السعادة في الفلسفة
اهتمت الفلسفة بالكثير من القضايا التي تخص الإنسان، من بينها قضية السعادة. فالسعادة تعتبر غاية كل إنسان كما تعتبر غاية الغايات، فنحن لا نطلب السعادة من أجل تحقيق شيء آخر، نل نطلب السعادة لذاتها. وكما قال الفيلسوف بليز باسكال:
يشكل السعي نحو السعادة سبب حركة كل الناس، بما فيهم أولئك الذين يقبلون على الإنتحار.
ويأتي هذا المقال في إطار البحث في العلاقة بين الفلسفة والسعادة، وذلك من خلال كشف دلالات مفهوم الفلسفة ومفهوم السعادة أولا، وكشف تصورات ومواقف وأفكرا الفلاسفة عن السعادة ثانيا.
ما هي الفلسفة؟
تعرف الفلسفة في معناها الاشتقاقي بـ “محبة الحكمة”، فهي مشتقة من كلمة فليا التي تعني “المحبة”، وصوفا التي تعني “الحكمة”. وقد اختلت تعاريف الفلسفة باختلاف الفلاسفة واختلاف نظرياتهم ورؤاهم، فكل فيلسوف يعرف الفلسفة وفقا لوجهة نظره ومرجعيته. ويمكن أن نقول عموما أن الفلسفة هي “البحث النظري والتأملي الذي يتناول مجموعة من القضايا التي تخص الإنسان وتخص وجودها”.
ما هي السعادة؟
للسعادة تعريف ودلالات متعددة، ويمكن أن نقف عند تعريف أندري لالاند، فهو يرى في موسعته الفلسفية أن “السعادة هي حالة من الرضى التام تستأثر بمجامع الوعي، وأنها إرضاء لكل الميول وإشباعها سواء بالتوسع أي الكثرة أو بالأمد أي الديمومة”. إذن فالسعادة تتميز بالقوة والثبات، كما أنها تختلف عن اللذة وأيضا عن الفرح، لأن اللذة تتميز باللحظة، ولأن الفرح يتميز بالحركية.
الفلسفة والسعادة أية علاقة؟
يمكن أن نقول أن العلاقة بين الفلسفة السعادة تتجلى في كونها موضوع للفلسفة والتفكير الفلسفة، وفي كونها موضوعا لاشتغال مجموعة من الفلسفة. وفي هذا السياق سنحاول الاجابة عن السؤال التالي:
كيف نظر الفلاسفة للسعادة؟ وما هي سبل تحقيق السعادة؟
تتعدد إجابات الفلاسفة عن هذا السؤال، فكل فيلسوف نظر إلى موضوع السعادة من وجهة نظره، ووفق مرجعيته الفكرية. وسنق هنا عند تصورات بعض الفلاسفة للسعادة.
السعادة تقتضي كبح الرغبات والتغلب عليها.
يرى مجموعة الفلاسفة أن تحقيق السعادة يتطلب الخضوع للعقل وكبح الشهوات الغرائز. وينطلق هؤلاء من التمييز بين الإنسان والحيوان، فالإنسان يتميز بالعقل والفضيلة والإرادة، أما الحيوان فيخضع لغريزته وطبيعته. ومن بين هؤلاء الفلسفة نجد الفيلسوف والخطيب الروماني سينيكا
يرى سينيكا أن الإنسان السعيد هو الإنسان المدرك للحقيقة والمتحرر من سيطرة الرغبات والأحاسيس والألم والخوف. ومعنى ذلك أن السعادة رهينة بإدراك الإنسان للحقيقة، وبتحرره من سلطة وسيطرة الرغبات والأحاسيس والألم والخوف. إن السعادة وفق تصور سينيكا ترتبط بالعقل والحقيقة والحكم السليم، ومن ثمة فهو ينفي أن ترتبط السعادة بإشباع رغبات الجسد وشهواته. وفي هذا السياق يقيم سينيكا تمييزا بين الإنسان والحيوان، فإذا كان الحيوان لا يستطيع التحرر من سلطة الرغبات، وإذا كان غير عاقل وغير مدرك للحقيقة، فالإنسان متميز عليه بكل ذلك، ولذلك يستطيع تحصيل السعادة.
