الخيال الفلسفي عند أفلاطون؛ قراءة في محاورة الجمهورية عن المدينة الفاضلة
د. حسام الدين فياض
الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً |
” إن العقل الذي يسمو إلى معرفة الحقائق الأبدية لا يفنى حيث يتداعى الجسد، ذلك لأن البشر إنما يذمون الظلم خوفاً من أن يصبحوا من ضحاياه، لا اشمئزازاً من ارتكابه ” . ” من المستحيل وجود نظام حكم مثالي لأفراد ليسوا مثاليين ” ( أفلاطون).
– المقدمة:
يتحلى الخيال بأهمية كبيرة في الفكر الفلسفي، والإنساني عموماً، حتى ليصدق القول إن الإنسان يتميز بكونه يتخيل. فالخيال هو الَملكَة التي تنقل الإنسان من التعامل مع المُعطى والسائد، إلى التعامل مع المُتشكِّل بإرادة الإنسان وعمله. وهكذا يصبح العالم، مع الخيال، عالماً لنا بعد أن كان عالماً قائماً بذاته، وبعد أن كان خاماً يُصبح واقعاً مفيداً. وهكذا يتجاوز الإنسان عبر الخيال الموضوعية المبالغة، كي يحقق تلك الصلة البينيّة والمتفاعلة بين الذات والموضوع. فيكون كلاهما في حالة ” اعتماد متبادل ” و” تضامن وجودي “.
الفلسفة والعلم وليدا الخيال والعقل معاً، ولولاهما لما ارتقى الإنسان بفكره وعلمه نحو حالة من التطور المتصل. فالتقدم سمة جذرها الحقيقي ينهل من معين التخيّل، ذلك أن كلاً من الفلسفة والعلم قد اصطدما، غير مّرة، بمشكلة حدود المعرفة العقلية، وأحالا الأمر عند كل ” عقبة إبستمولوجية ” على التخيل. وهكذا، تضامن العقلي واللاعقلي، بل والميتاعقلي، كي يشكلوا المعرفة الإنسانية بشقيها الفلسفي والعلمي. حيث يبدو أن للعلم الحديث دوراً في التخيل أكثر من اعتماده على الحواس.
إذا أردنا وضع علم الاجتماع في إطاره الصحيح، فلابد من العودة إلى الماضي ومراجعة ما قاله المفكرون عن مجتمعاتهم، أو عن فكرة المجتمع عموماً. حيث تمثل دراسة تاريخ التفكير الاجتماعي مطلباً مهماً للباحث في علم الاجتماع. إذ ينبغي أن يكون الباحث على وعي تام بتطور هذا التفكير عبر فتراته الزمنية المتعاقبة، حتى يتمكن من فهم تطور الظواهر الاجتماعية المختلفة فهماً سليماً، ذلك أن الظواهر المعاصرة إنما هي نتاج تراكمات كثيرة ومعقدة.
ساهم التفكير الاجتماعي في إنتاج مجموعة من الآراء والتصورات والمعتقدات والمعاني التي صاغها العقل الإنساني حول ذاته، وحول الواقع الاجتماعي والطبيعي، أي حول مجمل الظواهر الاجتماعية والطبيعية المحيطة بالإنسان. وفي حقيقة الأمر، تبدأ الفكرة دائماً مع مصطلح الفلسفة بحد ذاته، الذي يسعى إلى محاولة فهم موقع الإنسان ونتاجه في الكون، وعلاقتهما بسائر أجزاء هذا الكون، فالفلسفة كما هو معروف لنا تتجه لفهم الحقائق الكلية، من خلال ملاحظة الفيلسوف لمجموعة من المبادئ العامة والقيم النهائية لتفسير الحقيقة ككل. أي إنها تبحث في العلل الأولى للأشياء أو الظواهر المختلفة للكون التي تشمل أيضاً الإنسان والمجتمع والحضارة.
بذلك، ينحصر دور الفيلسوف الاجتماعي بطبيعية الحال في تفسير ظواهر المجتمع من خلال هذه المبادئ النهائية، فيتحدث عن غايات الوجود الإنساني والعوامل المكونة للحياة الاجتماعية، والقوانين والتشريعات التي تنظم علاقات الأفراد مع بعضهم البعض في سبيل الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في سبيل إلى بناء أمجاد المجتمعات كما ينبغي أن يكون. مثال ذلك: محاورة الجمهورية لأفلاطون عام 421 ق.م، الذي بشر فيها بالمدينة الفاضلة احتوت على آراء اجتماعية هامة عن المجتمع المثالي الذي يسوده العدل والفضيلة ويشرف عليه الفلاسفة والمفكرون. ثم جاء أرسطو في كتابه السياسة ليناقش مسائل علم الاجتماع، ولكن بشكل غير مستقل، وإنما كمدخل لنظرية الدولة. وفي النهاية، قدم الفارابي كتابيه السياسة المدنية، وآراء أهل المدينة الفاضلة ليناقش مسائل اجتماعية، ولكن مرةً أخرى مختلطة مع الفلسفة، وآرائه فيها ورثها عن أفلاطون وأرسطو إلى حد كبير في سياق فهم إسلامي لها.
