السلام: الضيف الحاضر/ الغائب ذ. محمد الورداشي
محمد الورداشي كاتب وباحث مغربي له مجموعتان قصصيتان: “حينما يتنكر الوطن لبنيه” (المغرب)، “القرية المهجورة ” (مصر). ومجموعة من المقالات نشرت في جرائد ورقية وإلكترونية داخل المغرب وخارجه.
قرأتُ للتو مقالا معنونا ب”قلما كانت الدموع كاذبة” للدكتور عبد السلام فزازي، في مساق الدعوة إلى السلام، نشر في المنظمة العالمية للسلام التي شعارها: “معا للسلام”. فأيقظ قريحتي لكتابة كلمة حول السلام.
السلام هو الضيف الحاضر/ الغائب، الضيف الذي لم يطب له المقام بين ظهرانينا ليقيم؛
لأنه عزيز ومحبوب، والقيم العزيزة النبيلة لا تقبل المساومة والمزايدة أبدا، ولا تنبث في القفار والأراضي المتحجرة الصلدة، وإنما ملاذها الآمن هو تربة خصبة مكوناتها وعناصرها التعايش والتآخي، والحوار الثقافي الفكري.
قبل سنتين، قرأت كتابا للكاتب الإسلامي سيد قطب، رحمه الله تعالى، عنوانه، إن لم تخنني الذاكرة، الإسلام والسلام العالمي. وقد أجهد فيه نفسه، شأنه شأن كل الكتاب المسلمين الذين كتبوا ويكتبون عن السلام في الإسلام، ليثبت أن الإسلام دين تعايش وسلام ووئام، مستدلا بمجموعة من آي القرآن الكريم وغيرها من الشواهد. وكلنا يعرف أن الأديان الإبراهيمية أتت لتنشر، وإلى جانب توحيد العبادة لله تعالى، قيما إنسانية نبيلة، وتزرعها في نفوس البشرية، وعلى رأسها قيمة السلام والسلم. فإن نحن أقررنا أن الدين الإسلامي، باعتباره آخر الأديان السماوية، لقوله تعالى: “إن الدين عند الله الإسلام”، أقول إن أقررنا أنه دين سلام، فإننا سنتساءل عن حضور السلم والسلام في الحروب والمعارك التي خاضها المسلمون فيما بينهم، مثل موقعة الجمل، وصفين؟ بل كل المعارك الدينية التي خاضتها البشرية جمعاء على غرار الحروب و…؟ أين السلام في حروب البشرية على مر التاريخ؟
يمكننا القول إن السلام فطرة في النفس البشرية؛ لأننا لما نولد لا نحمل بذور الكره والتطاحن في سرائرنا، بل إننا نولد ونحن مفطورون على السلام، مقبلون على الحياة ببراءتنا الشفافة التي لا تحمل نفاقا ولا جشعا، لكن البيئة الاجتماعية والدينية لها دور كبير في تنشئتنا، وظروفنا التاريخية تتحكم هي الأخرى في تسييرنا وتوجيهنا إما إلى السلام وإما غلى الحرب. إذن، نقول إن الطفل لما يولد يكون مؤهلا لأن ينشأ على قيمة السلام والتعايش والاختلاف، أو ينشأ على العنف والإرهاب. ومن ثم، فإننا لا يمكن أن نرسخ السلام في نفوس من نشأوا وترعرعوا على حب السيطرة والجشع، ونبذ الحوار والتنوع الثقافي والفكري والأدلوجي سواء أكان أدلوجيا دينيا أم عقائديا، وإنما يجدر بنا أن نوجه جهودنا إلى التنشئة الاجتماعية حتى يتربى أطفالنا على قيم إنسانية: الحب الإنساني الكوني، والتعايش، والإيمان بالاختلاف والتعدد الحضاري والثقافي، ومعرفة أن الصراع جبلة إنسانية جبلنا عليها منذ فجر التاريخ، وألا سبيل لتدجين هذا الصراع يدون الحوار، وتقبل الآخر على اختلاف معتقده، ولونه، ولغته وفكره، وبهذا سنحقق السلام الذي سيخرج البشرية من ليل حروبها الدامس؛ لأنه بلسمها الوحيد في الآن والمستقبل.
فإلى جانب المؤتمرات المنعقدة حول السلام، والأقلام الفكرية والثقافية التي تدعو إليه وتبين سبله، ومقدرته على تضميد جروح البشرية، أقول رغم كل هذا، فإن جزءا عظيما من جهودنا ينبغي أن ينكب على النشء باعتبارهم أجيالَ المستقبل؛ لأننا نراهن على المستقبل أكثر من الحاضر. ومنه، سنكون مطالبين ببذر السلام في نفوس المتعلمين من خلال تحوير المقررات والمدرسية، والبرامج والفلسفات التربوية حتى تتضمن نصوصا وصورا وأفكارا منفتحة، ومؤسسة على خلفية الحوار الثقافي، ومبدأ التعايش باعتبارها حلولا ناجعة وفعالة لإنقاذ البشرية جمعاء من وباء الحروب والجشع والطمع. والدافع وراء دعوتنا هذه، هو كوننا، أولا، قد لاحظنا من خلال ممارستنا، إقبالَ المتعلمين على النصوص الداعية إلى السلام، وتسابقهم على إنجاز بحوث وعروض حوله، وثانيا؛ لأن فطرتهم الأولى متهيئة وخصبة لنبذر فيها كل القيم الإنسانية النبيلة. لهذا، فإن المعلم الذي يؤمن بقيمة السلام إيمانا راسخا، فإنه سيلجأ إلى كل الوسائل التي ستسعفه في ترسيخ هذه القيمة، وسيكون خير من يبذرها في نفوسهم بناء على ما توفر بين يديه من مقررات منفتحة، ونصوص إنسانية كونية تفوح بالسلم والسلام، وتضرب صفحا عن كل العوارض والاختلافات التي تفرق ولا تجمع، وتشعل جذوة الحرب ولا تخمدها.
ذ. محمد الورداشي