالأسطورة عند أفلاطون ليست زخرفة للأسلوب، وإنما هي تبسيط للموضوع وتقريبه للمتلقي وبنائه بناء كامل.كما تعد الأسطورة بديلا للحجج العقلية المنطقية حينما تعجز عن البرهنة عن بعض أفكاره واستدلالاته. فحقائق من قبل أصل العالم،طبيعة الألوهية،أصل النفس البشرية ومصيرها لا يمكن الاستدلال عليها بقواعد و حجج عقلية،لذلك لجأ أفلاطون للأسطورة بوصفها أفضل وسيلة لتقريب حقيقة هذا النوع من القضايا التي لا يمكن إقامة برهان عقلي عليها.
إن الحديث عن البعد الحجاجي للأسطورة يكشف أنها أكثر إقناعا من الحجج العقلية ، فالأسطورة تكون قريبة من المتلقي وبالتالي لها القدرة على تبسيط الموضوع له،كما قلنا سابقا أن الأسطورة تتدخل في حالة قصور وعجز الحجج العقلية،وتتدخل كذلك في المواضيع المتعالية التي لا يمكن الاستدلال عليها ببرهان عقلي. وبالتالي فقوة الأسطورة تتجلى في هذه التوظيفات الإستثنائية التي تجسد قصور الحجج العقلية.
مسك الختام وخلاصة القول يمكن الاقرار بأن الأسطورة بناء عقلي إبداعي رمزي يقرب الظواهر التي يعجز الفكر الخالص عن إيجاد مسلك لها،وتختلف تماما عن الخرافة وباقي المصطلحات الأنتروبولوجية المرتبطة بها.ولجوء أفلاطون إليها له مبررات ودوافع ابرزها التبسيط وتعويض قصور الحجج العقلي،وبذلك تكون الأسطورة في الفلسفة وسيلة لتقريب النظريات المعرفية العالقة والمتعالية للمتلقي.
المراجع:
★الأسطورة…توثيق حضاري-سلسلة عندما نطق السراة-تأليف قسم الدراسات والبحوث في جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية-الطبعة الأولى.
★أفلاطون-سلسة أعلام الفكر العالمي-تأليف غاستون مير-تعريب د.بشارة صارجي.
★اللامعقول في فلسفة أفلاطون-بلعالم عبد القادر.