إن تاريخ الفكر الاجتماعي لا ينفصل عن تاريخ الفلسفة الاجتماعية، فقد ارتبط علم الاجتماع في نشوئه بالفلسفة، شأنه في ذلك شان بقية العلوم. غير أن هذا الارتباط أخذ يتوضع على مستوى النظرية الاجتماعية، ويتميز في أدوات التحليل وأساليب البحث الاجتماعي، في حين بقي الارتباط وثيقاً بين الفلسفة الاجتماعية والنظرية الاجتماعية.
لا يستطيع علم الاجتماع فهم الواقع فهماً صحيحاً من دون إطار فلسفي يرجع إليه في تجريد الظواهر الاجتماعية والربط بين معطياتها ومعطيات التاريخ والمجتمع، كما أن أي فلسفة اجتماعية تبتعد عن الواقع ولا تستند إليه تصبح ضرباً من التفكير المجرد الذي يصعب امتحانه.
تعتبر الحضارة اليونانية القديمة إحدى المراحل الهامة في تطور الفكر الإنساني بصفة عامة، ويمكن القول باطمئنان إن التفكير الاجتماعي اليوناني وقضاياه يمثل أول تفكير منظم في شؤون الإنسان والمجتمع، حيث جاء هذا الفكر في إطار المذاهب الفلسفية اليونانية الكبرى، وقد كان فكراً غنياً وعميقاً وأصيلاً، وظل مؤثراً في المجتمع الإنساني قروناً طويلة. والحق أن اليونانيين القدماء قد برعوا في كثير من نواحي النشاط الإنساني، وبلغوا شأناً عظيماً في العلوم التأملية القائمة على النظر العقلي المجرد، فبحثوا في كثير من مسائل الفلسفة متحررين من قيود الدين، وصاغوا علماً وفلسفة في الأخلاق توازن بين اللذة والفضيلة، موازنة جدلية. وهنا يجب أن نشير أن هذه المرحلة سميت بـ (المعيارية)* لأن الفكر الاجتماعي كان مهمته على الأغلب خلال هذه المرحلة دراسة حالة الإنسان وعلاقته بغيره ن أفراد البشر ضمن نطاق المجتمع، ليس كما هو متحقق بالفعل في الواقع، وإنما كما (ينبغي) عليه أن يكون. بمعنى آخر، إن الفكر الاجتماعي في نظرته إلى الإنسان والمجتمع كان ينشد حالة معيارية يتطلع إلى تحقيقها. بناءً على ما تقدم سنحاول مناقشة أهم الأفكار الاجتماعية لمحاورة الجمهورية التي جاء بها الفيلسوف اليوناني أفلاطون([1]) (427- 347 ق.م) في تصوره للمدينة الفاضلة.
في حقيقة الأمر، ينطوي الفكر الاجتماعي عند أفلاطون على تحليلات اجتماعية وسياسية بالغة العمق والدقة. ولقد وصل الأمر ببعض المؤرخين إلى اعتبار أفلاطون من أوائل الفلاسفة الذين طرحوا تصورات سوسيولوجية للمجتمع بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة. وقد عبّر عن ذلك الفيلسوف المعاصر النمساوي- الإنكليزي كارل بوبر (1902-1994) المتخصص في فلسفة العلوم حين قال: ” لقد حاول أفلاطون فهم وتفسير عالم اجتماعي متغير، وكانت نتيجة ذلك تأسيس علم اجتماع تاريخي واضح المعالم “. ويعني هذا أن أول بحث مستفيض في الشؤون الاجتماعية عند اليونان، نلقاه في كتابات أفلاطون الذي وصلتنا منها أكثر من ثلاثين محاورة، أشهرها محاورة: الجمهورية ومحاورة القوانين ومحاورة السياسي.
