مفهوم الحق والعدالة: الحق بين الطبيعي والوضعي – العدالة كأساس للحق – العدالة بين المساواة والإنصاف

 

المادة مادة الفلسفة
المستوى مستوى الثانية بكالوريا
الدورة الدورة الثانية
المجزوءة مجزوءة السياسة
المفهوم مفهوم الحق والعدالة

مفهوم الحق والعدالة

  • الحق بين الطبيعي والوضعي
  • العدالة كأساس للحق
  • العدالة بين المساواة والإنصاف

تقديم مفهوم الحق والعدالة

إذا كانت غاية السياسة هي  فن تدبير الشأن العام،  أي فن تدبير شؤون الأفراد الإجتماعية والإقتصادية… ,إذا كانت تتوخى ضمان الوفاق الداخلي، فهي لابد أن تكون عادلة لكي تحقق ذلك. ولن تكون عادلة إلا إذا أخذت بعين الإعتبار مبدأ الحق، باعتباره محددا للسياسة العادلة. ولذلك، كان من الضروري الوقوف عند  مفهومي الحق والعدالة والتفكير فيهما تفكير فلسفيا يكشف علاقتهما بالسياسة وأيضا علاقة كل منهما بالآخر (علاقة الحق بالعدالة والعكس). وقبل تحديد التسؤالات التي يطرحها المفهمومان، لابد أولا من كشف دلالتهما.

أما العدالة فتقترن في اللغة المجازية بالمزين، لأنها تزن أفعلانا دون زيادة أو نقصان، كما تقترن بمجموع القواعد القانونية والمعايير الأخلاقية التي يعتمدها مجتمع ما في تنظيم العلاقات بين أفراد فيما يخص الحقوق و الجزاءات والواجبات. وللعدالة بعدان، الأول موضوعي (أو خارجي) حيث تتجسد العدالة في المؤسسات التشريعية والقانونية التي تعمل على صيانة الحقوق، والثاني معياري (أو أخلاقي) حيث تتجسد العدالة في السلوك الفردي، باعتبار العدالة فضيلة أخلاقية.

أما بالنسبة لمفهوم الحق فيدل عموما على ما هو مسموح به، كما يدل على ما هو متطابق مع قاعدة محددة فيكون واجبا شرعا وقانونا؛ فحين نقول مثلا حق التمدرس، فهذا حق لأنه متطابق مع قاعدة محددة هي التي تخول الإستمتاع به. ومن بين القواعد المحددة للحق نجد صنفين: الأولى هي المرتبط بالطبيعة الإنسانية والثانية هي المرتبط بما هو ثقافي (القانون، الأعراف…)

أولا: الحق بين الطبيعي والوضعي

لجعل السياسة سياسة عادلة لابد من تأسيسها على مبدأ الحق، لكن هذا المبدأ ليس له بعد واحد وإنما معدان مختلفان إلى حد قد يبدوان فيه متعارضان، وهما البعد الطبيعي والبعد الوضعي، البعد الطبيعي من حيث أن الحق قد يجد أساسه في طبيعية الإنسانية (الحق في الحياة مثلا)، وقد يجد أساسه في ما هو وضعي، أي ما وضعته  وحددته المؤسسات والقوانين (الحق في الإنتخاب). وهذا الإختلاف هو الذي يدفعنا إلى البحث في مفهوم العدالة في علاقته بالحق، وخاصة إن كانت العدالة تتأسس على الحق بما هو حق طبيعي، أم على الحق بما حق وضعي. فما دلالة التمايز بين الحق الطبيعي والحق الوضعي؟ وأيهما يؤسس للعدالة؟ بتعبير آخر؛ هل تتأسس العدالة على الحق بما هو حق طبيعي أم بما هو حق وضعي؟

قبل الإجابة عن الإشكالات تطرحها العدالة في علاقتها بالحق، لابد أولا من تعريف المفهومين لكشف الإختلاف بينهما
 الحق الطبيعي: يعرف اسبينوزا الحق الطبيعي بكونه ليس قوة أو سلطة شرعية يمتلكها الإنسان لأنه لا توجد في الطبيعة  قوة شرعية أو لا شرعية. الحق الطبيعي هو حق السلوك طبقا لقوانين الطبيعة العامة وطبقا لطبيعة من يقوم بالفعل.
 الحق الوضعي: هو مجموع الحقوق المنصوصة في القوانين المكتوبة والعادات الثابتة ” أي من وضع الإنسان، وهو ما سماه جون جاك روسو بحالة التمدن التي تجعل حدا للأنانية وتفرض سيادة القانون من خلال العقد الاجتماعي.

