محور الفلسفة و القيم – مجزوءة الفلسفة – ذ. مراد الكديوى
موضوع الدرس
- الفئة المستهدفة: الجذع مشترك
- المجزوءة: مجزوءة الفلسفة
- المحور: محور الفلسفة والقيم
- إعداد: الأستاذ مراد الكديوى
أهداف درس الفلسفة والقيم:
- إدراك البعد القيمي للفلسفة
- إدراك علاقة الفلسفة بالقيم
- التعريف على قيمتي السلام والحب
محاور الدرس:
- الفلسفة والقيم :مدخل عام
- أولا: من أجل سلام دائم
- ثانيا: الفلسفة والحب
الفلسفة والقيم: مدخل عام
يشكل التفكير في القيم إحدى المهام الأساسية للفلسفة كخطاب وللفيلسوف كمنتج لهذا الخطاب. فليست الفلسفة منفصلة عن مشاكل الحياة اليومية وأزمة القيم فيها كما يزعم البعض بحجة انها مغرقة في التأمل والتجريد، لأنه حتى في أكثر الفلسفات تجريدا ومثالية نجد فيها انشغالا بالحياة الإنسانية في أبعادها الأخلاقية والسياسية والجمالية…والعلة فيها بينة. فليس الفيلسوف متعاليا يقطن في برج عاجي خاص به بل هو يسكن الموطن نفسه ويعاني الإشكالات نفسها التي يعانيها باقي الناس. وبذلك تكون الفلسفة هي خطاب قيمي أو اضفاء للطابع القيمي على الحياة الإنسانية، ولقد كانت هذه المهمة ولا زالت الأساس الفلسفي قديمه وحديثه كونها ترتبط بشخصية الفيلسوف وبإلتزامه الفكري تجاه القيم الإنسانية وعليه نضع التساؤلات التالية:
- ما علاقة الفلسفة والفيلسوف بالقيم؟
- كيف يمكن للفيلسوف أن ينتج خطابا قيميا حول المشاكل الإنسانية في حين أن تفكيره ذو طبيعة تأملية؟
- ماهي القيم التي تثير اهتمام الفيلسوف ويدعو إليها؟
محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات هو موضوع حديثنا عن التزام الفيلسوف اتجاه القضايا الجوهرية الإنسانية في قيمها الكونية كالسلام ونبذ الحرب الحب. هو موضوع الحديث في المقطعين التاليين:
أولا: من أجل سلام دائم
لطالما ساد الإعتقاد بأنه لا وجود للسلام إلا بين الموتى أما الأحياء فهم محكومون بمنطق الصراع والحرب، فالحرب هي من ترفع قدر البعض وتحط من قدر البعض الآخر وبالتعبير الهيراقليطي “الحرب أم الأشياء جميعها” غير ان مثل هذا الواقع يجعل الإنسان يعاني من أخيه الإنسان. ومن تم فإن وضع السؤال على الحرب يجعلنا نضع هذه القيمة موضع نقد خصوصا مع انتفاء المبررات للجوء الإنسان لهذه الوسيلة التي يقتل فيها الإنسان أخاه في النوع، وعليه لم تكن الحرب قيمة اخلاقية لإفتقادها التبريرات التي تثبت بها نفسها. وهنا يأتي الخطاب القيمي للفيلسوف عبر تأسيس قيم كونية تكفل استمرار النوع البشري وأقصد بذلك السلام الذي شكل إحدى الإهتمامات الفلسفية للفيلسوف الألماني “ايمانويل كانط“.
تحليل نص إيمانويل كانط ص 57
تعريف الفيلسوف إيمانويل كانط
إيمانويل كانط (1742-1804) فيلسوف ألماني تعرف فلسفته بالمثالية الترونسدونطالية التي تربط عجلة الوجود بالفكر استأثر تفكيره بمجموعة من الموضوعات كالمعرفة والدين والأخلاق والسلام… عديد من المؤلفات من قبيل: نقد العقل الخالص./ نقد العقل العملي./ نقد ملكة الحكم./ الدين في حدود مجرد العقل./ نحو سلام دائم.