– الفلسفة الاجتماعية عند أفلاطون:
يُنظر إلى الفلسفة الاجتماعية عموماً باعتبارها فرعاً من الفلسفة العامة التي تعنى بدراسة العلاقات الإنسانية والمشكلات الاجتماعية وكيفية تنظيم المجتمع وسلوك الإنسان داخله، هدفها وضع الخطوط العريضة لبناء المجتمع الإنساني (المثالي) وفقاً لتصور ما يعتقد الفيلسوف بأنه ملائم للسياق الاجتماعي الذي يعيش فيه. وعلى العموم تنحصر مجمل الأفكار الفلسفية والاجتماعية التي قدمها أفلاطون لبناء مدينته الفاضلة، فيما يلي:
– المجتمع والدولة عند أفلاطون:
يعتبر أفلاطون من أوائل الفلاسفة الاجتماعيين الذين تناولوا فكرة المجتمع الإنساني بوصفه حقيقة سياسية ذات طابع كلي، وأن فهمها يتطلب الإحاطة بمختلف جوانبها. يرى أفلاطون أن أصل الحكومة التجمع الاجتماعي وهو ناشئ عن عجز الإنسان أن يكفي نفسه، وعن حاجته إلى غيره تكمن في غذائه ولباسه ومسكنه والدفاع عن نفسه. مما يستوجب تعاون الأفراد فيما بينهم لإشباع هذه الحاجات، ونتيجة لهذا التعاون تنشأ الدولة لإشباع حاجات الناس الاقتصادية وتنظيم تبادل الخدمات فيما بينهم، وبذلك يكون أفلاطون قد استبعد فكره السلطة والقوة في نشوء الدولة. وهنا نلاحظ مدى إدراك أفلاطون للضرورة الطبيعية للاجتماع البشري كأصلٍ لنشأة المجتمعات السياسية أو كأصل الدولة. فالدولة لا تنشأ إلا تلبية لتلك الحاجات الفطرية للإنسان الفرد. ومن ثم كان اجتماعه بغيره من البشر مسألة تفرضها ضرورة تلبية هذه الحاجات المادية والمعنوية التي لا يستطيع أن يلبيها بنفسه لنفسه.
– تقسيم العمل عند أفلاطون:
تبنى أفلاطون مبدأ تقسيم العمل وذلك لتفاوت قدرات البشر ومواهبهم، وأن إنتاج الفرد يكون أكثر جودة حين يعمل عملاً يتفق مع استعداده الطبيعي. حاول أفلاطون تقسيم النفس البشرية وقدرات البشر إلى فئات اعتماداً على أسس فلسفية وأخلاقية، وتوصل إلى تقسيم الأنفس إلى ثلاثة أنواع هي:
- النفس العاقلة ومركزها العقل وتختص بفضيلة الحكمة.
- النفس الغضبية ومركزها الصدر والقلب وتختص بفضيلة الشجاعة.
- النفس الشهوانية ومركزها أسفل البطن وتختص بفضيلة العفة.
أما الفضيلة الرابعة وهي العدالة فتتحقق بتقسيم هذه الأنفس التقسيم الصحيح وضمان التوازن بينها وعدم تدخل طبقه في شؤون الطبقة الأخرى. فالمدينة الفاضلة عند أفلاطون هي تلك المدينة التي تمتاز بالفضائل الأربعة الرئيسية وهي: ” الحكمة، والشجاعة، والعفة، والعدالة ” فالمدينة حكيمة بحكامها، مقدامة بجيشها، معتدلة بعفة أهلها، وعادلة حين يقوم كل فرد بالعمل الذي يصلح له، ويوضع الرجل المناسب في المكان المناسب. كما توصل أفلاطون إلى تحديد ثلاث وظائف هامة للدولة يجب تأديتها هي: (إدارة الدولة، حماية الدولة، الإنتاج أي إشباع الحاجات وتبادل الخدمات). بالإضافة إلى ذلك سعى أفلاطون إلى الربط بين وظائف الدولة وطبقات المجتمع فقسم المجتمع إلى ثلاث طبقات هي:
- طبقة الحكام الفلاسفة وتوكل لهم مهمة إدارة الحكم لأنهم يتمتعون بالحكمة.
- طبقة المحاربين، ومهمتهم حماية الدولة والدفاع عنها.
- طبقة أصحاب الحِرف (الصناع والتجار والزراع).
- أما بالنسبة للعبيد فإن أفلاطون لم يصنفهم في أي من الطبقات الثلاث. فقد تركهم خارج هذه الطبقات. وعدهم ” أدوات ناطقة من أدوات الإنتاج “.
وقد أكد أفلاطون بصريح العبارة، أن العبيد واهمون حينما يعتقدون في المساواة، لأن العدالة لا يمكنها أن تكون كذلك أبداً لأن الناس خلقوا غير متساوين بطبعهم. بهذا التقسيم الطبقي حاول أفلاطون بناء دولته المثالية على أساس اقتصادي سليم ومتوازن يقوم على تبادل المنافع بين طبقات الدولة وأفرادها، بحيث يحل هذا التبادل للمنافع – مادية كانت أو معنوية – محل الفردية الأنانية التي يريد كل فرد في إطارها أن يقوم بعمل كل شيء دون أن يتخصص في شيء بعينه فيتقنه.
إن أهم ما يؤخذ على نظرية تقسيم العمل عند أفلاطون هي أن التخصص يكون من حيث الجهد أما المردود فليس به شيء من العدل، بل إن من يقومون بأقسى أنواع الأعمال هم من يحوزون أقل مردود. ثم إن أفلاطون لم يبين الأسس التي يتم بموجبها تقسيم الناس، صحيح أنه ذكر التهيؤ الطبيعي لكل فرد، إلا أنه لم يبين الأسس التي بموجبها تشكل هذه الماهية المسبقة، هل هي نوع من الوراثة أم اصطفاء إلهي أم غير ذلك؟ وعليه أفلاطون لم يمتلك مقياساً حقيقياً يكون تقسيم المجتمع إلى طبقات مسوغاً بالكامل، وهذا ما يؤسس لأمر أخطر بكثير يرتبط بالملوك بادعائهم بأنهم من سلالات ارفع وأرقى من عامة الناس.
