التمدرس بالمجتمع القروي الفلاحي أنموذجا بالجماعة الترابية عبد الغاية السواحل بإقليم الحسيمة
نورالدين البحار / الحسيمة / المغرب
يعد المستوى التعليمي من أهم المستويات المحددة للتغير الاجتماعي لأن المستويات الأخرى التي نقيس من خلالها التغير خاصة المستوى الاقتصادي والمستوى السياسي تخضع لمتغيرات ترتبط بفئات عمرية وسوسيو – اقتصادية، مما يجعل التغير يشمل فئة دون أخرى.أما داخل النسق الثقافي فيمكن ملاحظة التغير رغم التمايزات الاجتماعية والفئوية. إن القابل للملاحظة داخل النسق الثقافي يرتبط بنسق فرعي داخل هذا النسق التعليمي بما يحتويه من معطيات ومؤشرات خاصة بالتمدرس في الوسط القروي “[1]. إذا كانت نتائج التحديث الزراعي تختلف من حيث اثارها على الدخل الفلاحي وعلاقة الفلاحين بالأرض كمالكين أو مكترين أو فلاحين بدون أرض أو من حيث مزاولة أنشطة أخرى أو الحصول على إعانات من أقارب، فإنه بالنسبة لمستوى التمدرس يتعين على مستوى المنطق الافتراضي أن يؤدي التحديث الزراعي إلى ارتفاعها بالوسط القروي لتوفر عوامل مختلفة أهمها ارتفاع دخل الفلاح مما يمكنه من تدريس الأبناء، إنشاء شبكة طرق ومسالك تسهل تنقل الأطفال المتمدرسين بعد ظهور مؤسسات مدرسية جديدة.
شكل ارتفاع نسبة التمدرس بالمجتمع القروي موضوع رهان بالنسبة للنخبة السياسية المحتكرة لسلطة القرار المؤثر في كل أنساق وشبكات النسق التعليمي، كما كانت الأمية المرتفعة موضوعا خصبا لمضاربات فيما بين الخطابات الإديولوجية للنخب السياسية التي صاغت رهاناتها الموضوعية واستثمرت مسألة تعميم التعليم بعد سنة 1956. فهل تحقق ارتفاع في نسبة تمدرس القرويين؟ وهل استفاد الفلاح بمناطق الزراعة السقوية من ريع { الرش } كحافز يدفعه لولوج المدرسة أكثر من الفلاح بمناطق الزراعة البورية؟
أ- التمدرس بالمجتمع القروي الفلاحي
تتضمن الإحصائيات الرسمية الخاصة بنسب التمدرس تناقضا يتأرجح بين الارتفاع ثم الانخفاض مقارنة بين عقدي الستينات والسبعينات، فإذا كان النصف الأول من الستينات قد عرف تدفق أعداد كبيرة من الأطفال المتمدرسين كحاجة اجتماعية للاستقلال عن نسق استعماري تأرجح بين التوفيق بين الثقافة الفرنسية والثقافة العربية من جهة واحتواء الثقافة المحلية من جهة أخرى “[2]. فإن الطلب الاجتماعي على المؤسسة التعليمية سيتقلص كنتيجة لقرار السلطات السياسية في أوائل غشت 1965 تطبيق { المذهب التعليمي الجديد } الذي كان يهدف إلى الحد من تدفق الأطفال في سن التمدرس وحصرهم في معدل سنوي لا يتجاوز 36.000″[3]. بينما في بداية القرن الواحد والعشرين سترتفع بشكل نسبي معدلات التمدرس التي لم تتناسب مع الطلب الإجتماعي المتزايد على المؤسسة التعليمية.
” إن معدل التمدرس في المستوى الإبتدائي بلغ سنة 2000 84,6 بالمئة، مقابل 99,5 بالمئة سنة 2013، ليبلغ ذات المعدل في التعليم الإعدادي حوالي 60,3 بالمئة سنة 2000، لتصل النسبة إلى حدود 87,6 السنة الدراسية الفارطة. بدوره، سجل التعليم على مستوى الثانويات ارتفاعا ملحوظا، حيث ارتفع المعدل من 37,2 بالمئة سنة 2000، إلى 61,1 بالمئة في 2013.
