“كورونا”: التاريخ وبعض سُبل العلاج محمد عرفات حجازي
“كورونا”: التاريخ وبعض سُبل العلاج
محمد عرفات حجازي[*]
الفيروسات القاتلة والمُعدية على منوال كورونا وإيبولا وسارس وغيرها ليست بالظاهرة الجديدة، بل هي نوعٌ من الأمراض التي كانت تضرب الكثير من مناطق الأرض، منذ غابر الأزمنة، وفي ظلّ غياب التحليلات المُختبرية، وقتذاك، كان يطلق عليها إجمالًا اسم “الطاعون”. وهكذا، نقرأ في كتب التاريخ أنّ طاعونًا ضرب منطقة كذا وأفنى معظم أهلها.
ومن جهة فلسفية تاريخية، فقد اختتم الفيلسوف والشاعر الروماني “لوكريتيوس” ملحمته “في طبيعة الأشياء” بمشهد الطاعون الذي يُحوِّل مدينة موبوءة إلى مستودع مفتوح للجثث المُتعفِّنة، وجعل المعابد تمتلئ بالمرضى والمُحتضرين والموجوعين الذين يطلبون رحمة السماء. وهو ما يشي عن هشاشة الوضع البشري التي استفحلت في ظلّ الدولة الاجتماعية الضعيفة كمجتمعاتنا العربية الآنية، تلك الهشاشة التي فتحت الباب على مصراعيه أمام بائعي الأوهام بكلّ أطيافهم.
إنّ رسالة “لوكريتيوس” هي رسالة الفيلسوف الحكيم: يجب على الإنسان أن يتعلّم تحمُّل شرطه الدراماتيكي، دون أن يربط نفسه بأيّ خلاص لا يتحكّم فيه، ما يعني أنّ الإنسان ينبغي أن يعيش سيد نفسه، وذلك بغضّ النظر عن حجم الشرور والأخطار التي قد تتجاوز قدرته في بعض الأحيان، والتي يظلّ وجودها طبيعيًّا وجذريًّا طالما لم يُخلق العالم من أجل إرضائنا كما يظنّ الأطفال.
ومن جهة تاريخية إسلامية، فقد ورد في صحيح البخاري العديد من الأحاديث النبوية حول “الطاعون” وسُبل التعامل معه، وتدور في مُجملها حول تحديد الإقامة ومنع التجوّل والاختلاط، أو التنقُّل من بلدٍ لآخر (3286/ 3287/ 5396/ 5402/ 6245/ 6572) حفاظًا على الذات والآخرين.
إنّ الدروس المُستفادة من التاريخ، هي ذاتها التدابير الاحترازية التي تُناشدنا منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة عبر الدول باتباعها؛ حفاظًا على أرواحنا وأرواح الآخرين، مع زيادة بعض الإجراءات الوقائية الأخرى التي تتناسب وطبيعة العدوى المُنتشرة. واستنادًا على ذلك، يمكننا، هنا، أن نُعارض، ودون أدنى ريبة، ما ذهب إليه مؤرخون أمثال “جفري باراكلاف” و “ج. هـ. بلومب” و “دافيد رونالد” من أنّ التاريخ لم يعد بمقدوره أن يُزوِّدنا بخبرات سابقة في مُواجهة المشكلات الجديدة، وأنّ التاريخ لا معنى له أو فاعلية أو رجاء.
صحيح أنّنا، غالبًا، لا نتعلّم من أخطاء الماضي، كما أنّا عاجزون، بصورة أو بأخرى، أمام قوى الطبيعة، لكن لا يمكن بحال من الأحوال إعدام التاريخ ودروسه وعبره؛ إنّنا إذا فعلنا، فقد حكمنا، لا على التاريخ فحسب، بل على حاضرنا وثقافاتنا، وحضاراتنا، وما توصلنا إليه من إنجازات: بالعدم..
إنّ ما قامت به الدول، اليوم، من تقديم الإرشادات، وحظر التجمعات الكبيرة بمختلف أشكالها، وبثّ الوعي بعديد السُّبل… إلخ، إن هي إلا إجراءات احترازية؛ للحيلولة دون تفشِّي وباء “كورونا”، ولكن، يبقى الشقّ الأهمّ، وهو الامتحان القاسي لمستوى التقدم العلمي والثقافي والحضاري، ولقوة الدولة والمجتمع في كلّ بلدٍ على حدة، والنظرة تجاه المستقبل، وهو ما سنفرد له مقالنا القادم…