– فكرة العدالة عند أفلاطون:
عالج أفلاطون إشكالية العدالة في محاورة الجمهورية التي كتبها في مرحلة الشباب بحيث طرح فيه سؤال ما هي العدالة ؟ ليحاول من خلال هذه المحاورة أن يعطي تعريفاً للعدالة وكيف نبني دولة عادلة أو أفراداً يحبون العدالة. وعلى العموم تعني العدالة عنده أن يجد كل فرد الدور الذي يؤديه وفقاً لاستعداده الطبيعي، وتتحقق فكرة العدالة عنده من خلال التزام كل فرد حدود الطبقة التي ينتمي إليها تبعاً لطبيعته وتكوينه. أي إن العدل حسب التصور الأفلاطوني لا يقوم على المساواة وإنما يقوم على التوازن الطبقي، الذي يمثل نموذج النظام العادل عندما تؤدي كل طبقة مهامها ووظائفها الخاصة حسب استعدادات البشر، لهذا رفض النظم التي سادت عصره وخاصة الديموقراطية الأثينية ومضى يحدد في المدينة المثالية الجديدة الشروط التي تحقق الكمال، من ناحية حتى يتحقق الاستمرار والدوام من ناحية أخرى الأمر الذي يتسنى معه تحقيق العدالة، لذلك تعرض للمجتمع وتنظيمه والدولة ونظامها.
وهكذا نجد أن نظرية العدالة عند أفلاطون تُنبي على الغائية التي تهدف إلى تحقيق الانسجام داخل المدينة من خلال التقسيم الطبقي الذي وضعه ومن خلال التزام كل طبقة بعملها، وفضّل أن يحكم المدينة الأقلية ونخبة الشعب لأن جميع الناس غير مؤهلين للحكم.
– النظام التعليمي:
من أهم العوامل التي ساعدت على تقدم المجتمع اليوناني ورقيه في المجالات الحياتي كافة والمجال التربوي بشكل خاص هو ما امتازت به بلاد اليونان من جو لطيف قليل التغير يبعث النشاط في الإنسان ويساعده على التفكير والإبداع والتصور، فقد حظيت اليونان بنظام تربوي متميز اتخذت فيه شكلاً منظماً كان أساساً لما سارت عليه التربية في العصور اللاحقة وامتازت هذه التربية بكونها تربية أرستقراطية محصورة بفئة قليلة من المجتمع، وفي ضوء هذا العدد المتميز من القلة المفضلة اتسمت التربية بروح التجدد والابتكار وفسح المجال لنمو الشخصية الفردية في الجوانب العلمية والسياسية والخلقية والفنية وكانت غاية التربية عندهم وصول الإنسان إلى الحياة السعيدة والجميلة وذلك عن طريق وصوله إلى الكمال الجسمي والعقلي معاً (حسب المنطلقات الفكرية للمجتمع اليوناني).
وعلى العموم، تنطلق نظرية أفلاطون في التعليم من فكرة أن ” الفضيلة هي المعرفة “، ويرى أن التعليم هو الوسيلة الإيجابية التي يستطيع الحاكم بواسطتها تكييف الطبيعة البشرية وتوجيهها نحو تحقيق مصلحة الفرد والمجتمع وتحقيق الدولة المتجانسة.
تعتبر فلسفة أفلاطون النظام التعليمي فكرة رائعة ولطالما أراد أفلاطون تطبيقها في المجتمع الأثيني. ولا يزال الباحثون يدرسون ويناقشون هذه الفلسفة حتى الآن، لكن المثير للاهتمام هو كيف أثرت فلسفة أفلاطون في التعليم على الكثير من المعتقدات والمبادئ التي يعتمدها المجتمع الحديث. ووفقاً لأفلاطون، إن فلسفة التعليم هي نموذج واسع ومفصل للتعليم في أثينا القديمة، وله العديد من الجوانب والمجالات التي يمكن للعلماء مناقشتها لما لا نهاية. وتتمحور فلسفة التعليم حول هدف واحد وبسيط يتوافق مع فلسفة أفلاطون ككل: من أجل تحقيق الخير يجب على الأفراد والمجتمع بلوغ حالة من الرضا.
يعتقد أفلاطون أننا نحتاج إلى التعليم لمعرفة كيفية العيش بشكل مناسب، ما يعني أنه يجب ألا نكتفي بتعلم الرياضيات والعلوم فقط، بل يجب أن نتعلم أيضاً كيف نكون شجعاناً وعقلانيين ومعتدلين. وعندها سيتمكن الأفراد من عيش حياة مُرضية ويكونوا على أفضل استعداد لها. فتكوين أشخاص أكفاء ومتعلمين سيفيد المجتمع بشكل كبير.
