الحقيقة بوصفها قيمة -قيمة الحقيقة
المادة: مادة الفلسفة
المجزوءة الثانية: مجزوءة الحقيقة
المفهوم: مفهوم الحقيقة
المحور الثالث: محور الحقيقة بوصفها قيمة
المحور الثالث: الحقيقة بوصفها قيمة
- الإشكال المحوري
- الموقف الأول: موقف كانط “قيمة الحقيقة في ذاتها
- الموقف الثاني: قيمة الحقيقة في المنفعة التي تقدمها
- خلاصة تركيبية للمحور
الإشكال المحوري:
من أين تستمد الحقيقة قيمتها ؟ وما الذي يمنحها قيمة ويجعلها شيئا مرغوبا فيه؟ هل يمنح الحقيقة قيمة هو كونها غاية في ذاتها أم كونها مجرد وسيلة؟ بتعبير آخر، هل ما يمنح الحقيقة قيمة هو الحقيقية ذاتها، أم أن ما يمنحها قيمة هو ما تحققه من نفع وفائدة؟
الموقف الأول: إيمانويل كانط “الحقيقة غاية في ذاتها”
يرى الفيلسوف الالماني رائد الفلسفة الأخلاقية إيمانويل كانط، أن الحقيقة كقيمة هي غاية في ذاتها، وهذه الغاية تكمن في قول الصدق لذاته، وليس من لأجل أغراض عملية نفعية. إن كانط هنا يرفض أن يكون قول الصدق واجبا مشروطا، ويؤكد أنه يجب أن يكون واجبا مطلقا، لا يخضع لأي غايات خارجية نفعية. من هنا يظهر كيف أن كانط يرى أنه لا وجود لحالات استثنائية يجوز فيها الكذب، حتى وإن أضر صدقنا بنا أو بغيرنا.
إن قول الصدق وفق تصور كانط هو واجب أخلاقي، إذ يقول: “قول الحقيقة واجب أخلاقي”. أكثر من ذلك يرى كانط أن ” قول الحقيقة واجب يتعين اعتباره بمثابة أساس وقاعدة لكل الواجبات”.
أهمية الموقف:
تتجلى أهمية الموقف في تأكيده على ضرورة قول الصدق والحقيقة، باعتباره واجبا أخلاقيا، وهكذا يمكن القول أن للموقف قيمة ذات بعد أخلاقي. إضافة إلى ذلك، فتجريد الحقيقة من كل منفعة، يجعلها غاية في ذاتها، ويجعلها أمرا مطلقا، وليس مجرد حقيقة نسبية تتغير بتغير المنفعة والمصلحة وتتعدد بتعددها. لكن، ألا يمكن القول، أن ربط الحقيقة بالمنفعة يجعلها أكثر حيوية وأكثر نفعا، ولا يبقيها مجرد حقيقة مجردة ومتعالية عن الواقع؟
الموقف الثاني: وليام جيمس “قيمة الحقيقة في المنفعة التي تقدمها”
يؤكد وليام جميس الفيلسوف الأمريكي رائد الفلسفة البراغماتية، في كتابه البراغماتية La Pragmatisme ، على أن الحقيقة لا تكتسي قيمة إلا إذا حققت منفعة سواء على المستوى النظري أو العملي. وهكذا فالحقيقة من وجهة نظر الفلسفة البراغماتية تبقى مجرد وسيلة تتحقق من ورائها أغراض عملية وليست غاية في ذاتها. وهكذا فامتلاك الإنسان لأفكار صحيحة، يعنى امتلاكه لأدوات ثمينة تسمح له بالقيام بأعمال ذات مردودية وإنتاج خصب، كما أن التجربة تتيح للصدق فرصة التمتع بما في الواقع من حيوية وثراء.
وهكذا فالحقيقة تستمد مبررها وقيمتها من النتائج الممتازة التي يجنيها الإنسان من وراءها، أما كون الحقيقة واجبا أخلاقيا ينشد لذاته، فهو مجرد تصور لفظي فارغ لا معنى له.
أهمية الموقف:
تتجلى أهمية الموقف النفعي البراغماتي في بحثه عن الأثر والنفع الذي يمكن أن ينتج عن الحقيقة. وبهذا لن تبقى الحقائق مجرد تصورات نظرية مجردة لا نفع لها ولا فائدة يجنيها الإنسان من خلالها. لكن، ألا يمكن القول أن ربط الحقيقة بالمنفعة والمصلحة يجعلها مجرد حقيقة نسبية تتغير بتغير المصلحة والمنفعة؟ وألا يمكن القول، أن ربط الحقيقة بالمنفعة سيؤدي إلى تزييف وتشويه الحقيقة؟
خلاصة تركيبية للمحور
حاصل القول، أن الحديث عن الحقيقة بوصفها قيمة، حديث عن ما يجعل الحقيقة ذات أهمية، وما يجعلها أمرا مرغوبا فيه. وقد توضح لنا من خلال ما سبق، أن الحقيقة قد تجد قيمتها في ذاتها، ما يجعلها غاية مطلوبة لذاتها، دون النظر إلى ما يترتب عنها من نفع أو فائدة. وقد تجد قيمتها في ما تحققه من نفع وفائدة، وهنا تظهر الحقيقة كمجرد وسيلة. وهكذا يمكن القول، أن الخطاب الفلسفي قد عالج قضية الحقيقة من أوجه منتعددة، ومن زوايا مختلفة، ولم يقارب قضية الحقيقة من بعد واحد ووحيد. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على تعقد الموضوع من جهة أولى، وعلى رحابة الفكر الفلسفي وحيويته من جهة ثانية. ويمكن أن نؤكد في الأخير، أن مبدأ التفلسف يقتضي النظر إلى الحقيقة كغاية في ذاتها، وبالتالي لا يجب إخضاعها لأية غايات نفعية سواء كانت سياسية أو إيديولوجية…
ويمكن أن نختم حديثنا وبحثنا هذا بالقول التالي، والذي يوضح كيف أن إدراك الحقيقة ليس بالأمر السهل:
يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في انتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها
دروس ذات صلة
مفهوم الحقيقة: محور الرأي والحقيقة
مفهوم الحقيقة: محور معايير الحقيقة