يقول سينيكا“ فنكونَ سُعداء إذا قبلنا بحاضرِنَا مهما كان وإذا أحببَنَا ما نحن عليه؛ ونكونَ سُعداء أخيرًا عندما نترك للعَقلِ مُهمّةً تدبيرِ جميع ما يتعلّقُ بوجودِنَا”.
إضافة غلى سنيكا نجد الفيلسوف المسلم ابن مسكويه، والذي يرى أن الإنسان السوي هو الذي يتعالى عن الرغبات والشهوات والملذات الحسية. وفي كتابه “تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، نجد ابن مسكويه العامة من الناس، ذلك أنهم الذين يجعلون من اللذات البدنية غاية الغايات وأساس تحقيق السعادة، وبشبههم بالخنازير والخنافس والديدان وخسائس الحيوانات.
إذن فابن مسكويه يرى أن طريقة السعادة، وطريق الكمال، ليس هو طريق الملذات والشهوات والرغبات، بل هو الامتناع عنها ولجمها.
السعادة تقتضي تعقل الرغبات
على خلاف مجموعة من الفلاسفة، نجد الفيلسوف الهولندي يؤكد أن السعادة لا تتطلب الامتناع عن الشهوات والرغبات، بل إخضاعها للعقل. فالرغبة وفق تصور اسبينوزا تشكل ماهية الإنسانية. وقد أكد اسبينوزا أن السعادة تتحصل عبر تعقل الرغبات، وذلك من خلال فهمها ومعرفة حقيقتها وعللها ودوافعها. يقول اسبينوزا “إن لكل إنسان القدرة على فهم نفسه وعواطفه بوضوح وتمييز… وبالتالي فهو يعمل على التقليل من انفعاله بهذه العواطف”..
اللذة والسعادة
في حديثنا عن الفلسفة والسعادة، لابد أن نقف عند تصور فلسفي مختلف شيئا ما عن التصورات السابقة، وهو تصور الفيلسوف أبيقور.
يؤكد أبيقور أن اللذة هي بداية الحياة السعيدة ومنتهاها، وهذا القول تأكيد أن إرضاء الجسد ورغباته ليس سبيلا للشقاء والتعاسة كما ذهب مجموعة من الفلاسفة، وإنما هو أساس الحياة السعيدة، لكن هذا لا يعني أن فلسفة أبيقور تبيح التلذذ والمتعة بشكل لا أخلاقي، بل تؤكد على ضرورة عدم السقوط في الشهوة الحسية والمبتذلة، وعلى ضرورة السلوك وفق الفضيلة ووفق منطق الخير.
وارتباطا بالموضوع يقول أبيقور: “إننا لا نبحث عن أية لذة كانت، بل نحن نتنازل أحيانا عن لذات كثيرة نظرا لما تخلفه من إزعاج…” ومضمون هذا القول أن اللذة وإن كانت أساس الحياة السعيدة، فإن هناك بعض اللذات التي يجب تجنبها والتنازل عنها.
الفلسفة والسعادة، هل يمكن للفلسفة أن تجعلنا سعداء؟
إجابة على سؤال العلاقة بين الفلسفة والسعادة، يمكن أن نؤكد أن الفلسفة قد تكون منبعا للسعادة، خاصة للذين يجدون لذته في البحث وفي استكشاف القضايا التي تخص الإنسان: الحب، الحرية، السياسة، العنف….
لكن السعادة قد تكون سببا في الشقاء، لأنه في أساسها لا تبحث عن إسعاد الناس، وإن تهدف إلى تعرية الواقع، وكشف الحقائق.