البنية المفاهيمية
السلام: نقيض الحرب وهو حالة من الهدنة والتعايش والسلم بين أفراد أو جماعات أو دول لا يتم فيها اللجوء للعنف والسلاح وبالتالي القتل.
الحرب: حالة من عدم الإستقرار والصراع بين أطراف متصارعة (دول،تكتلات إقليمية أو عالمية) تقوم على استخدام جميع الوسائل الممكنة للإنتصار.
الدولة: وحدة قانونية لها سلطة وسيادة وشخصية معنوية تربط الحاكمين بالمحكومين في رقعة جغرافية محددة بينهم روابط مشتركة.
حالة الطبيعة: مفهوم ارتبط بفلاسفة العقد الإجتماعي وهي عبارة عن حالة افتراضية تفسر نشأة الدولة. كان الإنسان فيها يتمتع بحريته بشكل مطلق غير أن الخوف والرغبة في تأمين حياته قادته لإبرام عقد يتنازل بموجبه عن بعض أو كل حقوقه للسماح بقيام سلطة تنظم علاقة الأفراد.
حرب الإبادة: هي الحرب التي تتم بدوافع عرقية أو دينية، وتمتاز بأن الإبادة فيها تكون جماعية للمخالف في الملة أو العرق.
الحرب التأديبية: حرب تقوم بها دولة قوية ضد دولة ضعيفة لمجموعة من الإعتبارات السياسية أو الإقتصادية.
الإشكال الذي يجيب عنه النص:
- كيف يكون السلام أمرا ممكنا؟
- إلى أي حد يمكننا القول بأن منع الحرب وتقويض الأسس المؤدية إلى الحرب هو بمثابة إعلان لإمكان قيام سلام دائم بين الدول؟
أطروحة النص
إمكان قيام سلام دائم بين الدول مرهون بالحفاظ على الثقة بين الأطراف المتحاربة عبر احترام أخلاقيات الحرب التي تسمح بعودة السلام، وبمنع الوسائل المؤدية لها وبالتالي نزع المشروعية عن مفهوم الحرب كونه مفهوم يقال على حالة الطبيعة.
أفكار النص الأساسية
التأكيد على أهمية الحفاظ على الثقة في تأسيس السلام بعد انتهاء الحرب.
نزع مشروعية الحرب لأنها مفهوم مرادف لحالة الطبيعة التي يلجأ فيها الإنسان مضطرا للحرب كوسيلة للدفاع عن حقوقه في غياب القانون.
الدعوة لمنع الوسائل المؤدية للحرب خصوصا منها التي لا تسمح بعودة السلام كحرب الإبادة والحرب التأديبية.
البنية الحجاجية للنص
- وظف الفيلسوف مجموعة من الأساليب الحجاجية لتأكيد أطروحته والتي يمكن أن نجملها في:
النفي: (لا يمكن تصور حرب تأديبية بين الدول…)
المثال: (مثال ذلك استخدام السفاحين وداسي السموم…)
التأكيد: (لا بد أن تبقى الثقة…)
التعريف: (الحرب ليست إلا الوسيلة البائسة التي يضطر الناس للجوء إليها…)
الإستنتاج: (لهذا يجب إذن أن نمنع مثل هذه الحرب منعا باتا. وبالتالي…)
خلاصة
إن نصا مثل نص إيمانويل كانط هو إثبات لقضية أساسية وهي أن الفيلسوف وخلاصته الفلسفية لا قيمة لها إذا لم تساهم في حل مشاكل الإنسان وترسيخ قيم الحياة الإنسانية ذات الطابع الكوني التي تنبذ كل أشكال الحرب والعنف فما دام الإنسان واحدا بالنوع فلا مبرر له للجوء إلى الحرب. ومن تم تكون قيم الفيلسوف بمثابة ترجمة لتأمله الفلسفي. وهو ما يجسده إيمانويل كانط في نصه هذا فقيمة السلام بما هي قيمة فلسفية كونية هي بمثابة تفكير وتأمل في عمق المشاكل الإنسانية المطبوعة بالعنف والتي ينتهي فيها إلى ضرورة منع الحرب وإعلان سلام دائم بين الدول.