الحق الوضعي أساس العدالة.

ذهب مجموعة من الفلاسفة إلى التأكيد على  أن الحق يجب أن يتأسس على ما هو وضعي وليس على ما هو طبيعي (الطبيعة الإنسانية). نذكر من بين هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي طوماس هوبز والفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا.
ذهب طوماس هوبز في كتابه “التنين” إلى انتقاد الحق الطبيعي باعتباره “الحرية التي لكل إنسان في ان يتصرف كما يشاء في إمكاناته الخاصة للحفاظ على طبيعته الخاصة”. إذن فجوهر الحق الطبيعي وماهيته حسب طوماس هوبز هي الحرية، اي حرية القيام بالفعل او الإمتناع عنه. ومنه فإذا كان حق الطبيعة يعني تلك الحالة الطبيعية التي كان الإنسان يتمتع فيها بحرية مطلقة مما يؤدي إلى حالة “حرب الكل ضد الكل”، فإن العقل الإنساني اهتدى بناء على قانون طبيعي إلى اكتشاف قاعدة  ضرورة التنازل عن الحرية المطلقة وتأسيس سلطة مشتركة، تمكن الإنسان من الحفاظ على سلامته وأمنه، وتمكنه من ان يبلغ حدود الحياة التي تسمح بها الطبيعة عادة للبشر.
ويؤكد اسبينوزا في كتابه “رسالة في اللاهوت والسياسية” بأن الحق الطبيعي حق مطلق، تحدده الأهواء والقدرة على الفعل، وبالتالي يتصرف كل إنسان حسب ما يمليه عليه ضميره الخاص، وحسب قدرته، وفي ذلك يقول: “إذا نظرنا إلى الطبيعة في ذاتها، نجد انها تتمتع بحق مطلق على كل ما يدخل تحت سيطرتها، أي أن حق الطبيعة  يمتد بقدر امتداد قدرتها…” لذلك ينتقد اسبينوزا الحق الطبيعي، حيث يقول: “إن  الحق الطبيعي لكل إنسان يتحدد حسب الرغبة والقدرة، لا حسب العقل السليم” وبالتالي فإن اسبينوزا يدعوا إلى جعل فعل الإنسان موافقا لقانون العقل، لا لقانون الرغبة والقدرة والشهوة.
خلاصة القول أن الحق الطبيعي حسب خوبز واسبينوزا لا يجب أن يكون أساسا وقاعدة للعدالة، لأن الحق الطبيعي حق مطلق، يخول للفرد التصرف بحرية مطلقة، وبالتالي فهو لا يسمح باستمرار الجنس البشري، ولذلك كان لابد تأسيس الحق على ما هو وضعي.

الحق الطبيعي أساس العدالة.

إذا كان هوبز وباروخ اسبينوزا قد ذهبا إلى انتقاد الطبيعية الإنسانية ، وانتقدا الحق الطبيعي من خلالها، فالفيلسوف السويسري جون جاك روسو ذهب الى تثمين حالة الطبيعة، فحالة الطبيعة بالنسبة إليه ليس أقل شأنا من حالة التعاقد، بل هي بمثابة “الفردوس”، ذلك أنه في حالة الطبيعة كانت تسود حرية والمساواة والنعيم، ولم تكن هذه الحالة حالة حرب واقتتال كما قال هوبز. إلا أن العودة إلى حالة الطبيعة أمر صعب، لذلك دعا إلى ضرورة إصلاح مفاسد الإجتماع الأول الذي ظهرت معه الملكية الفردية ومن ثمة التفاوت الطبقي الذي أدى إلى الحروب والإقتتال.
وهكذا، فسواء غابت العدالة والمساواة في حالة الطبيعة أو في حالة الاجتماع الأول الفاسد، فالغاية من تحقيق العدالة هو إعادة تأسيس قواعد الحق على معايير تراعي ضرورة الحفاظ على الحقوق الطبيعية للناس ولكن بالتساوي، ووفق القوانين التي سيتم التعاقد عليها ليصبح ما كان حقا طبيعيا هو في ظل القوانين الجديد حقا وضعيا بسبب ضرورة التعاقد، ما دام الحفاظ على هذا الحق الطبيعي قد أصبح مهددا بسبب استعمال العنف والمكر.
إذن فالعدالة تتأسس على الحق بما هو حق وضعي، لكن الأخير يجب أن تستند على الطبيعة بما هي طبيعة خيرة.
تمرين: قم بملء الجدول أسفله عبر مايلي:
طوماس هوبز – باروخ اسبينوزا –  جون جاك روسو –  الحق الطبيعي يسمح بحرية مطلقة ما يؤدي إلى العنف – حالة الطبيعة أقل شأنا من حالة التعاقد –  حالة التعاقد أقل شأنا من حالة الطبيعة – الحق الطبيعي أساس العدالة – الحق الوضعي أساس العادلة – الطبيعة الإنسانية بريئة – الطبيعة الإنسانية شريرة – الطبيعة الإنسانية تغلب عليها الشهوات. المؤسسات والقوانين هي أساس العدالة – حالة الطبيعة حالة مساواة وحرية ونعيم.
العدالة تتأسس على الحق الطبيعي
العدالة تتاسس على الحق الوضعي