وأضافت ذات الوثيقة، أن سنة 2013 عرفت متابعة 745 ألفا 991g تلميذا للدراسة بالمستوى التمهيدي المخصص للفئات العمرية الصغيرة تمهيدا لالتحاقهم بالتعليم الابتدائي، في 24 ألف 358g “
في بداية أواخر القرن العشرين في المجتمع القروي المدروس بعوائقه، وأعطابه الكثيرة يحول دون تشجيع الفتاة على التمدرس وبدفع الاباء في حالات كثيرة إلى سحب بناتهن، وقد يساهم الفقر أيضا اضطراب العائدات الأسرية في تعميق منطق الأفضلية لصالح الطفل الذكر، وإقصاء الأنثى من التعليم، لتجد مكانها داخل الأعمال المنزلية أو خارج البيت، فالفتاة القروية رغم كل شيء كيد عاملة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها سواء في الحقل أو البيت.
وهو ما يقود الأباء إلى عدم إرسال بناتهن إلى المدارس، لأنهم يفعلهن ذلك يستفدون قوة عاملة كان بإمكانهم استثمارها، ومن جهة اخرى تتدخل لعبة القيام في سحب الفتاة من الدراسة أن مصيرها الزواج.
ومن بين الأسباب التي يمكن أن نقر بها الانتشار الثقافي في المجتمع بأسره الذي تكون فيه المدينة مركز الإشعاع بالنسبة للقرية ومن البديهي أن تزايد الاتصال بين القرية والمدينة ساهم بشكل كبير في عملية التغير بحيث أن اطلاع القرويون على نماذج أخرى من الحياة خاصة احتكاكهم ببعض الموظفين لقضاء مصالحهم جعلهم يحسون بقيمة التعليم التي ستأثر في نظرتهم المستقبلية خاصة اعتقادهم بامكانية جعل أبنائهم مثل هولاء ” الموظفين ” بمجرد إرسالهم إلى المدرسة، أما العامل الثاني فهو مرتبط بالقوانين الالزامية التي أحدتثها الدولة بحيث ساهمت بشكل كبير في هذا الاتجاه خاصة وأن مجانية التعليم شجعت القرويون على ارسال أبنائهم إلى المدارس.
ففي السنوات الأخيرة تغيرات نظرة الفلاحين في قرار سحب بناتهن من المدرسة، ففي أواخر شهر يونيو أو بداية شتنبر يذهب الأب إلى المدرسة مصحوبا بالحالة المدنية قصد تسجيل إبنته لكي تتابع دراستها وعندما تصل إلى المستوى السادس وحصولها على شهادة الإبتدائية مباشرة تلتحق بالثانوية الإعدادية إكاون من أجل متابعة دراستها فالسبب الرئيسي متابعة الفتاة القروية دراستها هي مقاربة تعليمية بحيث وزارة التربية الوطنية التي أحدثت مؤسسة الثانوية الإعدادية بالجماعة الترابية وكذلك مؤسسة التنمية الأقاليم الشمالية التي شجعت النقل المدرسي لمجتمع القروي ولهذه الأخيرة أصبحت الفتاة تغادر المجتمع القروي لمتابعة دراستها بمختلف المدن المملكة المغربية الرباط، تطوان، طنجة، وجدة، فاس…الخ.
المراجع
[1] – محمد سلام شكري، علم الاجتماع بين النظرية والممارسة المجتمع القروي والتغير المركب، منشورات مختبر سوسيولوجيا التنمية الاجتماعية ، كلية الاداب ظهر المهراز،مطبعة سيباما. ص75.
[1] – محمد سلام شكري، نفس المرجع السابق، ص 76.