لقد أراد أفلاطون أن يكوّن أفضل قادة محتملين حتى يحقق المجتمع الازدهار والخير، إذ اقترح تدريب الأفراد ليصبحوا ” أوصياء ” كما يصفهم، وهم الأفراد الأكثر ملاءمة لحكم المجتمع (المعروفون باسم ” ملوك الفيلسوف “). وفي الحقيقة، يريد أفلاطون تحقيق رضا الأفراد وتحسين المجتمع من خلال نموذجه التعليمي، وكلاهما يمثلان وسيلة من أجل تحقيق حالة من الرضا. ولكن كيف يقترح أفلاطون تحقيق ذلك؟ تتمثل البداية الجيدة في إدراك مدى تأثر أفكار أفلاطون جزئياً بنظام أسبرطة التعليمي الذي كانت تسيطر عليه الدولة، حيث أراد أفلاطون أن يكون نظام أثينا خاضعاً لسيطرة الدولة أيضاً. ومن هذا المنطلق، ركز مجتمع أسبرطة جهوده على تكوين محاربين لخدمة الدولة من خلال التربية البدنية الصارمة. وعلى الرغم من إعجاب أفلاطون بهذا النموذج، إلا أنه اعتقد أنه يفتقر لمعرفة القراءة والكتابة، لأنه أراد إشراك كل من الجسم والعقل من خلال التعليم.
– النظام الاجتماعي:
اقترح أفلاطون فكرتين في النظام الاجتماعي لاستبعاد تأثير العوامل المحيطة على سمو العقل وأداء الطبقة الحاكمة لمهامها، حيث تنحصر الأولى: في تحريم الملكية الخاصة على الحكام، لكي لا ينشغلوا بملكيتهم عن أداء وظيفتهم. أما الثانية: تنحصر في إلغاء الزواج الفردي الدائم حيث لا يُسمح لهم بممارسة أي عمل، ولا بتكوين ثروات، ولا بتأليف أسر، حيث ينبغي أن يعيشوا في شيوعية كاملة، وإذا وُلِدَ لهم أطفال تأخذهم الدولة، وتقوم بتربيتهم وفق النظام التعليمي السابق، القائم على الانتماء للمجتمع، وليس للأسرة، فيبذلون كل جهدهم لخدمته، والارتقاء به.
ولم يمانع في احتفاظ الطبقة الثالثة (الزراع والصناع) بأسرهم وعائلاتهم وتملك الثروة، سواء أكانت أرضاً أو مالاً أو منازل، شريطة ألا يزيد عدد الأولاد عن العدد المعقول، وأن لا تتجاوز ممتلكاتهم الحد اللازم لمعيشتهم معيشة معتدلة، ومن أجل الحد من الإنجاب، حدد فترة معينة للإنجاب للرجل والمرأة لا ينبغي تجاوزها، فالمرأة تنجب بين العشرين والأربعين، والرجل ينجب بين الثلاثين والخامسة والخمسين، ومن ينجب قبل هذه السن أو بعدها يكون آثماً في حق المجتمع.
– نظام الحكم عند أفلاطون:
عبر أفلاطون عن أفكاره حول نظام الحكم من خلال من خلال محاوراته التالية:
- كتاب الجمهورية: تدور هذه التأملات حول فكرة الجمهورية الفاضلة، وتوصل أفلاطون في نظرته المثالية تلك إلى ضرورة إخضاع كل شيء في الدولة لشخص الحاكم الفيلسوف.
- في كتابه السياسي (وظيفة): توصل إلى أن فكرة الحاكم الفيلسوف التي طرحها في كتابه الجمهورية صعبة المنال إن لم تكن مستحيلة، وسار نحو التمييز بين الحاكم المثالي الفيلسوف وبين رجل الدولة السياسي وتوصل إلى ضرورة وجود القوانين لمساعدة السياسي في الحكم.
- في كتابه القوانين (في تنظيم المدنية): تراجع أفلاطون عن بعض آرائه السابقة في الجمهورية بخصوص حكم الفلاسفة وشيوعية النساء والملكية، وقال: بأنه من المستحيل وجود نظام حكم مثالي لأفراد ليسوا مثاليين، ولذلك اقترح نظاماً يقوم على القانون لمجابهة الحياة الواقعية.
وتوصل أفلاطون في كتابه هذا إلى فكرة الدولة المختلطة التي تقوم على التوازن بين طبقات المجتمع، وتستند علي أساس دستوري قانوني وذلك شريطة أن تضع أحكام هذا الدستور جمهرة من الفلاسفة.
وفي النهاية يمكننا تلخيص أهم الحلول التي اقترحها أفلاطون من خلال محاورته ” الجمهورية “، الذي يعتبر من أعظم كتبه وأروعها وأكثرها خلوداً في الفكر الإنساني، لأنه بمثابة دراسة نقدية للمجتمع القائم في أيامه، أو لـ المدينة – الدولة، أي إنها محاولة معيارية ذات طابع نظري لتشخيص ما يتخللها من عيوب، وهي كالآتي:
- شيوع الجهل.