ثانيا: الفلسفة والحب
الحب ومفارقة مفهوم الفلسفة
“لم تعد الفلسفة اليوم تقول شيئا عن الحب.” بهذه العبارة حاول الفيلسوف الفرنسي “جون لوك ماريون” كشف المفارقة التي تطال الفلسفة مفهوميا. كونها عملت عبر تاريخها إلى تهميش الحب وطمس المعنى الغرامي للفيلوصوفيا/PHILOSOPHIE من خلال تهميش المحبة/ الحب في مقابل الإعلاء من قيمة الحكمة. لذا نجد تاريخ الفلسفة تثبيت لهذه المفارقة عبر التأكيد على الطابع التأملي والمجرد للفلسفة في تجاهل تام لفعل الحب كأساس لنشأة الفلسفة.
إن فعل الحب سابق على فعل المعرفة والوجود، بل الأكثر من ذلك أنه شرط لهما فبدون المحبة تكون المعرفة مستحيلة ولعل ذلك يبدو واضحا مع “فيتاغورس” حينما جعل الحكمة تتأسس على الحب من خلال عبارته “أنا لست حكيما، وإنما محب للحكمة.” لكن هذه الأسبقية قد تم نسيانها مع المفهوم العقلاني والمنطقي للفلسفة خصوصا مع اللحظة الأرسطية التي جعل فيها الفلسفة بحث في المعرفة الحقة. وبذلك تم قطع العلاقة بين المعرفة والحكمة من جهة والحب من جهة أخرى. ولعل هذا التهميش يرجع أيضا إلى إفلاس الحب نتيجة الإستعمال المجاني له، وعدم القدرة على صياغته مفهوميا كونه معطى يشير إلى ما هو جزئي يتعلق بالتجارب الشخصية للأفراد.
الحب ونقد وهم اليقين الديكارتي
إن هذه المفارقة تتجدر في التفكير الفلسفي خصوصا الحديث منه الذي جرد الذات من انفعالاتها وأحاسيسها ورغباتها واختزلها في يقين مصطنع يشكل حقيقة الذات وماهيتها. ولعل الفلسفة الديكارتية أكبر علامة على ذلك. لذا فإن محاولة التفكير فلسفيا في الحب كمكون وجودي للذات يقتضي إعادة التفكير في الكوجيطو الديكارتي. كيف ذلك؟
يؤسس ديكارت الكوجيطو على سؤال مركزي وهو: “من أنا؟” الذي اعتبره السؤال المركزي والأول في الفلسفة للوصول لحقيقة الذات. لذا كان وجودالذات لديه وجود مكتفي مادامت الذات لا تحتاج إلا للفكر كمعطى ذاتي لإثبات الوجود. وعليه كان يقينه يقينا ذاتيا. لكن “جون لوك ماريون” في قراءته لهذا الكوجيطو يرى بأن يقينه ما هو إلا يقين مصطنع مليئ بالغرور لأنه يجعل الوجود مسألة ذاتية لا نحتاج فيها للآخر. ومن تم تظهر خاصية الإنعزال والغرور فالكوجيطو الديكارتي يفصل الذات عن العالم ويختزلها في المحددات الذاتية. إن ما يرمي “جون لوك ماريون” قوله هو أن هذا الكوجيطو لا يعين الإنسان على فهم وضعه في العالم كونه معطى جاف لا معنى وجودي فيه.
