كمال أحميش: الثقافة و المجتمع: أية علاقة؟
من هو المثقف الذي يهواه المجتمع؟ما هي ضريبة المثقف؟
إن الثقافة تشكل لبنة أساسية في المجتمع، و هذا أمر بديهي و لا ريب فيه،بالثقافة نميز بين الشعوب، بالأحرى إن هوية المجتمع تتحدد من خلال ثقافته، لأنها تعتبر السير الفكري و العقائدي و الممارستي…للمجتمع. لذلك يعتبر المثقف كائنا مهما في المجتمع. لكن في السير نحو تطويرها في ظل العولمة فقدت بكسر القاف في المجتمعات العربية و تكاد تندثر، و أصبحت صورة المثقف تحمل دلالة خاطئة، فمثلا العديد يصور المثقف بالشخص الجالس في المقهى و يقرأ جريدة و على مائدته فنجان قهوة، و غير راض على الوضع أو الشخص المنعزل في عالمه وحده. فالثقافة هنا ارتبطت بالوحدة و الإنعزال كما تقوم بتسويقها العديد من الأعمال الأدبية العربية. حيث دائما نرى البطل المثقف منعزل على صخب المجتمع و بعيد عنه كل البعد، إن الأمثلة كثيرة لكن لا يسعنا أن نذكر العناوين و الأسماء التي سجنت المثقف في إنتاجاتها.
و هذا الأمر -أي ربط الثقافة بالإنعزال و الوحدة- غير مجدي، و لا يخدم المجتمع بقدر ما يدمره، حيث من خلال هذا التداول لا يكمن أن يستفيد المجتمع من فكر المثقف.
و الثقافة تتجلى في خدمة المجتمع و السعي إلى تطويره، لا في الهروب و التفرد. إن الفرد يكسب قيمته الثقافية من مدى استغلال ثقافته في تنوير مجتمعه دون رد الاعتبار لحالة ووضعية المجتمع.
فإذا كان هنا مبرر المثقف المنعزل هو وضع المجتمع المزدري، نسأله من سيعالج هذا الوضع؟ و مهمة الخلاص و التنوير لمن؟
إن هذه الأسئلة لتفترض إلا جواب واحد هو “المثقف” لأنه هو الذي يعلم ما ينقص المجتمع من خلال سفره و كسبه لمجموعة من المعارف التي قد -أو دون أدنى إحتمال- ستطور المجتمع و تجعل منه فضاءا صالحا.
و بالتالي تكون ضرورة انخراط المثقف في المجتمع أمرا لا بد منه.
في نظركم من هو المثقف الذي سيفيد المتجمع هل ذلك الذي يعرف قليلا من المعارف و يشارك بها في مجتمعه و يوظفها لتنويره أم ذلك النوع المنعزل والذي يلتهم المعارف لذاته دون توظيفها في إغناء محيطه و تحقيق فاعلية له.
إنه بالتأكيد و دون أدنى ريب هو النوع الأول، و لغة النتائج تؤكد ذلك، حيث الإيجابيات التي يقدمها النوع الأول لأرضه أكثر بكثير من ما يقدمه النوع الثاني المنغلق على ذاته.
إن ضريبة المثقف ليست هي الانعزال كما يقال، بل إن الضريبة الحقيقية و المثلى للمثقفين هي صبرهم على صخب المجتمع و نقده و إنقاضه و محاولة إصلاحه و تنويره،و مده بالأزم من المعارف و المدارك.
فإذا إعتزل المثقف من دور تخليص المجتمع من سيعوضه؟؟
إنها أسئلة استنكارية تؤكد ضرورة إنخراط و تفاعل المثقف في المجتمع و صبره حتى يحقق غايته التي لا تتجاوز تنوير مجتمعه.
و بالتالي فإن علاقة المثقف بالمجتمع علاقة حميمية، حيث يعتبر المثقف هو السبيل لخلاص المجتمع و تمحيصه من الجهل و رواسبه.
إن المثقف الذي لا يتحسس آلام شعبه لا يستحق لقب مثقف على حد تعبير أنطونيو غرامشي