- عدم مراعاة مبدأ التخصص وتقسيم العمل، الأمر الذي يؤدي إلى قلة ( أو انعدام ) كفاءة القائمين على الأمور في المجتمع.
- الأنانية المسرفة والجشع، الناجمين عن تضارب المصالح الاقتصادية لدي من تولوا إدارة أمور المجتمع.
– وإزاء هذه العيوب، اقترح أفلاطون حسب رأيه العلاج الكفيل بإزالة كل منها واستئصاله:
- أما علاج الجهل فيكون بــــ (المعرفة)، وعلى وجه التخصيص بـــ (المعرفة الفلسفية).
- وعلاج انعدام الكفاءة، يكون بمراعاة مبدأ التخصص وتقسيم العمل، القائم على أساس أن لكل فرد مؤهلاته وقابلياته الطبيعية، التي تؤهله للقيام بوظيفة معينة، وينسحب ذلك على تركيب المجتمع برمته، إذ يكون لكل طبقة اجتماعية وظيفتها التي تتناسب مع مؤهلات أفرادها.
- أما علاج الأنانية المسرفة والجشع، فسيكون، من خلال تغيير نظام الملكية، وبتعبير أدق، من خلال تطبيق مبدأ الشيوعية لاسيما في أوساط الحكام الممسكين بمقاليد أمور المجتمع.
تلك أهم رؤى أفلاطون الاجتماعية بصورة عامة، التي يغلب عليها الطابع الفلسفي، وقد استخدم أفلاطون في تحليلاته خطة منهجية، حيث اعتمد على منهجين رئيسيين: الأول المنهج الفلسفي المرتبط بالقيم المطلقة، والمرتكز على أسلوب الجدل القائم على الحوار والمناقشة. أما المنهج الثاني فهو التاريخي الذي اعتمد عليه في تتبع التطور التاريخي للمجتمع الإنساني، واستقراء التجارب التي مرّت بها الشعوب المختلفة.
– نقد أرسطو لجمهورية أفلاطون:
اهتم أرسطو بنقد صور الحكم الشائعة سواء في الواقع السياسي المعاش أو في الدساتير وصور الحكومات التي تصورها مفكرو عصره. وقد شغل نقده لصورة الدولة المثالية عند أفلاطون سواء في الجمهورية أو في القوانين ثلاثة أبواب كاملة من الكتاب الثاني لكتاب السياسة.
بنى أفلاطون تصوره للدولة المثالية على فكرة محورية وهي فكرة وحدة الدولة وفي سبيل الحفاظ على وحدة الدولة كانت نظريته الشهيرة في الشيوعية بشقيها، شيوعية النساء والأولاد وشيوعية الملكية. ورغم موافقة أرسطو لأفلاطون عموماً على ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة، إلا أنه وجد أن الإجراءات التي اتخذها أفلاطون ليست إلا إجراءات قد تفسد هذه الوحدة أكثر مما تحافظ عليها، فمن جهة الدعوة إلى شيوعية النساء أكد أرسطو أن ستؤدي حتماً إلى حدوث صراعات وشقاقات أكثر مما تؤدي إلى نفع، فهذه الشيوعية سيترتب عليها أن الأبناء هم أبناء الكل، وكل واحد منهم لا يعرف من هو أبوه ولا من هي أمه. ولما كان وجه الشبه بين الآباء والأبناء مسألة طبيعية، فثمة صراع سينشب حينما يبحث الآباء عن أبنائهم، وبين الأبناء في محاولة للبحث عن والديهم. ومن جهة أخرى فإن الجهل بالروابط الأسرية والقانونية لدى الآباء والأبناء سيترتب عليها أصناف من المفاسد، أبرزها شيوع انتهاك الحرمات، وشيوع المشاجرات، كما أن الفاحشة وممارسة الشهوات الجسدية بين العشاق ستكون مباحة في غياب الروابط الأسرية التي ربما تكبح جماح هذه الشهوات بين الإخوة والأخوات والآباء والأمهات. إن كل تلك الموبقات ستشيع في ظل انعدام الرعاية المتبادلة وفي ظل انعدام روابط القرابة وقيود الأسرة.
وقد كان أرسطو على حق تماماً حينما أعلن في ثنايا نقده لآراء أفلاطون حول الشيوعية بشقيها ” للإنسان باعثان كبيران للرحمة والمحبة، وهما الملكية والعواطف. وإنه لا محل لأحد هذين الإحساسين وللآخر في جمهورية أفلاطون “. أما بخصوص شيوعية الملكية فإن أرسطو يرى أن النتائج المترتبة على إلغاء الملكية لن تقضي على فساد أخلاق الناس كما تصور أفلاطون، بل ستزيد المشاحنات والخصومات بينهم، فقد تساءل أرسطو بحق ” أليس يرى في الواقع أن بين الشركاء والملاك على الشيوع في أكثر أحوالهم من الخصومات أكثر مما بين ملاك الأموال على الانفراد “. ومن جانب آخر فإنه في ظل تطبيق الشيوعية ” لا تطاق المعيشة ” على حد تعبير أرسطو، وذلك لأن الملكية فطرة فطر الناس عليها.