إن تجاوز وهم الكوجيطو هذا حسب “ماريون” يقتضي إعادة صياغة السؤال الأصلي للفلسفة باعتباره سؤال متعلق بمعنى وجود الذات في العالم وليس باليقين العقلي. لذا كان السؤال الأصلي عند “ماريون” هو:”هل أنا محبوب؟” كتجاوز لتفاهة الكوجيطو. وهو يقوم على سؤال نقدي ضمني للكوجيطو هو سؤال الجدوى “ما الجدوى من يقين الكوجيطو الذي يعزل الذات عن العالم؟”. لذا فإن الصياغة الجديدة للكوجيطو الديكارتي يجب ان تمنحى معنى لوجود الذات لا ان تكتفي بيقين هذا الوجود. فاليقين إذن يجب ان ينفتح على الآخر حتى يصير يقين غيري متبادل وعموما يمكن صياغة الكوجيطو بموجب “ماريون” على النحو التالي:
أنا أفكر، إذن أنا موجود¬ أنا محبوب، إذن أنا موجود.
أنا أفكر، إذن أنا موجود¬ أنا محبوب، إذن أنا موجود.
صحيح بأن الإنسان لا يستطيع أن يجد معنى وجوده إلا في الحب. فهو من يخلصه من وجوده المتناهي ويضفي عليه طابعا جماليا وشعريا. إلا أن هذا المعطى لا يمنع من تعرية الإستعمال السلبي والمجاني للحب الذي ينحرف فيه عن خلق معنى الوجود إلى معاني مبتذلة كتحصيل غاية أو منفعة ما، أو ان يصير نوعا من الكذب المنظم للإيقاع بالآخر… وعموما فإن كشف هذه المعطيات تقتضي منا تحليل عبارة “أنا أحبك” حتى يصير لنا وعي بمفهوم الحب.
تحليل عبارة أنا أحبك:
غالبا ما تتكرر هذه العبارة على مسامعنا بالشكل الذي أصبحنا نظن معه أنها عبارة مفهومة تفيد كل معاني الصدق والتعبير عن نبل المشاعر. لكن ماذا لو لم نكن نعرف شيئا من هذه العبارة لأننا نقوم فقط بعملية إسقاط لمتخيلنا عليها؟
يمكن تحليل هذه العبارة من خلال مجموعة من المعاني الضمنية التي تعبر عن الإخفاء. ويمكن تحديدها على الشكل التالي:
- عبارة ضبابية لا معنى لها (فهي تفيد كل شيئ ولا تفيد أي معنى محدد). بل هي عبارة لها قصد مبطن لا يتم الإعلان عنه لذا فإن معنى العبارة يترك للسامع لكي يفهم منه ما يشاء.
- تغليف للرغبة القدحية التي لا نقدر على التصريح بها نظرا للسلطة الأخلاقية والدينية والإجتماعية. لذا فإن الجوهر في عبارة “أنا أحبك” هي عبارة “أنا أرغب فيك“
- عبارة تفيد المنح وإرضاء الآخر حتى يقبل بالمحب. فهي دعوة للشفقة والعطف والمشاركة الوجدانية حتى يتسنى لقائلها الإيقاع بالمحبوب.
- خلق للوهم عند المحبوب بجعله مركز العالم حيث يرتبط وجود الذات فيها بوجود المحبوب.
- هي دعوة للمبادلة وإعلان للمراودة حيث يصير الحب عبارة عن استراتيجية لإسقاط الغير لتحقيق ذلك القصد الغير المعلن.
- عبارة أنا أحبك تعني حقيقة عند قائلها أني لا أحبك أو لم أعد أحبك، لأن المعنى الذي تحبني به هو غير المعنى الذي أقصده فكل ما أسعى إليه هو رغبة تعتبرها مناقضة للحب.
خلاصة
إن ما تكشفه هذه العبارة هو أن الحب مطبوع بالزمانية إذ تختفي فيه الأبدية وتندثر لأنه يرتبط برغبة غير معلنة. بل الاكثر من ذلك أن الحب هنا يصبح نوعا من الكذب المنظم الذي نسعى فيه لإسقاط الآخر بقرار ذاتي لا ننتظر فيه المبادلة من المحبوب. بمعنى أنه استراتيجية منظمة تعمل على خلق الوهم، ولعل هذا المعنى هو ما عبر عنه الفيلسوف الفرنسي جون بودريار حينما تحدث عن الحب كمراودة.