ونجد الكثير من الكتب التي عالجة موضوع السعادة من وجهة نظر فلسفية، كما نجد كتبا أخرى تقدم نصائح من صلب الفلسفة.
كتب في الفلسفة والسعادة.
إذا أردت أن تطلع على السعادة من زاوية الفلسفة، وأن تقرأ كتبا فلسفية في موضوع السعادة، فنحن نقترح عليك الكتب التالي:
كتاب الفرح قوة:
كتاب قوة الفرح هو كتاب يعالج موضوع الفرح والسعادة واللذة، ويكشف الاختلاف بينهم. كما أنه يتحدث عن الفرح وحضوره عند الفلاسفة وتصوراتهم حوله وحول السعادة. ويعود الكتاب للكاتب الفيلسوف الفرنسي فريدريك لونوار.
كتاب في السعادة، رسالة فلسفية
كتاب في السعادة، رسالة فلسفية، هو أيضا من تأليف الفيلسوف الفرنسي فريدريك لونوار. ويعالج الكتاب ما يلي:
- لنحب الحياة التي نعيشها
- في حديثة الملذات مع أرسطو وأبيقور
- لنضف المعنى على حياتنا
- فولتير والأحمق السعيد
- هل يتمنى كل كائن بشري أن يكون سعيدا؟
- السعادة ليست من هذا العالم – سقراط، والمسيح، وكانط
- فن أن يكون الفرء نفسه
- شوبنهاور – تكمن السعادة في حساسيتنا
- هل يصنع المال السعادة
- دماغ العواطف
- فن أن نكون متيقظين وأن نحلم
- نحن ما نفكر به
- زمن الحياة
- هل يمكن لنا أن نكون يعداء من دون الآخرين
- عدوى السعادة
- سعادة فردية وسعادة جماعية
- هل يمكن أن يجعلنا البحث عن السعادة تعساء؟
- من الرغبة إلى الضجر: السعادة المتخيلة
- ابتسامة بوذا وإبكتيتوس
- ضحك منتين وتشوانغ تسيو
- فرح اسبينوزا وما أناندا ماي
كتاب الفلسفة طريقة حياة
يحاول الكاتب بيير هادو في كتاب “الفلسفة طريقة حياة”، وكما هو ظاهرة في تقديم المترجم للكتاب، بيان كيف أن الفلسفة ليست فقط تلك الأبنية المذهبية، ولا تلك التجريدات النظرية، منطلقا في تأكيده هذا من نظرة الفلسفة الأولين للفلسفة، وكيف أنهم لم يعتبروها بناء نظريا ولا تجريدا نظريا، بل اعتبروها كفن للعيش، وكطريقة للحياة، وعزاء ومواساة وممارسة علاجية. والدليل على كل ذلك فلسفة سقراط ديوجين وفيرون وابكتيتوس وغيرهم، فقد كان يعتبرون الفلسفة طريقة للحياة، وفنا للعيش.
اقتباسات فلسفية في السعادة
اللذة بذاية الحياة السعادة ومنتهاها (أبيقور)
نكونَ سُعداء إذا قبلنا بحاضرِنَا مهما كان وإذا أحببَنَا ما نحن عليه؛ ونكونَ سُعداء أخيرًا عندما نترك للعَقلِ مُهمّةً تدبيرِ جميع ما يتعلّقُ بوجودِنَ (سينيكا)
علينا التأمل في ما يبعث على السعادة فبحضورها يكون لدينا كل شيء وبغيابها نفعل لامتلاكها أي شيء (أبيقور)
لا تستقيم السعادة من دون اللذة (أرسطو)
من المستحيل أن نكون سعداء لو لم نرد ذلك، لابد إذن أن تتوفر لدينا إرادة وفعل السعادة (آلان)
تكمن السعادة القصوى في شخصية الإنسان (غوتيه)
يشكل السعي نحو السعادة سبب حركة كل الناس، بما فيهم أولئك الذين يقبلون على الإنتحار. (باسكال)