على هذا النحو القاطع رفض أرسطو إجراءات أفلاطون التي كان ظاهرها الحفاظ على وحدة الدولة واتضح أنها ربما تؤدي إلى مزيد من التفسخ والصراعات نظراً لأنها في الواقع إجراءات مضادة للطبيعة البشرية. ولم يتوقف نقد أرسطو لأفلاطون عند نقده لنظرية شيوعية النساء والملكية في الجمهورية بل انتقده أيضاً حينما أباح الملكية والزواج في القوانين واعتبر أن الشروط التي حددها للاثنين غير محققة للعدالة وحفلت بالكثير من الأخطاء.
وفي النهاية، يمكننا القول على العموم أن رؤية أفلاطون للمدينة الفاضلة، قدمت تحليلاً عميقاً ومتكاملاً لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع، وذلك في ضوء ما هو كائن بالفعل، فقدم آراء في تقسيم العمل، والزواج، والأسرة، والتعليم، والنظام السياسي والبناء الطبقي (حسب سياق عصره ومتغيرات الواقع الاجتماعي وتفاعلاتها). ويُلاحظ أن ما ذهب إليه أفلاطون كان تصوراً مثالياً حالماً، ” فالبشر محكومون بقوة الخيال “ على حد تعبير الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم، ويدل ذلك على أنه كان فيلسوفاً قديراً، ولم يكن باحثاً اجتماعياً، ذلك أن الباحث الاجتماعي يبدأ من الواقع، وينتهي إليه، يلمس الواقع ومشكلاته، ويحاول أن يقدم فهماً (علمياً) موضوعياً، من أجل حل مشكلات هذا الواقع وتغييره نحو الأفضل.
– المراجع المعتمدة:
1- أفلاطون: المحاورات الكاملة (الجمهورية)، المجلد الأول، ترجمة: شوقي داود تمراز، الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1994.
2- أحمد شمس الدين: أفلاطون سيرته وفلسفة، الأعلام من الفلاسفة، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1990.
3- يوسف كرم: تاريخ الفلسفة اليونانية، مؤسسة هنداوي، القاهرة، بدون طبعة، 2014.
4- سلطاني فاطيمة: العدالة في الفلسفة اليونانية، مجلة متون، المجلد: 15، العدد:2، جامعة مولاي طاهر، سعيدة، 2022.
5- لورنينغ مايند: فلسفة أفلاطون في التعليم وما يمكن أن تعلّمنا إياه حتى اليوم، ترجمة وتحرير: نون بوست، موقع نون بوست، تاريخ النشر 19/07/2019. https://www.noonpost.com/content/28498
6- عبد المنعم الحنفي: المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، مكتبة مدلولي، القاهرة، ط3، 2000.
7- عبد الرحمن بدوي: أفلاطون، وكالة المطبوعات ودار القلم، الكويت وبيروت، ط1، 1979.
8- مفتاح سليمان محمد أبو شحمة: أخلاق الدولة عند افلاطون، مجلة كلية الآداب، العدد: الأول، جامعة مصراتة، ليبيا، سبتمبر 2014.
9- نبيل عبد الحميد عبد الجبار: تاريخ الفكر الاجتماعي، دار دجلة ناشرون وموزعون، ط1، 2009.
10- حسام الدين فياض: ماهية الفلسفة وقضاياها (دراسة تحليلية – نقدية)، الحوار المتمدن، العدد: 7560، 24/03/ 2023. https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=787441
11- زاهر رفاعية: نقد فكرة العدالة عند أفلاطون، موقع الباحثون السوريون، 07/07/ 2014. https://www.syr-res.com/article/2482.html
12- مصطفى النشار: الدولة المثالية بين أفلاطون وأرسطو، مجلة الاستغراب، العدد: 21، كانون الثاني 2021.
13- عماد فوزي شعيبي: الخيال ونقد العلم عند غاستون باشلار، دار طلاس، دمشق، ط1، 1999.
* معياري تعني عموماً ما يتعلق بمقياس تقييمي. المعيارية هي ظاهرة في المجتمعات البشرية تتمثل في وصف بعض الأفعال أو النتائج بأنها جيدة أو مرغوب فيها أو مسموح بها وغيرها بأنها سيئة أو غير مرغوب فيها أو غير مقبولة. المعيار في هذا المعنى المعياري يعني مقياساً لإصدار الأحكام على السلوك أو النتائج أو تقييمها.