ثانيا: العدالة كأساس للحق

إن التفكير في مفهومي  الحق والعدالة  يدفعنا إلى البحث في طبيعة التعالق بينهما، وإن كان الحق يتحدد وفق العدالة، أم أن العدالة هي التي تتحدد وفق منطق الحق. من هنا يمكن أن نتساءل:  أيهما يتأسس على الآخر الحق أم العدالة؟  هل العدالة هي التي تضمن الحق، أم أن الحق هو أساس العدالة؟  بتعبير آخر هل العدالة هي التي تبين ما هو حق، أم أن الحق هو الذي يبين ما هو عادل؟ وبتعبير آحر، هل العدالة تتأسس تأسيسا واقعيا أم عقليا؟

العدالة أساس الحق:

لقد ذهب مجموعة من الفلاسفة إلى التأكيد على أن القوانين هي مصدر العدالة، وبالتالي هي مصدر الحق. وهنا نذكر على سبيل المثال لا الحصر صاحب كتاب “رسالة في اللاهوت والسياسة” الفيلسوف باروخ اسبينوزا، الذي أكد على أن الذي يضمن للأفراد حقهم في العيش، والحفاظ على حياتهم وضمان حريتهم، هو الإمتثال للقانون المدني المؤسس على العقل، ويشكل الإمتثال لهذا القانون المدني جوهر العدالة الإجتماعية، لأن القانون ينطق بالحق، وكل انتهاك له هو ظلم وجور. وهكذا فلا عدالة خارج عدالة قوانين الدولة، والتي هي قوانين العقل. وهذه القوانين يقف الجميع أمامها على قدم المساواة، لأنها مصاغة بتراض من الجميع.
في نفس السياق يرى الفيلسوف والكاتب الفرنسي ألان (إميل شارتي) بأن الحق لا يكون عادلا ما لم يتم الاعتراف به من طرف السلطة القائمة. وهكذا فالحق يتأسس على العدالة وليس العكس. ويقدم ألان كحجة على موقفه مجموعة من الأمثلة، أمثلة على كون الحق هو ما اعترف به من طرف السلطات، حيث يقول في كتابه “خواطر حول السعادة: ” إن وجود الساعة عند اللص ليس بتا في أمر الملكية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى منزل: فالسكن والتصرف فيه تصرف المالك ليسا قطعا من قبيل اكتساب الملكية”. وهذا المثال دليل واضح على أن الفيلسوف يرى في العدالة أساسا للحق، وأن الحق لا يكون كذلك إلا إذا اعترف به على أنه حق، وعبارة “ما اعترف به” تدل على ما وافقت عليه السلطة الحاكمة
لا يمكن إلا التأكيد على أهمية المواقف القائلة بضرورة العدالة في التأسيس للحق، فالعدالة حقا هي معيار الحق في ظل تضارب الآراء واختلافها، غير أن العدالة قد تكون غير عادلة، بمعنى أن القوانين قد تكون ظالمة، ومن هنا يمكن التساؤل: ألا ينبغي تأسيس العدالة على الحق وليس العكس؟

الحق أساس العدالة:

لقد أكد كانط على ما جاء به اسبينوزا وباقي فلاسفة الأنوار (روسو، مونتسكيو…) إلا أنه يرى بأن العدالة والقوانين إذا لم ترتبط بالحرية والكرامة والواجب، فيمكن أن تضيع العدالة، فالبعد القانوني لوحد يعتبر قاصرا، ويحتاج بعدا آخر أخلاقي يحصنه، وهذا الأخير يقوم على قاعدة: “عامل الإنسانية في شخصك كما في شخص غيرك، دائما وأبدا، كغاية وليس كمجرد وسيلة”. لكن هل يمكن أن تعدد العدالة الحق إن كانت عدالة ظالمة؟
يؤكد الخطيب ورجل الدولة اليوناني شيشرون (43_163ق.م) على أن المؤسسات والقوانين لا يمكن أن تكون مصدرا للعدالة، مالم تكن مؤسسة على الطبيعة. ففي كتابه “في الجمهورية” يقول: “لا يوجد عبث أكبر من الإعتقاد بأن كل ما هو منظم بواسطة المؤسسات أو قوانين الشعوب عادلا”. ويستدل على قوله باستحضار مثال قوانين نظام الحكم السياسي الذي كان سائدا في أثينا إبان حكم الثلاثين، فهي قوانين طغاة، ولا يمكن أن تكون مصدرا للعدالة، وبالتالي لن تكون مصدرا للحق. بمعنى أن إمكانية أن تكون المؤسسات والقوانين ظالمة، يؤدي إلى غياب العدل وبالتالي غياب الحق. نظرا لإمكانية ارتباط القوانين والمؤسسات بالملحة والمنفعة الذاتية لا بالمصلحة المشتركة. لذلك يؤكد شيشرون بأنه “لاوجود لعدالة ما لم توجد طبيعة صانعة للعدالة، ولو تم تأسيسها على المنفعة لتغيرت بتغيرها”. لكن ما الذي سيجعل الناس يسلكون وفق العدالة إذا لم توجد قوانين ومؤسسات؟ في جوابه على هذا السؤال يذهب شيشرون إلى أن حب الناس هو أساس الحق. وأن حب الناس هو أساس فضائل مثل الكرم وحب الوطن واحترام المقدسات والرغبة في خدمة الغير والإعتراف بما أسدى لنا من خدمة. أكثر من ذلك فإذا كانت الطبيعة تمكننا من التمييز بين الحق والظلم فهي تمكننا كذلك من التمييز بين الأشياء الحسنة والأشياء القبيحة من الناحية الأخلاقية بصفة عامة.
حاصل القول أن الطبيعة هي معيار التمييز بين ما هو عادل وما هو ظالم، فالمؤسسات والقوانين تتميز بالتغير، كما يمكن أن تكون جائرة إذا كان النظام السياسي الحاكم نظاما طاغيا لذلك لا يمكنها أن تكون أساس العدالة وبالتالي لا يمكنها أن تكون اساس الحق. وبتعبير أدق فالحق أساس العدالة وليس العكس.

تمرين: 

من خلال ما تعرفت عليه في الإشكال السابق (الحق بين الطبيعي والوضعي) حدد أي الفلاسقة يؤكد ضرورة تأسيس الحق على العدالة، وحدد أي الفلاسفة يرى أن الحق هو الذي يؤسس للعدالة.

ثالثا: العدالة بين المساواة والإنصاف

يتحدد الإنصاف بوصف “إعطاء كل ذي حق حقه” بينما تتحدد المساواة بوصفها “عدم التمييز بين الناس  في السن أوالعرق أو الانتماء الطبقي أو الجنس”. ومنه فالانصاف ليس هو المساواة، فاذا كان النصاف يعني نوعا من التمييز، فالمساواة تعني غياب التمييز. كل هذا يدبفعا إلى التساؤل عما إذا كانت العدالة إنصاف أم مساواة.
فهل يمكن تطبيق العدالة بالتساوي بين الناس، بحيث يجب أن يكون الجميع سواسية، ام يجب إنصاف كل واحد منهم بحسب تميزه عن الآخرين؟ بعبارة أخرى، هل العدالة مساواة أم إنصاف؟

موقف أفلاطون:

يذهب أفلاطون في محاورة الجمهورية إلى أن العدالة على مستوى الذات هي أن يتحكم الفرد في نزعاته المتضاربة، هذا بينما تشير العدالة  في الدولة  إلى أن يتولى كل فرد العمل الذي تؤهله له طبيعته وقدراته الذهنية والجسدية، وعلى ذلك فإن الدولة العادلة التي تعني عند افلاطون الإنسان مكبرا، هي تلك التي تضع كل شخص في المكان المناسب الذي تؤهله له طبيعته وقدراته، وتعمل على فصل صارم بين طبقاته الأساسية التي هي: طبقة الفلاسفة او الحكام، طبقة الجنود، طبقة الصناع أو الحرفيين، والتي هي صورة للتوازن بين مكونات النفس الثلاث: النفس العاقلة، النفس الغاضبة، النفس الشهوانية. وهكذا فالحرفيون هم المختصون بالإنتاج بهدف إشباع حاجات المجتمع، وبالتالي تمكين الطبقتين الأخريتين من التفرغ لمهمتهما، أما المحاربون فهم الطاقة الشجاعة القادرة على الدفاع عن أرض المدينة، وأخيرا تأتي طبقة الحكام  التي هي من شأن الفلاسفة، ذلك بأنهم هو وحدهم القادرون بحكم عقولهم على العودة إلى عالم الروح (العالم الذي تقبع به الحقيقة) واستلهام حقائق الحكم منه.

