التشوه الثقافي – عبدالله الهواري

عبد الله الهواري

قيل ان العقول ثلاث مستويات ، عقول صغرى تناقش احوال الناس وعقول متوسطة تناقش الأحداث وعقول كبرى تناقش الأفكار ، ما يلاحظ مؤخرا هو هيمنة العقول الصغرى المتخصصة في إثارة  سفاسف المواضيع، تضاعفت هذه العقول اطراديا ، لأنها   تحظى بقاعدة جماهرية عريضة ، تتابع مواضيع على غرار  ، خيانة زوجية  ، استفزاز ديني ،  جدل عقيم ، رد فلان على غلان ،.

إذا نظرنا إلى هذا الكم الهائل  من السخافات التي  تتعاظم مع مرور الوقت بسبب ارتباط انتاجها ببراغماتية ريع الربح المريح  والسريع ، باستحضار الأدبيات الماركسية التي تحللها كظواهر اجتماعية ، سنعرف لماذا كارل ماركس ، اعتبر أن الثقافة والتعبير والفنون هي بنية فوقية معبرة لما يوجد في البنية الإجتماعية التحتية ، وبنيتنا الإجتماعية التحتية  هي بنية محتضنة للبؤس الديموغرافي والتزاحم السكاني والفوبيا من كل شيء  و المعاناة من الفقر الفكري والمادي ، وهنا يمكن ان نستخلص أننا بصدد تشكل  بنية ثقافية مشوهة مساهمة إلى حد ما في تكريس الحضيض ، لاسيما قبالة تعليم فاشل وافلاس الكتاب والكتاب .
لا تحتمل الطبيعة  العقلية الاجتماعية  الفراغ ، فإما أن نملأها بثقافة مدنية واعية ومسؤولة أو  نتركها تصنع الجهل المركب وتعيد إنتاجه بشتى الطرق  .
كتب المفكر الجابري عن أزمة العقل العربي والتي هي أزمة ممتدة منذ عصر ابن خلدون وابن  رشد ، إلى ما بعد الامبريالية والحداثة  ، حيث  غابت  صياغة النظريات الاجتماعية  الذاتية المعبرة عن واقعنا  ، وتم الاكتفاء  باستهلاك النظريات الفلسفية الغربية وتطبيقها بمنهجية نسخ ولصق ، بسبب محدودية الكتابة والقراءة ،   مما اسقطنا في دورة الحلقات المفرغة ، نفس الأخطاء ، نفس الأزمة ، نفس المعاناة المتوارثة ، حتى أن بعض الدول رفعت  شعار تحدي القراءة لكي تنقذ ما يمكن انقاذه ،  ولجأت إلى فرض بعض الروايات  في المقرر المدرسي حتى يتم رد بعض الاعتبار للكاتب  أمام سياسة التجاهل ، حالة  الكاتب محمد زفزاف وروايته محاولة العيش. 
قد يظهر بعض الأفراد الإنتلجانسيين ذو رؤية فكرية  إجتماعية متبصرة للواقع وللمستقبل ، لكن عدم وجود التفاعل يئد مبادراتهم في مهدها ، مما يكبح التيارات العقلانية الإنسانية أمام سريان التيارات العشوائية  المساهمة في افلاس   القيم الجمالية والانسانية ولأخلاقية .

إغلاق