([1]) يعتبر أفلاطون أحد الفلاسفة اليونانيين العظام، فهو تلميذ الفيلسوف سقراط، ومعلم الفيلسوف أرسطو، إلى جانب أنه أحد مؤسسي الفلسفة الغربية، وفي النقاط التالية استعراض لبعض جوانب حياة هذا الفيلسوف، الذي مازال إرثه المعرفي والفلسفي حاضراً إلى هذا اليوم، رغم أنه عاش خلال القرن الخامس قبل الميلاد. إن الاسم الحقيقي لأفلاطون هو ارستوقليس وأطلق عليه اسم أفلاطون بسبب سعة جبهته وعظيم بسطته. ولد أفلاطون في العام 427 ق.م، في مدينة أثينا في اليونان، خلال العصر الكلاسيكي اليوناني، لعائلةٍ ثرية (ارستقراطية)، وتذكر بعض المصادر أنه كان الابن الأصغر لوالديه، وأنه لديه أختاً وشقيقان، أما والده، فاسمه أريستون (Ariston)، ووالدته بينكتوني (Perictione)، وقد تتلمذ أفلاطون في نشأته على يد أفضل المعلمين في اليونان، ودرس مختلف المواضيع، بما في ذلك الفلسفة، وقواعد اللغة، والموسيقى، والرياضيات، والرياضة البدنية. وفي سنوات شبابه، تُوفى والد أفلاطون، وتزوجت والدته رجلاً يُدعى فورلامس (Pyrilampes)، حيث نشأ أفلاطون في منزله، وواصل تعليمه هذه المرة تحت إشراف الفيلسوف كراتيلوس (Cratylus)، الذي كان أحد تلاميذ هرقليطس (Heracleitus)، المعروف بكونه أحد فلاسفة عصر ما قبل سقراط، وبرأيه القائل أن النار هي أساس الكون وما نشأ منه. تؤكد بعض المصادر التاريخية أن أفلاطون أصبح صديقاً لسقراط في شبابه، وكان ما ساعد على تعارفهما أن تشارميدس (Charmides)، خال أفلاطون، كان صديقاً مقرباً من سقراط.
أصبح أفلاطون طالباً من طلاب سقراط، وملازماً له، ومع مرور الوقت، ازداد اهتمامه بالفلسفة والتعلم، وقد كان سقراط يتبع أسلوباً في طرح تعاليمه، تبناه أفلاطون لاحقاً ليكون أساسياً في كتاباته، ألا هو قيام سقراط بإجراء نقاشات ومحادثات مع طلابه بخصوص مختلف مواضيع الحياة والسياسة، وبعد ذلك يُفصّلون الموضوع أو المشكلة المطروحة، ويتوصلون إلى نظريات بخصوصها. بين الأعوام 431-404 ق.م، نشبت الحرب البيلوبونيسية بين مدينتي أسبرطة وأثينا، وعلى الرغم من أن أفلاطون في ذلك الوقت أراد مهنة ذات طابعٍ سياسي لا عسكري، إلا أنه انضم للجيش من 409 ق.م إلى 404 ق.م، وبعد انتهاء الحرب، انضم أفلاطون إلى حكومة أثينا التي تأسست عام 404 ق.م بعد سيطرة الأسبارطيون على أثينا، وكان اسم هذه الحكومة الطغاة الثلاثون (Thirty Tyrants) وكان خاله تشارميدس أحد قادتها، لكن أفلاطون لم يُطل البقاء فيها بسبب تبني هذه الحكومة لأعمال العنف. بعد عودة الديمقراطية لمدينة أثينا في العام 403 ق.م، تجددت آمال أفلاطون بدخول مجال السياسة، لكن هذه الآمال سرعان ما تبددت بسبب التجاوزات وغيرها من الأمور غير العادلة أو المقبولة التي رآها في الحياة السياسية في أثينا، وتحديداً في حادثة إعدام معلمه سقراط في العام 399 ق.م، حيث أثرت هذه الواقعة عليه إلى حدٍ كبير، وقرر التخلي عن أي طموحاتٍ لها علاقة بالسياسة في أثينا. بعد واقعة إعدام سقراط بتهمة عدم اعترافهِ بآلهة أثينا وإفساده للشباب في المدينة، سافر أفلاطون لمدة 12 عاماً، حول منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً إلى إيطاليا، وصقلية، ومصر، وغيرها من مناطق شمال إفريقيا، ودرس أفلاطون في رحلته هذه الفلسفة، والرياضيات، والعلوم، وغيرها من أنواع المعارف. وعند بلوغه سن 40، عاد أفلاطون إلى أثينا، وأسس مدرسة سُميت بالأكاديمية (Academy)، وعلّم فيها أفلاطون، إلى جانب مجموعةٍ من العلماء والمثقفين، مواضيع كعلم الفلك، والفلسفة، والرياضيات، والأحياء، وكان من ضمن طلبة أفلاطون في هذه الأكاديمية الفيلسوف أرسطو، الذي درس فيها لقرابة 20 عاماً لا تذكر المصادر الكثير من المعلومات عن وفاة الفيلسوف أفلاطون، إلا أنه توفي في قرابة العام 347 ق.م، في مدينة أثينا، وكان حينها في الـ 80 من عمره، وترجح عدد من المصادر أنه توفي وهو نائم.
د. حسام الدين فياض