موقف أرسطو:

رغم اختلافه عن أستاذه أفلاطون، فأرسطو هو الآخر يرى أن العدالة انصاف، وحجته في ذلك هو أن العادل (المساواة) لا يأخذ بعين الإعتبار روح القوانين، وإنما إلى ظاهرها و حرفية نصوصها. وعلى خلاف المساواة فالإنصاف لا يقوم على تطبيق القوانين في حرفيتها، وإنما يأخذ بعين الإغتبار ما يقتضيه الواقع وما تفرضه الحالات الخاصة.
لكن تأسيس العدالة على أسطورة المعادن أفلاطون  (أفلاطون) وعلى فكرة الطبيعة (أرسطو: العبد عبد بالطبيعة والسيد سيد بالطبيعة) لا يمكن إلا ان يفضي إلى نسف مفهوم العدالة  من الأساس كفضيلة اخلاقية، وتصبح العدالة في هذه الحالة مرادفة للظلم وانتهاك حقوق الإنسان.
و بما أن الانصاف يأعني الأخذ بعين الإعتبار الفوارق بين الأفراد،  جاء اقتراح فلاسفة الأنوار  من امثال جون جاك روسو ومونتسكيو والفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، فكرة المساواة الطبيعية بين الافراد، اي انه توجد طبيعة مشتركة بين جميع البشر وأنه يجب لذلك أن يعطى للناس جميع الحقوق، بغض النظر عن الفروق التي تميزهم في السن والعرق والجنس، فالكل أحرار بالطبيعة، ولا وجود لسيد بالطبيعة وعبد بالطبيعة. وقد عبر عن هذا المنحى التنويري لمفهوم المساواة بين البشر، إعلان حقوق الإنسان، مضمون هذا الإعلان: “يولد الناس أحرارا، ولهم حقوق جوهرية وطبيعية”.
لكن أليست المسواة التامة بين الناس ظلم وجور؟
أكد مجموعة من الفلاسفة على أن المساوة التامة بين الأفرد تعتبر جورا وظلما، وبالتالي لن يكون فالمساواة ليست عدلا. وهنا يمكن أن نستحضر قول الفيلسوف الألماني ماكس شيلر (1874-1928) في كتابه الإنسان الحاقد، حيث يقول: “يبدو واضحا أن وراء هذه المساواة المنشودة –غير المضرة في الظاهر- تتستر دائما (سواء كانت هي المساواة الأخلاقية، أم الإقتصادية، أم الإجتماعية أم السياسية، أم الدينية) الرغبة الوحيدة في خفض الأشخاص المعتبرين أكبر وأعظم من غيرهم إلى مستوى الأشخاص الذين هم في أسفل درجات السلم”.
ويؤكد المفكر والفيلسوف الأمريكي جون راولز  هو الآخر على أن العدالة الإجتماعية يجب أن  تقوم على قاعدة الإنصاف. والإنصاف الذي يدعوا إليه راولز لا ينف ضرورة المساواة، فهو يؤسس للعدالة بما هي إنصاف انطلاقا من قاعدتين هما:
1-يجب تحقيق المساواة بما هي إنصاف في الحريات الأساسية سواء تعلق الأمر بالحريات السياسية أو الإجتماعية أو الإقتصادية، كالحق في التعبير والإنتخاب والإعتقاد؟
2-  لابد من توزيع الثروة بنوع من اللامساواة المتجلية في التفاوت الإجتماعي والإقتصادي ويعتبر هذا التفاوت عدلا لسببين: أولا لأن هناك اختلاف بين الأفراد في الموهبة الحظ والظروف، وبالتالي ليكون من الظلم المساواة بينهم. وثانيا لأن الأقل حظا سيستفيدون من خيرات المالكين للثروات، وبالتالي فعلى الذين حظهم أقلّ من غيرهم من المحظوظين، أن يعترفوا ويقبلوا بهذه اللامساواة باعتبارها مساواة.    
تمرين: 
بأي معنى معنى يمكن المساواة بين الرجل والمرأة؟

 

إغلاق